«قلب» «صقور المستقبل» على «النصرة» ويسألون الحريري : «مكملين» الى اين؟ ابراهيم ناصرالدين
«مكملين»، شعار حملة تيار المستقبل في الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هذا «الشعار» استدعى سؤالا جوهريا من قبل «صقور» التيار الازرق الى القيادة المركزية، «كويس» لكن الى اين؟ طبعا لا جواب على هذا السؤال، لكن «انفجار» الازمة مؤخرا بين النائب خالد الضاهر ووزير الداخلية نهاد المشنوق على خلفية ازالة الشعارات «الاسلامية» في طرابلس، ليست الا رأس «جبل الجليد» في خلاف حول «الاستراتيجية» وليس «التكتيك» بين تيار الرئيس فؤاد السنيورة، «الممتعض» من «سذاجة» النائب الضاهر الذي حول المعركة باتجاه «الاخوة» المسيحيين، وبين الفريق الذي يديره المشنوق في بيروت بتغطية من الرئيس سعد الحريري، وفحوى هذه الازمة هو عدم فهم «التيار المتشدد» خلفيات هذا التسديد المجاني «للفواتير» الى حزب الله، وعما اذا كان الرئيس الحريري مدركا لطبيعة ما يحصل ام انه ينساق وراء «طموحات» غير مفهومة لوزير الداخلية المتهم من قبل هؤلاء بانه بات يمثل «الذراع الرسمية» للحزب في المعركة المفتوحة للقضاء على «الثورة السورية» بشكل عام، و«جبهة النصرة» على وجه الخصوص، فاين المصلحة في ذلك؟ والم ينتبه هؤلاء ان هذه المواجهة المفتوحة تتزامن مع اطلاق حزب الله للعمليات العسكرية في ريفي درعا والقنيطرة؟
هذه المعلومات المستقاة من اوساط مقربة من «التيار الازرق»، تشير الى ان الاسئلة المرتبطة بهذ القضية لم تبدأ الان، وانما منذ بدأت الحملة الامنية التي استهدفت مجموعة شادي المولوي واسامة منصور، وتوقيف الشيخ حسام الصباغ ، واقفال ملف سجن رومية، فالحوار انطلق دون «اوهام» مسبقة في امكانية اقناع حزب الله بالتراجع عن خياراته السورية، لكن المفاجئة كانت نجاح حزب الله في «توظيف» وجود تيار المستقبل في السلطة للتخلص من «اعدائه». وفي هذا السياق لا يفهم جناح «الصقور» هذا الاصرار على تفريغ طرابلس والساحة اللبنانية من الرموز التابعة لـ«جبهة النصرة» والتضييق عليهم،وهو امر يتنافى مع استراتيجية دول الخليج ومن يدور في «فلكها».
وقد ساق هؤلاء خلال النقاشات من الدلائل التي تشير الى ذلك، ففي الاردن مثلا لم تتغير السياسات المتبعة تجاه جبهة «النصرة» فالأولويات الأردنية واضحة الملامح في هذا الاتجاه فالثأر مع «داعش» وليس مع «النصرة»، ولذلك سارعت عمان الى اطلاق منظر التيار السلفي الشيخ أبو محمد المقدسي صاحب النفوذ الكبير في صفوف «جبهة النصرة»، كما ان غالبية أنصار التيار السلفي الجهادي الأردني مؤيدون «للجبهة»، وعمان بعد إعدام معاذ الكساسبة لم تنفذ اي اعتقالات في صفوف النشطاء المؤيدين لجبهة النصرة. وتساءل هؤلاء، لماذا وزير الداخلية «فاتح» على حسابه في هذا السياق؟ ووفق اي اجندة يعمل؟ وهل هو مدرك لطبيعة دوره في هذه المرحلة بعد ان اصبح عمليا يلاقي حزب الله في حربه الدائرة في سوريا خصوصا مع بدء معركة الجنوب؟
وتعتقد تلك الاوساط، ان ثمة «هلع» حقيقي بسبب التداعيات المفترضة على الوضع اللبناني اذا ما نجح حزب الله في حسم المواجهة في تلك المنطقة، فهذا سيؤدي حكما الى اقفال جبهة شبعا الموعودة، والى عزل مجموعات «النصرة» في جرود القلمون، وهذا يعني خسارة آخر «اوراق الضغط» على حزب الله على الحدود مع سوريا، فهل من الحكمة التشدد في الحملة داخليا على المقربين من «النصرة» وتغطية «ظهر» حزب الله بدل العمل على «كشفه»؟ واذا كان اقفال ملف سجن رومية قد تم «هضمه» على مضض، فان الاستمرار في حملة التضييق على «التيارات الاسلامية» على النحو السائد لم تعد مفهومة خصوصا ان اجابات الرئيس الحريري وحديثه عن فرصة لتعزيز دور تيارالمستقبل بصفته رمزا للاعتدال، لا تتناسب مع طبيعة المعركة الكبرى الدائرة في المنطقة وسوريا بشكل خاص، فكيف يمكنه الحديث عن مكاسب اذا كانت الهزيمة تطل من راسها من «ابواب الشام»؟
وفي مقاربة «واقعية» لكيفية تعامل «المستقبل» وحزب الله مع الاحداث، تشير تلك الاوساط الى ان حزب الله ازال اعلامه وشعاراته من بيروت ليرفعها في ريفي القنيطرة ودرعا، وفيما وقف «التيار الازرق» متفرجا على الاحداث الاخيرة، ويبحث عن «الرايات السوداء» لازالتها، استطاع حزب الله ان يحول عملية اغتيال قياداته العسكرية في الجولان السوري الى «فرصة»، فقيادة الحزب استغلت الضعف الاسرائيلي بعد عملية مزارع شبعا، ونقلت المعركة الى مرحلة جديدة لاقفال ما يسمى «الجبهة الجنوبية» بشكل نهائي، كما استغلت جيدا الارباك الاردني بعد حرق الطيار معاذ الكساسبة لاطلاق هذه العملية الاستباقية.
اما لماذا يقلق «صقور» المستقبل، فهذا يتعلق بعامل الابداع في العملية الدائرة في الجنوب السوري، وهو ما تلخصه اوساط خبيرة في الشؤون العسكرية بالقول ان «عامل «المفاجأة» بدأ يحقق مبتغاه، فاستغلال الظروف المناخية الصعبة كان استباقا لفصل الربيع حيث كانت الاستعدادات على قدم وساق من قبل غرفة «العمليات المشتركة» في الاردن لشن هجوم واسع النطاق في تلك المنطقة لاسقاط العاصمة السورية دمشق او على الاقل تطويقها. وقد تم التحضير لعملية عسكرية مضادة واصبحت جاهزة بكامل تفاصيلها على «الطاولة» وكانت تحتاج الى «ساعة الصفر». حينها بقي سؤالان شديدا الاهمية يتعلقان بكيفية رد فعل اسرائيل والاردن على هذا الهجوم الاستراتيجي، لكن حزب الله الذي يتولى قيادة العمليات العسكرية في المنطقة الجنوبية ويخوض المواجهات بقوات النخبة التابعة لـ«فرقة الرضوان»، وبحضور ايراني لافت، استغل الوضع «المائع» واطلق عملية «الصدم والترويع» عبر استخدام كثافة نيران هائلة وصواريخ «ارض- ارض»، والان تمضي العملية العسكرية باتجاه تحقيق اهدافها. بدورها قامت دمشق ايضا بعملية «غش» كبرى بعد ان اوهمت الاردن بان مشكلة الإرهاب في درعا هي مشكلة أردنية، وسوريا ليس في وارد ايجاد حلول لها، وفيما بدات الطائرات الأردنية بعد إعدام الطيار معاذ الكساسبة تقصف في الرقة انطلقت العمليات العسكرية في ريف درعا شمال الأردن، بعد ان ظن الجميع ان الجيش السوري يتجه لتطويق حلب».
وبحسب تلك الاوساط، فان حزب الله والقوات السورية اطلقا العمليات العسكرية في محيط درعا والقنيطرة في محاولة لإعاقة «الاندفاعة» الأردنية- السعودية لإعادة ترسيم حدود اللعبة، اما نتائج المواجهة فستكون عوائدها «سيئة» على الأردن بكل الأحوال لان هزيمة التكفيريين في «جبهة النصرة» ستدفع بهم الى اللجوء للأردن، وهنا «الطامة الكبرى»، وهذا يعني ايضا أن حزب الله والقوات الإيرانية سسيصبحون في مواجهة الخاصرة «الشمالية» الاسرائيلية الرخوة. وهذا الامر سيفرض على عمان تعديلا جوهريا في استراتيجيتها ازاء الازمة السورية، فمن خلال المفاضلة بين الارباح والخسائر، ستضطر عمان الى رفع مستوى التنسيق الاستخباراتي مع الجانب السوري لان شعار هزيمة الارهاب لن تحصل الا بالتعاون مع الجيشين السوري والعراقي، اما اسرائيل فتتجه لاعادة حساباتها وفقا للمعطيات الجديدة.
ويبقى «اللغز» المحير هو فهم موقف تيار المستقبل من الاحداث، وهو ما يحاول «الصقور» فهمه، فهل هو انعكاس للارباك السعودي في التعامل مع تزاحم الملفات؟ ام استباق لنتائج العمليات العسكرية المحسومة النتائج؟ وحجز مكان على «الطاولة» في التسويات المقبلة؟ ام قصور في القراءة السياسية والاستراتيجية؟ كلها احتمالات واقعية ولها قدر عال من الصحة، واذا كانت «البيئة الحاضنة» «للتيار الازرق» تنتظر كلمة الرئيس سعد الحريري يوم السبت المقبل لتعرف «مكملين» الى اين؟ ودون اوهام كبيرة في انه سيدلها على «الطريق»، فان جمهور حزب الله ينتظر اطلالة السيد حسن نصرالله يوم الاثنين المقبل للاطلاع عن كثب على «خريطة طريق» المرحلة المقبلة مع علمهم المسبق انهم «مكملين» ضمن سياق استراتيجية واضحة لا تحتاج الى مزيد من الشرح.
(الديار)