مقالات مختارة

لماذا جبهة الجنوب السوري الآن وماذا تعني؟ خليل حرب

 

«جيش لحد» السوري قد لا يُكتَبُ له البقاء طويلا كسلفه اللبناني، اذا توالت التطورات الميدانية في الجنوب السوري خلال اليومين الماضيين على المنوال ذاته. واذا لم يكن ما يجري في مثلث درعا والقنيطرة وريف دمشق الغربي، بداية العد العكسي للصراع الذي يرى كثيرون أن درعا كانت شرارته قبل اربعة اعوام، فإن التقدير الأكثر «اعتدالاً» للمواجهات الحالية، يشير الى منازلة مفصلية لتكريس معاني الانتصار والهزيمة لطرفَي الاشتباك.

وبينما تراقب اسرائيل بقلق التطورات المتسارعة في الجنوب السوري واحتمال انهيار مشروعها لـ «المنطقة الحدودية» العازلة، يبدو الخيار الأمثل امام الفصائل المسلحة في الجنوب كردّ على التقدم القوي للجيش السوري و «حزب الله»، تحويل قواها المتناثرة في ريف درعا لبلورة هجوم على بلدة خربة غزالة التي استردها الجيش قبل نحو عامين، محكماً قبضته على مواقع تتحكم بالطريق الدولي الذي يربط بين دمشق والحدود الأردنية.

وليست صدفة الانتقادات السورية للأدوار التي تمارسها كل من الاردن والسعودية، خصوصاً في الجبهة الجنوبية، سواء في مقابلة الرئيس بشار الاسد أمس، او في تصريحات وزير الخارجية وليد المعلم، مع تواصل إعلان عمان عن تكثيف مهماتها العسكرية جوياً لضرب تنظيم «داعش» في كل من العراق وسوريا، واستمرار الاحتضان الحدودي للوجه الآخر للتكفيريين، أي «جبهة النصرة»، التنظيم الذي ربطه الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، باسم «جيش لحد» السوري.

وبهذا المعنى، فإن العملية العسكرية الواسعة التي أطلقها «محور المقاومة» منذ يومين في ريفَي القنيطرة ودرعا، تخلط العديد من الأوراق، وتستبق كما يبدو هجوماً واسعاً كانت الفصائل المسلحة تُعدّ له باتجاه العاصمة دمشق.

وقد أشارت آخر المعلومات الى أن الجيش السوري بسط سيطرته على قرية دير العدس في ريف درعا بعد إجبار المسلحين على الانسحاب باتجاه بلدة كفرناسج. وكان الجيش تمكّن في وقت سابق من السيطرة على تل المصيح المشرف على دير العدس لتصبح تحت سيطرته النارية. كما تقدّم الجيش ليطوّق دير ماكر وأحكم السيطرة على قرية الدناجي، بعدما كان سيطر أيضاً على تل مرعي الاستراتيجي.

وفي الخلاصات الاولية لما جرى خلال اليومين الماضيين، فإن للهجوم ثلاثة اهداف مباشرة، اولها تأمين الدفاع عن العاصمة دمشق من جهة الغوطة الغربية، وقطع الطريق بين درعا والجولان بما يُعزّز قدرات الجيش السوري في معركة درعا نفسها، وثالثاً وضع الاردن امام تحدي الخيارات، أي فضح الازدواجية في التعامل مع حالتي «داعش» و «النصرة».

اما في التوقيت السياسي، كما يقول مصدر مطلع على تطوّرات المشهد في الجنوب السوري، فإن من الضرورة التنبّه الى لحظة الذروة في مسار المفاوضات الاميركية – الإيرانية، ومخاض الانتخابات الاسرائيلية التي حاول خلالها بنيامين نتنياهو إدخال «العنصر الأمني» فيها بتركيز الحديث عن «الخطر القادم من الشمال»، وزيارة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الى دمشق، ورابعاً ان روزنامة الاولويات لحلف المقاومة تلحظ من الاساس التعامل مع المخاطر المتأتية من جبهة الجنوب.

ولهذا لم يكن غريباً أن القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي تحدثت، امس، عن ان اسرائيل تنظر باهتمام كبير الى معركة الجيش السوري في الجنوب، مشيرة الى ان الهجوم في ريف القنيطرة «له هدف أكثر طموحاً وهو إعادة السيطرة على خط الحدود… وما اذا كان الايرانيون سيحوّلون الحدود في الجولان الى جبهة مفتوحة».

وفي هذا السياق يقول المصدر لـ «السفير» إن معركة الجنوب تتحدّد على مساحتها قواعد الاشتباك المقبلة بين «محور المقاومة» وبين اسرائيل، ومن يصنع المعادلات ومن يتلقفها، مضيفاً أن اسرائيل تدرك منذ ما قبل الهجوم الحالي للجيش السوري أن «أولوية محور المقاومة الحاق الهزيمة بذراع اسرائيل في الجنوب»، وهو ما أشار اليه السيد نصرالله في خطابه الاخير، طارحاً بشكل ضمني وجود «فعل مضاد» لإسقاط تلك الذراع، خصوصاً بعد عملية الاغتيال ضد قادة المقاومة في القنيطرة.

واوضح المصدر أن «الضربة اليائسة» التي وجهتها اسرائيل في القنيطرة مردها الإدراك بان «محور المقاومة» كان يؤسس وبحركة علنية يراها الاسرائيلي بأم العين، لتحضيرات ضرب «جيش لحد» في الجنوب، من درعا والسويداء الى القنيطرة، مشيراً الى أنه لولا رد المقاومة في شبعا والعملية العسكرية المشتركة الآن في الجنوب السوري، «لكنّا رأينا حالة متكررة وفعلاً يومياً ضد الجيش السوري وحزب الله».

ويساهم الهجوم الكبير للجيش في تقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في ريف القنيطرة، وإغلاق الطريق التي قد يستخدمونها للانتقال إلى ريف دمشق.

وفي محاولة للتخفيف من الهجوم الذي يشنه الجيش، أطلقت مجموعات مسلحة في درعا معركة أُطلِق عليها اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» بهدف السيطرة على بلدات نامر وقرفا وضرب تل الخضر وتل عرار والملعب البلدي وكتيبة المدفعية، وهي جميعها نقاط عسكرية تحيط ببلدة خربة غزالة الاستراتيجية والمطلة على الطريق السريع.

ويعتبر مصدر ميداني معارض أن «المواجهات الأخيرة تهدف إلى تأمين طوق يضم بلدات دير العدس والطيحة في حوران ومسحرة، التي يخوض فيها الجيش معارك عنيفة في القنيطرة ودير ماكر التي تصل الريف الحوراني بمدخل ريف دمشق الغربي»، موضحاً أن من شأن هذا الطوق من البلدات المتصلة خنق المجموعات المسلحة في الغوطة الغربية، قبل التقدم للسيطرة على الحميدية في الجولان والحارة في درعا التي تتعرض لغارات متواصلة.

دي ميستورا والمعلم والأسد

وذكرت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا» أن وزير الخارجية وليد المعلم بحث مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في دمشق، «الأفكار الجديدة التي طرحها دي مستورا بشأن خطته للتجميد في مدينة حلب».

وكان المعلم قال، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البيلاروسي فلاديمير ماكيه، أمس الأول، إن «مبادرة دي ميستورا في الأساس انصبّت على مدينة حلب لا على الريف الحلبي»، مؤكداً ترحيب الحكومة بالمبعوث الأممي «لأننا نريد أن ننجز اتفاقاً يحقق وحدة حلب واستقرار مدينة حلب ويعيدها إلى الحياة الطبيعية». وأضاف: «هناك أفكار جديدة يريد دي ميستورا طرحها بشأن خطته، ونحن جاهزون للاستماع إليه». وأوضح أن دمشق «تستجيب لكل مبادرة تستند إلى الشرعية الدولية، وتقوم على أولوية تجفيف منابع الإرهاب والحوار السوري ـ السوري».

وحول التطورات بعد إعدام «داعش» للطيار الأردني معاذ الكساسبة وتقييم الحكومة السورية لهذه التطورات، قال المعلم إن «سوريا دانت الجريمة الإرهابية باغتيال الطيار معاذ الكساسبة وقدمت التعازي لعائلته وللشعب الأردني الشقيق، ووجهت دعوة إلى الحكومة الأردنية للتنسيق معها في مكافحة الإرهاب، رغم معرفتها المسبقة بأن الأردن لا يملك قراراً مستقلاً لإقامة هذا التعاون».

وأضاف المعلم «الأردن جزء من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وجزء من عملية إرسال الإرهابيين عبر حدوده بعد تدريبهم في معسكرات على أراضيه بإشراف الولايات المتحدة»، موضحاً أن «الأردن الذي يحارب داعش لأسبابه لا يحارب جبهة النصرة وهي على حدوده». وأشار إلى أن «أحداً لم يجب عن تساؤل سوريا المستغرب عن كيف يأتي الإرهابيون عبر الأردن بالعشرات للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، وعندما يرغب واحد أو اثنان منهم بالعودة إلى الأردن يتم قتله؟». وأكد أنه «لا يوجد حتى الآن أي تنسيق بين سوريا والأردن في مجال مكافحة الإرهاب».

وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بُثَّت أمس، أن دمشق تتلقى «معلومات» قبل ضربات الائتلاف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في سوريا.

وقال الأسد، رداً على سؤال حول إمكانية وجود حديث بين الأميركيين والسوريين بشأن غارات التحالف، «ليس هناك تعاون مباشر»، مضيفًا: «هناك عملية نقل لرسائل من خلال أطراف ثالثة. هناك أكثر من طرف، هناك العراق وبلدان أخرى، تقوم هذه الأطراف أحيانًا بنقل الرسائل العامة، لكن ليس هناك شيء على المستوى التكتيكي». وتابع: «ليس هناك حوار، هناك معلومات، لكن ليس هناك حوار»، معتبراً أن الأميركيين «داسوا بسهولة على القانون الدولي في ما يتعلق بسيادتنا، ولذلك فإنهم لا يتحدثون إلينا ولا نتحدث إليهم».

غير أن الأسد استبعد أن تنضم سوريا إلى صفوف الائتلاف. وقال: «لا نرغب في ذلك، لسبب بسيط هو أننا لا نستطيع أن نكون في تحالف مع بلد يدعم الإرهاب»، مؤكداً أن «معظم (دول الائتلاف) تدعم الإرهاب».

وتابع: إن «مصدر إيديولوجيا داعش وغيره من التنظيمات المرتبطة بالقاعدة هو الوهابيون الذين تدعمهم العائلة المالكة السعودية، وهكذا، فإن المهم ليس أن يقولوا إنهم يريدون هذا أو ذاك (محاربة داعش)، بل المهم هو ما يفعلونه. المهم هو التدابير التي يتخذونها لإثبات صحة ما يقولون».

وبشأن قيام السلطات السعودية باعتقال متعاطفين مع «القاعدة»، قال الأسد: «أعتقد لأنهم يعتقدون أن دورهم سيأتي يوماً ما، لأن المجتمع في تلك المملكة أكثر مَيلًا لداعش ولقبول إيديولوجيته. هذا هو السبب الحقيقي».

ونفت واشنطن أي تنسيق مع دمشق لضرب تنظيم «داعش»، لكنها لم تنف إمكان «إبلاغ» السلطات السورية بهذه العمليات، خصوصا عبر بغداد. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي «قبل أن نشن ضربات في سوريا ابلغنا مباشرة النظام السوري بنيتنا التحرك عبر سفيرتنا في الأمم المتحدة في تواصلها مع الممثل الدائم لسوريا في الأمم المتحدة». وأضافت «لم نطلب إذن النظام. لم ننسق تحركاتنا مع الحكومة السورية».

لكن بساكي لم تنف إمكانية أن تنقل بغداد المعلومات إلى دمشق. وقالت «ينبغي ألا نفاجَأ: العراق مثل دول أخرى تربطه علاقات بجيرانه. الدولة الإسلامية يشكل تهديداً مشتركاً لكل دول المنطقة».

وعن دور الوسيط الذي يمكن أن تضطلع به بغداد بين دمشق وواشنطن، قالت بساكي «لا ننسق مع الأسد أو مع حكومته (لكننا) لن نتحدث بالتأكيد عن التبادل الديبلوماسي الخاص مع حكومة العراق». وكررت «لقد فقد الأسد كل شرعية، وعليه أن يرحل. نقول ذلك منذ آب العام 2011».

وعلق المصدر المطلع لـ «السفير» على الموقف الاميركي بالقول إنه يعكس تأكيد الرغبة الاميركية بالتنسيق الامني بشكل موارب وليس مباشرة، وضبط هذا التنسيق في سياقه العسكري المباشر وعدم تحوله الى المستوى السياسي، أقله في المدى المنظور.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى