بوتين في ضيافة السيسي: تعزيز للتغيير المرجوّ عامر نعيم الياس
بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته الرسمية الأولى إلى مصر في ولايته الجديدة، بعد زيارة أولى حصلت عام 2005 أي منذ عشر سنوات. وتأتي زيارة بوتين ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد أن قام الأخير بزيارتين إلى روسيا وبفاصل زمنيّ قصير، الأولى عندما كان وزيراً للدفاع بعد ثورة تموز على الإخوان، والثانية بعد وصوله إلى سدة الرئاسة. تواتر في زيارات السيسي والحفاوة من جانب الرئيس بوتين تطرح تساؤلاً حول معاني التقارب الروسي المصري، وما إذا كان استمراراً لمناورات روسية تعمل على احتواء دول مشاغبة كتركيا، أم أنها استراتيجية لتعزيز التغيير المأمول من مصر السيسي؟
على رغم أنّ القاهرة وأنقرة محسوبتان على المحور الأميركي، وعلى رغم علاقات الجيش المصري المتينة مع البيت الأبيض والبنتاغون وارتباطه العضوي بهما منذ عام 1974، إلا أن المشتركات بين موسكو والقاهرة وفي هذا التوقيت بالذات تتعدى التكتيكي لما هو استراتيجي، وذلك وفقاً للتالي:
ــ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجأ إلى روسيا عندما كان وزيراً للدفاع وبعد دعمه الثورة ضد الإخوان، في لحظة ميّزها التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، وحاجة السيسي إلى الانفتاح الخارجي على القوى الدولية العظمى، واجداً ضالته في روسيا بوتين التي دعمت السيسي وزير الدفاع حينها بوصفه خياراً مناسباً لقيادة مصر.
ـ السياسة الخارجية الجديدة لمصر، ومفهوم الأمن القومي المصري الحاضر في صوغها والذي أبعد مصر عن المشاركة في تحالف أوباما العربي ضد سورية والدولي ضد العراق، ووَضع القاهرة في وضعية جديدة في مقاربتها للملف السوري عما كان سائداً إبان حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي.
ـ الإخوان المسلمين، والموقف من الإسلام السياسي، يعد الأرضية الأكثر صلابة في إعادة صوغ علاقات القاهرة بموسكو، فالإخوان حركة محظورة في روسيا منذ عام 2004، والقاهرة ترسم سياساتها وتحالفاتها في المنطقة وحتى العالم بناءً على هذه النقطة التي تعد أساسية في فهم السياسة الخارجية الجديدة لمصر.
ـ البعد الاقتصادي، وحاجة كلا الطرفين لبعضهما في هذا التوقيت، والملاحظ هنا أن حجم التبادل التجاري بين موسكو والقاهرة بعد وصول السيسي إلى الحكم عام 2014 بلغ أربعة مليارات ونصف مليار دولار أي بزيادة قدرها 80 في المئة عن عام 2013 إبان حكم الإخوان لمصر.
إن كل ماسبق يجري في ظل تجدد أزمة الثقة بين مصر والخليج من جهة، ومصر والولايات المتحدة من جهة أخرى، فوفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز أرّخت لمرحلة من التوتر ميّزها عودة الإخوان إلى صدارة المشهد المصري في واشنطن، وصدارة المشهد الإعلامي في الدوحة، وترافق كل ذلك مع تسريب تسجيلات صوتية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستهزئ بها بدول الخليج، وهو ما استوجب ردّاً عاجلاً من الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز ليؤكد على قوة التحالف مع مصر، لكن ذلك لا يلغي عدداً من علامات الاستفهام التي بدأت تطرح حول شكل العلاقة الأميركية المصرية، والخليجية المصرية، وموقع الإخوان في معادلة تطويع السيسي الذي تتعامل معه الإدارة الأميركية حتى اللحظة بتحفظٍ شديد يعود في جزء منه إلى الريبة التي تحيط بتوجهات الرجل على الصعيدين الداخلي والخارجي في مصر. أمورٌ تملي على روسيا التحرك في محاولة لتعزيز التغيير المرجو في سياسة الحليف القديم للاتحاد السوفياتي السابق.
(البناء)