«سيمفونية سلمان»: زهران يبايع مليكه ووليّ وليّ عهده بدم دمشق عامر نعيم الياس
حتى لحظة كتابة هذا المقال، تجاوز عدد صواريخ الكاتيوشا التي استهدفت العاصمة دمشق ستين صاروخاً. صار السوريون متَنازعون بين صاروخ كاتيوشا وقذيفة هاون، لكن صفير الكاتيوشا أضحى معروفاً لديهم، يميّزه عن غيره من أسلحة القتل العشوائي، وللمعلومات العامة فإن أهم ميزات صاروخ الكاتيوشا سهولة تحريكه وسرعة إخفائه وهو كغيره من الصواريخ يتكون من رأس حربية وجسم يتضمّن الوقود الذي يولد الطاقة اللازمة لطيرانه وذيل يحوي المحرّك.
تعود جذور إنتاج هذا الصاروخ واستخدامه إلى الحرب العالمية الثانية، أما من حيث الفاعلية القتالية، فلا أهمية استراتيجية أو عسكرية كبرى لهذه الصواريخ، على رغم قدرتها التدميرية، بقدر الرغبة في إحداث هلع أو انهيار نفسي لدى الطرف الآخر. وقد أطلق الألمان عليها اسم «سيمفونية ستالين» نظراً إلى تتابع انطلاقها وصوتها المتناغم.
لكن الأمور مختلفة في سورية، ستالين دافع عن روسيا ومجدها، بنى دولةً عظمى تقاسمت النفوذ بعد انتصار مدوٍّ في الحرب العالمية الثانية، توسّعت روسيا تحت عنوان الاتحاد السوفياتي حاكمةً نصف الكرة الأرضية. أما العميل زهران علوش فقد سرق الكاتيوشا وأعاد استخدامها وفقاً لمنطق وهابيّ، عازفاً «سيمفونية سلمان» في بلاد تحرّم الموسيقى. فمنذ موت الملك السعودي عبد الله وخلافته من قبل سلمان بن عبد العزيز، تكثّف استهداف العاصمة دمشق بصواريخ الكاتيوشا، فما الذي يريد سلمان ووليّ وليّ العهد محمد بن نايف؟
يعرَف عن محمد بن نايف مسؤوليته عن الملف السوري إلى جانب ما يسمى «مكافحة الإرهاب»، هذا الملف الذي تغيّرت مقاربته كلياً منذ تحييد الأمير بندر بن سلطان عنه بأمر عمليات أميركي في نيسان من عام 2014، حيث من الواضح أن محمد بن نايف ركّز على منحيين متمايزين عن سلفه: الأول إهمال الائتلاف السوري والانكفاء السياسي تمهيداً لعدم مساءلة المملكة وإحراجها دولياً في شأن أي حراك يتعلق بالتهدئة في سورية. هنا يحضر أن الائتلاف أصبح ذا جنسية تركية رسمية. أما المنحى الثاني، فيتمثل بتركيز الدعم العسكري على مجموعات محدّدة وفي مناطق جغرافية معينة، وذلك في مواجهة تراجع النفوذ السعودي في سورية. هنا يحضر ما قاله السيّد حسن نصر الله في مقابلته مع قناة «الميادين» حول هذه النقطة. وعليه، فإن الدعم السعودي ركّز على جنوب سورية، أي من دمشق وصولاً إلى درعا وريفها، ممسكاً بالدخول «الإسرائيلي» المباشر على خط الأحداث كورقةٍ تجبر واشنطن على عدم اتخاذ إجراءات عقابية حتى لو تم تجاوز الخطوط الحمراء.
عملاً بما سبق، وفي محيط دمشق تحديداً، أعيد تشكيل المشهد الميداني في الغوطة الشرقية وفي عاصمة ريف دمشق تحديداً أي مدينة دوما، إذ أقصى قائد ميليشييا «جيش الإسلام» سعودية الهوية، «جيش الأمة»، وتمت تصفية غالبية معارضي قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، خصوصاً في مسقط رأسه دوما، في مرحلةٍ أولى سبقت وفاة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، ومع استكمال تصفية الخصوم وضبط الوضع الميداني في دوما وريفها لمصلحة زهران علوش، تم البدء بالمرحلة الثانية التي تزامنت مع وصول سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة في السعودية، ودخول محمد بن نايف على خط ولاية العهد رسمياً، إذ تم استهداف العاصمة دمشق بأكثر من مئتي قذيفة وصاروخ كاتيوشا خلال أسبوع، والعدد مرشّح للزيادة في ضوء إعلان زهران علوش على «تويتر» تحويل العاصمة «إلى منطقة عسكرية» ابتداءً من الأربعاء الماضي وحتى إشعارٍ آخر. وهو أمر كان له أثره الواضح على حركة العاصمة التي ذاقت الأسبوع الماضي طعم القتل العشوائي. لأكثر من 94 صاروخاً، وقذائف سقطت على أحيائها، جملة أمور وإن عكست شهيةً لامتناهية من جانب الحكم السعودي لمزيد من الدم السوري، فإنها تؤشر إلى محاولة من جانب الرياض وحلفائها لتكريس معادلة ردع في العاصمة، وقواعد لعبة جديدة تقوم على توازن الرعب، خصوصاً في ما يتعلق بالعاصمة دمشق مع ما يعنيه ذلك من تأثيرات إضافية على المستويات السياسية والاقتصادية والنفسية. جملة أمور تحتاج إلى حسمٍ سريعٍ قدر الإمكان يدرك الجميع أنه سيكون مكلفاً ولا يمكن أن يكون مجدياً من دون تحرير بؤر الاستنزاف في محيط العاصمة دمشق وعلى رأسها دوما وجوبر.
(البناء)