أزمة العقل.. ومسألة الخلايا النائمة! ثريا عاصي
تكون البلاد وطنا عندما تتسع لشراكة في العيش متسقة، بين جميع الذين يسكنون في رحابها. الحلم هو أن يتهيّأ للصبي في موطنه مدرسة وللمريض مصح وللمزارع حقل وللعامل مـَشغلٌ… وأن ينال كل ذي حق حقه وكل ذي كفاءة جميلا يُحفظ له. لولا هذا الحلم لما كتبت هذه الأوراق ! ولما أقحمت نفسي في ميدان تدور فيه المنازعات بواسطة جميع الأسلحة «المحرمة أخلاقيا، أي بواسطة الكذب والإفتراء والعدوان والعصبية! كانت المغامرة ضرورية، لا جدال في ذلك ولا ندامة. ولكنها صعبة. أعترف بأنه يستعصي علي في أحيان كثيرة، فهم الأمور واكتشاف مسبباتها وتبين إتجاهاتها. تفاجئني من آونة إلى أخرى، مواقف وسلوكيات تبدو لي للوهلة الأولى، مخالفة للمنطق وضد العقل. في كل مرة أتذكر قولا منسوبا إلى الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول: «الشرق تجارة» و«نحو الشرق المعقد إتجهت ومعي أفكار بسيطة». حملت ثلاثة أسئلة بسيطة إلى محدثي في الشام :
ـ ما هي قصة هذا الشخص المدعو زهران علوش؟ يقصف دمشق بالقذائف متى شاء. يعلن الحرب على المدينة. هل يريد أن يكون حاكما عليها؟! صحيح أن لديه ذخائر أخذها من المستودعات العسكرية التي استولى عليها في الغوطة؟. أعتقد أن خطوط إمداده توقفت الآن.. أقفلت المنطقة التي يتواجد فيها.. ليس القصف على دمشق فعلا عسكريا. بل هو تعبير عن معادلة، عن محاولة تمرير صفقة. من المحتمل أن أصل هذه الأخيرة سعودي ـ أميركي. وقد تكون مقتصرة بكل بساطة على مساومة بين الحكومة السورية من جهة وبين الجماعات التي يتزعمها الشخص المذكور في الغوطة من جهة ثانية. مصالحة، طريق آمن للإنسحاب؟! مع الأخذ بالحسبان ما يمكن أن تخبئ المساومة من خداع وغش وخيانة!
ـ ماذا جرى في القنيطرة؟ ما يعرفه الجميع هو أن الدورية أصيبت في مكان مكشوف. تراقبه قوات المستعمرين الإسرائيليين من مواقعها القريبة ومن طائرات الإستطلاع الحاضرة على الدوام. فضلا عن إطلال جماعات جبهة النصرة عليها من التلال الملاصقة لخط وقف إطلاق النار…
ـ وعن زيارة مقام السيدة زينب أو السيدة رقية؟ لا حول ولا قوة! رحلة تنظم أسبوعبا، نفس الطريق، نفس المركبة، نفس المكان في الموقف. دخل « إنتحاري» إلى المركبة ومعه متفجرات. أين المفاجأة؟!
مجمل القول أن الحفاظ على أمن الوطن وسلامته يحتاج إلى وطنيين. المصالحة لا تعني بالضرورة أكثر من إتخاذ جانب الحياد. فضلا عن أن نسبة الحياد لا تكون عادة مئة بالمئة. بالتالي توجد في مفهوم المصالحة ضمنيا مفاهيم الهزيمة والإستسلام بالإضافة إلى مفهوم الغدر. ينبني عليه أن أية منطقة سورية لا تخلو من خلايا معادية للجهة المسيطرة على هذه المنطقة. هذه مسألة لا أظن أنها تحتاج إلى برهان في هذا الزمان حيث تفلت المستعمرون الغربيون متخفين بلباس البر والإحسان. بكلام أكثر صراحة ووضوحا إن المهزوم والمستسلم في وطنه كمثل الذي يريد «أن ينأى بنفسه»، ليس وطنيا. نبقى مجتمعين وننقرض متفرقين!.
(الديار)