ليس لدى غزة من ينقذها: تسفي برئيل
في حين ان الحدود مغلقة من كل الاتجاهات، تبددت الوعود بتقديم المساعدات بالمليارات في الهواء والموظفون لا يتلقون رواتبهم، سكان غزة يعلقون الأمل على حماس وفتح ـ المشغولتين كل منهما في مهاجمة الأخرى.
«ما الذي نحصل عليه هنا؟ ثلاثة ارغفة صغيرة من الخبز والقليل من الأكل، هذا لا يكفي حتى لولد صغير»، كانت هذه شكوى علاء كولاب أمام مراسل وكالة الانباء الفلسطينية «وفا»، كولاب قال ان عائلته مكونة من 8 أفراد وتسكن في مدرسة «الشكة» في رفح منذ عملية «الجرف الصامد» لكنهم تلقوا خمسة أسرة وفرشات لا غير وعليهم تدبر أمورهم فيها. «ليس عندنا مدفأة ويمنع علينا استخدام المواقد الكهربائية». استكمل كولاب حديثه والذي قرر منذ بضعة أيام الشروع في اضراب عن الطعام سويا مع ساكن آخر في المدرسة، «إلى ان يستمعوا لشكاوينا ويمكنوننا من العيش كسائر البشر».
اكثر من 20 الف شخص، من بين 450 الف ممن اقتلعوا من بيوتهم، ما زالوا يسكنون في المدارس وأماكن ملجأ اخرى نظمتها وكالة الغوث للاجئين الفلسطينين (الأونروا) لصالح السكان الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم في أعقاب الحرب، اما خوفا من القصف الاسرائيلي او بسبب قصف بيوتهم. قبل نحو شهر اعلنت وكالة الغوث انها ستكف عن تقديم المساعدة لهم: لن تدفع بدل ايجار الشقق لأولئك الذين ما زالوا ينتظرون إعادة تأهيل بيوتهم ولن تسهم في تمويل اصلاح البيوت.
وفقا لاقوال منسق عمليات الاونروا في غزة، روبرت ترنر، فإن صندوق الوكالة قد فرغ بعد ان استنفذ 135 مليون دولار طلبت لتمويل عملياتها هناك، «يأتي إلى مكاتبنا الناس يبكون ويهددون، ليس لدينا ما نقدمه لهم»، هذا ما قاله موظف كبير في الوكالة. «الأولاد يموتون من البرد، يعانون من سوء التغذية وكذلك فإن الطعام القليل الذي يحصلون عليه ليس جيدا».
في الاسبوع القادم من المتوقع الشروع مرة اخرى بإضراب عمال النظافة في المستشفيات لأن الحكومة الفلسطينية لم تدفع ما عليها. في المرة السابقة أضربوا لمدة 16 يوماً وتوقفوا فقط بعد ان جاءت الحكومة الفلسطينية إلى غزة ووعدت أن تغطي التزاماتها. لكن الوعود شان والواقع شأن آخر. حتى الان، لم يتلق 45 الف موظف حكومي في غزة رواتب شهر كانون الثاني ومن المحتمل أن يتم دفع نحو 69٪ من الراتب نهاية الاسبوع الجاري.
الأمر ذاته أيضا حدث نهاية الشهر الماضي بعد أن جمدت اسرائيل تمرير أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية. لذلك يوجهون هناك اصبع الاتهام كذلك اتجاه اسرائيل، لأنهم في السلطة يقولون بأن الاموال المجمدة هذه تشكل اكثر من نصف فاتورة الرواتب. اما الآمال الذي علقها الغزاويون على لجنة الدول الداعمة التي اجتمعت في مصر في شهر نشرين اول 2014 والتي تم فيها التعهد بتقديم 5.4 مليار دولار لإعادة بناء غزة فقد تبخرت هي الاخرى، فمن التعهدات هذه وصل فقط نحو 2٪.
بناء غزة وفتح المعابر، وخصوصا معبر رفح، مرتبط بتحقيق شروط اتفاق المصالحة بين فتح وحماس وفي اقامة قوة رقابة فلسطينية من قبل السلطة الفلسطينية على هذه المعابر. لكن تنفيذ الاتفاق تأخر بسبب الخلافات في وجهات النظر بين الفصيلين. كان من المتوقع هذا الأسبوع وصول لجنة مشتركة إلى غزة لمواصلة المباحثات، لكن وفقا لادعاءات فتح رفضت حماس استقبال هذه اللجنة، بينما تدعي حماس أنها مطلقا لم تعلم عن نية اللجنة زيارة القطاع.
أزاء ذلك، هناك من يحاول استعادة حياته بدون الاستعانة بخطط وكالة الغوث. هكذا فعل مالك دلول، الساكن في حي الزيتون، حيث بنى بيتا من ثلاث طبقات مصنوع من اساسات حديدية، جدران من الكلكل والصاج، وكما قال هذا البيت يستطيع الصمود 20 عاما. يحتفظ دلول بوثيقة تجيز له الحصول على مواد بناء، لكنه ادرك على الفور ان ذلك لن يتحقق قبل شهور. هناك العديد من الاولاد يشتغلون في جمع مواد البناء من المباني المقصوفة، بتجليس قضبان الحديد المثنية وبيعها لاصحاب البيوت الراغبين في ترميم بيوتهم.
يلجأ تجار الكتب والطلبة الجامعيون إلى موقع أمازون لتجارة الكتب للحصول على مبتغاهم، وفقا للمدون وسيم الاطرش: «لا نعلم كم من الوقت سيمر قبل الحصول على الارسالية».
كتب في مدونته ان الكتاب الذي طلبه وصل من شركة أمازون بعد نصف سنة. يرشد وسيم قارئي مدونته كيف يجب عليهم كتابة عناوينهم. «إسم البلد: إسرائيل، اسم المدينة: «قطاع غزة» ويشرح لهم بالتفصيل أين بالضبط يسكن المرسل اليه، «ليس في شارع النصر فقط، يجب كتابة مقابل مطعم العافية»، الخيار فلسطين لا يظهر في شركة أمازون.
«على الصعيد الشخصي يتدبر الناس أمورهم»، يقول موظف الانروا» أ «المشكلة تكمن في غياب البنية التحتية العامة، في الخوف من انقطاع الكهرباء في أي وقت وعدم القدرة على الحركة من قطاع غزة وإليها. حياة الناس ببساطة تعثرت بين الجدران. فمن جهة اسرائيل، ومن الجهة الاخرى مصر».
حماس هي الاخرى تعثرت بين الجدران. قدرتها على تجنيد الاموال تقلصت باستمرار بسبب التوتر بين الحركة وبين الحكومة المصرية التي واصلت اغلاق معبر رفح. هذا الاسبوع، وبعد ان أصدرت محكمة القضايا المستعجلة حكما يدين الذراع العسكري لحماس باعتباره منظمة إرهابية، سقطت الحركة في ضائقة جديدة.
لا يكترث عبد الفتاح السيسسي بالإدانات التي صدرت عن حركة حماس ضد قرار المحكمة والذي يعتبر حماس ذراعا تنفيذية إرهابية للاخوان المسلمين وباعتبارهم شركاء في قسم من العمليات ضد قوات الأمن المصرية في سيناء. لا توجد إثباتات كافية تشير إلى ان حماس متورطة في العمليات لكن القرار المصري سحب للمرة الاولى الشرعية العربية عن حركة المقاومة ضد اسرائيل.
هذه القرارات يمكن ان يكون لها تاثيرات كثيرة على تجنيد التبرعات للحركة وللحكومة في غزة، ذلك ان كل تمرير للاموال لها سيعتبر دعما للإرهاب.
وهذا هو السبب الذي دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل عملية الصخرة الصلبة إلى وقف تحويل الاموال إلى حكومة حماس وأصدر اوامره للبنوك بعدم دفع رواتب الموظفين لأن اسرائيل هددت برفع قضايا ضد البنوك الفلسطينية بتهمة دعم الإرهاب إذا تم دفع هذه الرواتب.
الضغوط المالية هذه هي التي حدت بحماس إلى اطلاق الصواريخ على اسرائيل. وعلى خلفية هذه الضغوط انتشرت أخبار تشير إلى أن حماس تنوي»التوبة» ومحاولة تجديد علاقاتها مع إيران أو اقناع تركيا بزيادة مستوى المساعدة لها. بالمقابل، يعمل الجهاد الإسلامي، والذي تربطه علاقات جيدة مع المخابرات المصرية، على اقناع محاوريه المصريين بتغيير الحكم الضار والغاء قرار المحكمة. من المشكوك فيه ان تنجح هذه الجهود خصوصا أن الرئيس المصري يعتبر الحرب على الإرهاب كالحرب على ذات وجود جمهورية مصر.
اما هنا، تسعى حماس الان لاستعادة العلاقات مع الملك السعودي الجديد. بعد وفاة الملك عبدالله أرسلت حماس برقية تعزية مشحونة بالعواطف للعائلة المالكة السعودية، وكما قال اسماعيل هنية في مؤتمر صحافي «نحن نأمل بناء علاقات جيدة ومتينة مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية».
بين حماس والملك عبدالله المتوفي سادت علاقة سيئة منذ سنة 2002 بعد رفض حماس للمبادرة السعودية. خمس سنوات بعد ذلك أفشلت حركة حماس لجنة المصالحة العربية التي بادرت بها السعودية بين فتح وحماس، إضافة إلى موقف الملك عبد الله الصارم ضد الاخوان المسلمين ولخشيته من أن العلاقة بين حماس وإيران ستمنح إيران تأثيرا كبيرا على الساحة الفلسطينية.
اختلفت الظروف السياسية هذه الايام، قطعت حماس علاقتها بنظام الاسد مما أساء إلى علاقتها الوطيدة مع إيران حيث حلت قطر وتركيا مكانها. لكن هذه العلاقة تلقت هي الاخرى ضربة جديدة عندما قررت السعودية قطع علاقاتها السياسية مع قطر على خلفية دعمها للاخوان المسلمين وحماس وبسبب بث قناة الجزيرة المناهض لنظام السيسي.
بعد نحو عشرة شهور تم التوقيع بين كل من السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، وبين قطر من الجهة الاخرى والتي وفقا للتقارير تعهدت بـ»الامتناع عن التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى» وإغلاق قناة الجزيرة المتخصصة في الشؤون المصرية. وبالمقابل بادر الملك عبد الله إلى عقد المصالحة بين قطر ومصر قامت قطر على اثرها بطرد عدد من كبار قادة الاخوان الذين أقاموا فيها. لكن قطر ما زالت تستضيف قادة حماس بما فيهم خالد مشعل. ومع موت الملك عبد الله بدأت (حماس) تدرس من جديد سياساتها.
ضائقة حماس وكبح جماح قطر المؤقت باعتبارها راعيته فتحت نافذة الفرص أمام ولي وارث عرش الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد النهيان، والذي يستضيف في بلاطه محمد دحلان تحت مسمى مستشار عسكري. دحلان، الساعى إلى إسقاط محمود عباس، يعمل على بناء قاعدة مؤيدة له في غزة والمخيمات الفلسطينية في لبنان.
وفقا للتقارير الواردة من غزة، فإن زوجة محمد دحلان، جليلة دحلان، والتي هي الصديقة المقربة من فاطمة، والدة وارث العرش، وصلت في نهاية أيلول إلى غزة وقامت بتوزيع مبالغ ضخمة للمحتاجين، وكما يقول خصوم دحلان، هدفها حشد الدعم لزوجها. دحلان هو خصم شرس لحماس كما انه يشكل تهديدا سياسيا لمحمود عباس.
وباعتباره ممثل للعائلة الحاكمة في الإمارات المتحدة، فمن مهماته أيضا مواصلة صد تأثير قطر في قطاع غزة ومنع احتمالات المصالحة بين حماس والسعودية. ليس واضحا بعد، مدى التهديد الذي تشكله أعمال دحلان. لكنها تشير فقط إلى كون غزة مركز للتجاذب بين الدول العربية المتخاصمة والتي تتسابق على اقتناء النفوذ في الوسط الفلسطيني. هناك صحافيون في غزة يقدرون أن «شيئا ما سوف يفجر غزة». إذا لم تكن الضائقة الاقتصادية هي السبب، فإنه سيكون الضغط المصري والاسرائيلي، وإذا لم يكن هذا هو السبب، فسوف تكون الخلافات بين فتح وحماس.
هآرتس