حزب الله ونادي المضبوعين
غالب قنديل
كشفت خطب التهويل بعد جريمة القنيطرة التي نفذها العدو الصهيوني وفي أعقاب عملية مزارع شبعا، حجم الهامش الذي تشغله عقلية الهزيمة والقصور الفكري الذي ما زال مهيمناً على قيادات سياسية لبنانية كثيرة تتصرف بناء على وهم الجبروت الصهيوني الذي انكسر أمام المقاومة غير مرة، وظلّ المأخوذون به كمن هيمنت عليهم تعويذة: غداً ترون كيف ستردّ «إسرائيل» ولذلك رفعوا شعار «لا تورّطوا البلد».
أولاً: الاعتراف لقيادة المقاومة بقوتها الرادعة للعربدة الصهيونية هو الخلاصة التي ينبغي لأيّ عاقل أن يخرج بها بعد أسبوعين من التوتر برهنا على أن المقاومة رادعة وليست مردوعة، وأن الكيان الصهيوني أذعن لقواعد الردع التي فرضها حزب الله ومن خلفه منظومة المقاومة مجتمعة. وبالتالي فالتهويل والعويل الصادران عن وسائل إعلام لبنانية وقيادات سياسية لبنانية في مقدمها الرئيس السابق ميشال سليمان ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة وسواهم، يكشفان قصوراً فكرياً وعجزاً سياسياً لدى هذه القيادات وعدم قدرة على الفهم والتوقع في التعامل مع البيئة الاستراتيجية المتحولة وعلى اتخاذ الموقف المناسب. وهذا يعني فقدان هؤلاء جميعاً الأهلية القيادية بفعل الانجرار خلف هلوسات التفوق الصهيوني المزعوم.
بعيداً عن خطاب التخوين الذي يخشاه الرئيس السنيورة ولا نريده، وبناء على التوصيف الطبيعي والبريء، وبافتراض حسن النية بدلاً من الظن بهذه القيادات وباستقائها المواقف من أجندات غربية تسعى لتكريس عقدة تفوق «إسرائيل»، يتضح أننا أمام قيادات سياسية عاجزة عن فهم التحولات ومواكبتها. أي أنها لا تصلح لشغل أي مواقع قيادية، وهي مضبوعة بانتفاخ عضلات «إسرائيل» التي ردها حزب الله إلى حجمها الحقيقي ودمر جبروتها مرة جديدة. ولذا وبدلاً من التخوين فلنطلق على السادة المعنيين تسمية نادي المضبوعين أي الذين ضبعتهم «إسرائيل» وباتوا مسلوبي العقول مشلولي الإرادة، يتوهمون أن لدى «إسرائيل» قدرات خارقة لا يمكن هزها!
ثانياً: النتيجة التي حققها حزب الله في المواجهة الأخيرة نقية ناصعة لا تقبل الجدل أو الطعن. وهي لا تقل وضوحاً عن حصيلة حرب تموز التي تعامل معها النادي نفسه بلغة الشك في تفوق المقاومة وانتصارها على رغم الاعتراف الصهيوني الصريح والواضح وغير الملتبس في تقرير فينوغراد الشهير. فهذه المرة كان المتوقع رداً «إسرائيلياً» لم يحصل بعد عملية مزارع شبعا، وهو لم يحصل لأن «إسرائيل» عاجزة نتيجة ردع المقاومة وقدرات حزب الله المتعاظمة، ومع تظهير منظومة المقاومة لحقيقة تحولاتها الاندماجية كقيادة وكأذرع متناغمة في الميادين والساحات التي أسقطت قواعد نصرالله الحدود في ما بينها على مستوى المواجهة ضد الكيان الصهيوني، وهي تمتد من غزة إلى لبنان وسورية وفلسطين المحتلة وصولاً إلى إيران والعراق وربما اليمن كذلك بالمعنى الأوسع للساحات والميادين.
على رغم وضوح تلك النتيجة أي عجز «إسرائيل» عن الردع يمعن المضبوعون في الإنكار للتهرب من الاعتراف للمقاومة بتفوقها الساطع في أخطر اختبار قوة يحصل منذ حرب تموز. وهم يفسرون عدم الرد بالطلب الأميركي لعدم إفساد مناخ المفاوضات مع إيران، وهذا تفسير يؤكد حكمة المقاومة واختيارها التوقيت المناسب لردع «إسرائيل» وهو ما لم يعترف لها به جميع خصومها.
ثالثاً: إذا سألنا لماذا رفضت الولايات المتحدة قيام «إسرائيل» بالرد ولمَ رضخت «إسرائيل على الرغم من وجود مشاحنات ظاهرة بين أوباما ونتنياهو؟ وبالتالي فالسؤال الأهم: لماذا انطوت «إسرائيل» وابتلعت رد المقاومة وردعها؟
التبعية الصهيونية للولايات المتحدة باتت علامة فارقة في جميع الحروب التي شنها الكيان الصهيوني بعد هزيمته في لبنان عام 2000، وهي تبعية تشمل القرار السياسي بالحرب وتأمين التغطية الدولية والإقليمية للعدوان الصهيوني، كما تشمل الإدارة السياسية للصراع في الأمم المتحدة، وتطاول كذلك تأمين السلاح والذخائر خلال سير الحروب حيث اضطرت الولايات المتحدة غير مرة لإرسال شحنات جوية عاجلة لجيش العدو خلال المعارك أو تمكين القيادة العسكرية الصهيونية من المستودعات الاستراتيجية التي أقامها الجيش الأميركي في فلسطين المحتلة، إضافة إلى ارتباط غرف العمليات بمنظومات الأقمار الاصطناعية وشبكات التجسس والمعلومات العائدة للناتو بقيادة الولايات المتحدة. وهذه العناصر مجتمعة تجعل من الصعب تخيل انفراد «إسرائيل» بقرار الحرب بعد الآن واضطرارها للحصول على موافقة أميركية مسبقة.
وضع الجبهة الداخلية الصهيونية الذي تبين في الاختبارات الأخيرة خلال الحرب على غزة أنه ازداد هشاشة وضعفاً على رغم كثافة المناورات والتحضيرات منذ عام 2006، وهو ما برهنت عليه الآثار المعنوية التي خلفها حوار السيد نصرالله مع قناة «الميادين» بحيث أن دخول «إسرائيل» مغامرة عسكرية واسعة في ظل حالة من الهلع والانهيار المعنوي لجمهور المستوطنين الصهاينة كان يعني مقامرة محفوفة بأخطار سياسية كثيرة، خصوصاً وقد أثيرت الغايات الانتخابية للتصعيد في وجه بنيامين نتنياهو. بينما كانت وسائل الإعلام الصهيونية تحذر من رد حزب الله قبل وقوعه وتصف جريمة القنيطرة بالحماقة الكبرى.
في حساب ميزان القوى تبين للقيادتين العسكرية والسياسية في كيان العدو أن الحرب ستكون على جبهة واسعة في حال شملت الجولان والجنوب اللبناني وقطاع غزة ويحتمل أن تقود إلى تفجير حالة الغليان في الضفة الغربية المحتلة وداخل فلسطين المحتلة عام 1948، وهو ما سيضعف القدرة العسكرية المتاحة في خطوط الاشتباك، إضافة إلى خطر انخراط إيران بقدراتها العسكرية والتدميرية الهائلة في سياق العمليات الحربية. وهو ما ترجمه كتاب وخبراء صهاينة بسيناريو هطول عشرات آلاف الصواريخ من سورية ولبنان وغزة وإيران، وتكوين إعصار صاروخي مزلزل يشمل كل نقطة داخل الكيان، وسيصيب جميع مرافقه الحيوية والاقتصادية إذا وقعت الحرب الكبرى التي جزم السيد نصرالله بأن الجليل وما بعد الجليل سيكون فيها هدفا لتقدم المقاومة داخل فلسطين. إنها حرب ستخرج عن السيطرة ولن تكون لمصلحة «إسرائيل» في أي حال.