اليونان: ماذا بعد فوز تحالف اليسار الجذري؟: حميدي العبدالله
فاز تحالف اليسار الجذري الذي يرفض سياسة التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على اليونان في الانتخابات التشريعية بأغلبية مريحة، وسيقوم هذا التحالف ليس فقط بتشكيل الحكومة الجديدة، بل في رسم سياسة اليونان في فترة ولايته الدستورية.
لا شك أنّ هذا التطور السياسي النوعي لا يخصّ اليونان وحدها، ولا يهدّد فقط بتداعيات سلبية على الاتحاد الأوروبي، كمؤسسة، ونظام اقتصادي، لا سيما إذا خرجت اليونان من اليورو، وهو احتمال مرجح في ضوء المواقف الألمانية المعلنة، وفي ضوء تصريحات قادة التحالف اليساري أثناء حملتهم الانتخابية، بل مصير اليونان، ومصير الاتحاد الأوروبي، ووجهة تأثير نتائج الانتخابات اليونانية، تقرّره النتائج التي سيحققها التحالف الجديد الذي فاز في الانتخابات. فإذا تمكن هذا التحالف أولاً، من وقف سياسة التقشف التي أثقلت كاهل الغالبية الساحقة من اليونانيين وهدّدت امتيازات ومكاسب الطبقة الوسطى، وتمكن ثانياً من عدم دفع مترتبات الديون وتحمّل عبء أي إجراءات عقابية يتخذها الاتحاد الأوروبي، وإذا تمكن ثالثاً، من تنمية الاقتصاد وإعادة عجلة النمو إلى الحركة، فإنّ كلّ ذلك بكلّ تأكيد سيقود إلى نتائج على غاية من الأهمية:
النتيجة الأولى، يرسّخ حكم التحالف اليساري الجذري ويزيد من التفاف الشعب اليوناني حوله، ويقطع الطريق على الرهانات في الاتحاد الأوروبي التي تقوم على حسابات ترتبط مجتمعة بفشل التحالف الجديد في التصدّي للمشكلات الاقتصادية الحادة التي تخيّم على اليونان منذ فترة طويلة.
النتيجة الثانية، انتقال عدوى الأنموذج اليوناني إلى دول أوروبية أخرى تواجه تحديات مشابهة للتحديات التي واجهت اليونان وأسهمت في وصول التحالف السياسي اليساري إلى الحكم، ويأتي في مقدمة هذه الدول كلّ من إسبانيا والبرتغال وحتى إيطاليا.
النتيجة الثالثة، إذا ما انضمّت كلّ هذه الدول إلى الأنموذج اليوناني، فإنّ اليسار الأوروبي على امتداد القارة العجوز سوف يشهد انتعاشاً أكيداً، وستعود الصراعات الطبقية من جديد إلى البلدان التي كانت موطن هذه الصراعات وتحديداًً فرنسا وألمانيا، أو في ما يعرف عادةً ببلدان «الرأسمالية الرينانية» حيث تقاليد «دولة الرفاه الاجتماعي» قوية وترسّخت عبر عدة عقود.
النتيجة الرابعة، سوف يشهد الاتحاد الأوروبي اتجاهاً معاكساً لمسار تشكله، أيّ عودة إلى الانحلال والتفكك، أولاً بسبب انسحاب دول مرشحة للخروج منه للتحرّر من سياساته الاقتصادية غير المقبولة، وثانياً بسبب اختلال توازن القوى داخل بنيته المؤسساتية نظراً إلى قوة التيارات اليسارية حتى في الدول التي تشكل النواة الصلبة للاتحاد، والمقصود بذلك، فرنسا وألمانيا.
لكن في المقابل إذا أخفق التحالف اليساري في إخراج اليونان من أزمته، وعاد الناخبون إلى الاقتراع لصالح الأحزاب التي تسعى إلى إبقاء اليونان جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ودفع ثمن ذلك عبر التخلي عن مستوى المعيشة الحالي، فإنّ كلّ هذه التداعيات المحتملة لن تتحقق.
(البناء)