«جيش الإسلام» في عرسال: صراع مع «داعش»!: عبد الله سليمان علي
التكّهن بما يحدث في مغاور القلمون وكهوف جباله أمر شبه مستحيل. والأخبار المتقطعة الواردة من هناك لا تكفي لرسم صورة واضحة عن حقيقة ما تختزنه تلك المغاور والكهوف من أسرار وخفايا، قد تتحول في أي لحظة إلى كرات من نار تتدحرج إلى الجرود المحيطة بها مهددة بإشعال الحرائق.
ورغم أن مدينة عرسال وجرودها نالت من لفح نيران تلك الكرات، حتى الآن، الحظ الوفير، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنها اكتسبت مناعة من الحروق، أو أن كرات النار المتدحرجة نحوها قد انتهت.
خبران مفاجئان برزا خلال اليومين الماضيَين، شكّلا خرقًا نوعيًّا لسياق الأحداث المعتادة في المنطقة الممتدة من القلمون السورية إلى عرسال اللبنانية، واتخذ هذا الخرق، في المرحلة الأخيرة، طابع المواجهة بين الجيش اللبناني و«حزب الله» من جهة، و«جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» من جهة أخرى، فيما الجديد والمفاجئ دخول عناصر أخرى على خط المواجهات الدائرة، وهو ما قد يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة، ويؤدي بها إلى الانزلاق نحو منعطفات أشد خطورة.
الخبر الأول، ما أعلنه قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، عبر حسابه على «تويتر»، من أن مسلحيه نفذوا «الهجوم المعاكس الأول في عرسال»، حيث «كمن أبطال جيش الإسلام للدواعش الذين اقتحموا مقرهم، فقتلوا وجرحوا ثلاثة واقتلعوا عين الرابع».
وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها «جيش الإسلام»، بشكل رسمي، عن تواجده خارج الأراضي السورية، وأنه يمتلك مقارَّ داخل مدينة عرسال. كما أنها المرة الأولى التي يعلن فيها عن قيام هذا التنظيم، المعروف بارتباطاته السعودية، بنشاط عسكري وراء الحدود السورية. والأهم أن كلام علوش يشير إلى أن هذا الهجوم له ما بعده، وأن المعركة التي يخوضها ضد تمدد «الدولة الإسلامية» في الغوطة والقلمون قد انتقلت بالفعل إلى داخل الأراضي اللبنانية. وهذا تطور خطير وغير مسبوق منذ بداية الأزمة السورية.
والغريب أن زهران علوش، الذي هدد مجدَّدًا أمس، باستهداف دمشق بالصواريخ اليوم، بحجة الرد على قصف الغوطة، ادّعى بأن هجومه في عرسال جاء ردًّا على اقتحام عناصر من «الدولة الإسلامية» لأحد مقاره، وهو ما لم ترد أي معلومات بخصوصه من قبل. فهل يعني هذا أن حربًا سرية كانت تدور بين الطرفَين على أرض عرسال، وقرر علوش إخراجها إلى العلن؟ وهل كان التفجير الذي حصل، قبل حوالي عشرة أيام، في مكتب أمني تابع لـ «داعش» في عرسال من ضمن مجريات هذه الحرب، أم أن هناك أطرافًا أخرى لم تقرر بعد إظهار وجهها؟
الجدير بالذكر، أن إعلان علوش شكل مفاجأة للعديد من النشطاء المعروفين بمتابعة أخبار القلمون، وأجمع عدد منهم على استغرابهم هذا الإعلان، مشيرين إلى أنه لم تكن لديهم معلومات عن وجود «جيش الإسلام» في عرسال.
يذكر أن «جيش الإسلام» كان قد اتخذ موقفًا معارضًا للهجوم الذي شنته الفصائل المسلحة في آب الماضي على عرسال، ورأى فيه خدمة لأجندة «حزب الله» الذي يسعى، بحسب بيان أصدره قائده في القلمون الغربي أبو خالد، إلى اقتحام جرود القلمون. فهل هذه هي الأسباب الحقيقية لاعتراض «جيش الإسلام» آنذاك على الهجوم، أم أنه كان يخشى على المقار التي أسسها في المدينة من سيطرة «داعش»؟
أما الخبر الثاني، فقد أورده حساب أبو مصعب حفيد البغدادي، الذي يعتبر أحد إعلاميي «داعش» في القلمون الغربي، على «تويتر»، إذ أكد أن «الجيش الحر» اعتقل، قبل أيام، أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي ومعه عدد من «الشرعيين»، في أعقاب مشاجرة حدثت بين الطرفَين، مشيرًا إلى إطلاق سراح الجميع بعد ذلك.
واطلق حفيد البغدادي «هاشتاغ» بعنوان «الجيش الحر اعتقل أبو مالك التلي»، لكنه لم يلقَ تفاعلًا على موقع التواصل الاجتماعي. ولا توجد معطيات من شأنها تأكيد أو نفي هذا الخبر، مع عدم إغفال فرضية أن يكون أحد أساليب الحرب الإعلامية التي يشنها الطرفان ضد بعضهما البعض.
لكن الأهم من صحة هذا الخبر بالذات هو أنه جاء في سياق هجوم عنيف شنّه «إعلاميو داعش» على «جبهة النصرة» عمومًا، وعلى زعيمها في القلمون خصوصًا، وهو ما يشير إلى استمرار حالة التوتر والاحتقان بين الطرفَين، خلافًا لما تروج له بعض التقارير من حدوث تقارب بينهما بعد الهزة العنيفة التي أحدثها تبادل بيانات التكفير والغلو مؤخرًا، على خلفية تعيين شرعي جديد لـ «داعش» هو أبو الوليد المقدسي. وبدا حفيد البغدادي جازمًا عندما قال: «لا توحيد مع أعداء التوحيد، جبهة (زعيم داعش أبو بكر) الجولاني لا دين لها».
وإذا كان احتمال تدهور الأوضاع بين «جبهة النصرة» و «داعش» في القلمون قائمًا ومأخوذًا بالاعتبار منذ أشهر عدة، إلا أن دخول «جيش الإسلام» على الخط وإعلانه المفاجئ عن تواجده في عرسال، وافتتاحه لعهد الصراع مع «الدولة الإسلامية» فيها، شكلت تطورا غير متوقع، وهو ما من شأنه أن يوسع دائرة الاحتمالات الخطرة التي يمكن أن تتطور إليها الأحداث في القلمون وجارته عرسال.
(السفير)