أحزاب صهيونية وليست يسارية: د . فايز رشيد
يحاولون إقناعنا بوجود معسكرين لليمين واليسار في الانتخابات “الإسرائيلية” . وبخاصة عندما ترفع الأحزاب المحسوبة على اليسار شعارات برّاقة، لكن المدقق في مسلكية وشعارات الأحزاب المسمّاة ب”المعتدلة” أو “اليسارية” يجد وبلا أدنى جهد أنها ليست أكثرمن لعبة انتخابية، لا تعكس حقيقة التوجهات السياسية في كثير من القضايا، وبخاصة فيما يتعلق بالصراع والتسويات المطروحة، سواء مع الفلسطينيين أو العرب . فمثلاً يتصور البعض منا أن فوز تحالف حزبي “العمل” برئاسة هيرتسوغ مع حزب “كاديما” بقيادة تسيبي ليفني، وكما تشير استطلاعات الرأي في الكيان، سيكون أفضل بالنسبة لقضيتنا وللصراع عموماً، من فوز التحالف الثاني بزعامة نتنياهو! . يعتمد هذا البعض على تصريحات كل من هيرتسوغ وليفني ومناداتهما ب”السلام” . نعم أغلبية تصريحاتهما تصب في أهمية الوصول إلى “السلام” . ليفني وهيرتسوغ (على سبيل المثال) انتقدا في تصريحاتهما نتنياهو على تعامله مع حرب غزة 2014 (بعد انتهائها بالطبع)، واتهماه: بأنه بشن الحرب وضع عقبات جديدة أمام تحقيق السلام مع الفلسطينيين والعرب، وعطّل على “إسرائيل” قيام تحالفات إقليمية جديدة .
الأربعاء الماضي (28 يناير) قام زعيما التحالف “المعتدل” بزيارة مشتركة إلى الجبهة الشمالية يرافقهما الجنرالان المخضرمان المتقاعدان عاموس يادلين وإيال بن رؤفن وهما من عتاولة العسكريين “الإسرائيليين” والموغلان في الدماء الفلسطينية والعربية . قالت ليفني (كان يرافقها هيرتسوغ) في تصريح لها وهما يخاطبان الجنود: “من المهم الإعلان أننا موحدون، الجولان غير قابل للتفاوض وأنه قسم من “إسرائيل”، كما أؤكد بوضوح: لن تتم مناقشة الجولان في أية تسوية” . هرتسوغ وفي تصريح له لإذاعة الجيش “الإسرائيلي” مساء ذات اليوم قال: “الأوضاع تظهر بوضوح أن الجولان خارج النقاش، لا توجد عليه أسئلة، ونقاشات أو مفاوضات عليه” . الشعارات التي يرفعها الحزبان تتحدث في معظمها عن: العدل والمساواة بين الشرائح الاجتماعية في الكيان، كما أنها تخاطب الفقراء وتدّعي الدفاع عن مصالحهم وغير ذلك من الشعارات الرنّانة! . لا يلبث مرشحو الحزبين (كما كل الأحزاب الأخرى)، وبعد نجاحهم: أن يتنكروا لكل شعاراتهم السابقة . من الأمثلة البارزة على صحة ما نقول، تسيبي ليفني نفسها وتحولاتها السياسية أثناء تسلمها للمناصب الوزارية، يائير ليبيد زعيم حزب “يوجد مستقبل” وغيرهما كثيرون .
معروف تاريخ حزب العمل (أثناء تسلمه للحكم) في اقتراف العدوان على الدول العربية عدا عن الفلسطينيين، والمذابح التي اقترفها، وسياسته الاستيطانية وغير ذلك من الإجرام . ومعروف أيضا دفاعه عن مجازر الكيان وهو خارج السلطة، فشمعون بيريز الرئيس الأسبق للحزب وفي مؤتمر صحفي عقده بعد محاضرة له لطلاب جامعة ديترويت (مايو 2000) أنكر ارتكاب “إسرائيل” لأية مجزرة في قانا، ووصف الشهداء والأطفال “ببضع ضحايا في حرب”! . المجال لا يتسع لإيراد المزيد مما اقترفه هذا الحزب بحق شعبنا وأمتنا .
معروف أيضاً: أن للحزبين العمل و كاديما نفس مواقف الليكود من التسوية، لا انسحاب من القدس الشرقية وستبقى العاصمة الأبدية والموحدة ل”إسرائيل”، لا انسحاب من كافة الحدود المحتلة في عام ،1967 لا عودة للاجئين، وغير ذلك من المواقف، فبماذا يختلف الحزبان عن الليكود؟! .
ليفني من عتاة الصهاينة، انضمت في شبابها لحركة “بيتار” الصهيونية الأشد تطرفاً، وهي تلميذة شارون بامتياز . كانت وزيرة للخارجية في حكومته (بعد تشكيله لحزب كاديما ونجاح الحزب في الانتخابات التشريعية آنذاك) واستمرت بعد إصابته بجلطة وتعيين أولمرت خلفاً له . ليفني تتقن لغة الحديث عن السلام لكنها في الحقيقة تقف على يمين مناحيم بيغن . لقد رفضت (وجاء الرفض بشكل حريري ناعم) ولاتزال ما يسمى ب”مبادرة السلام العربية” رغم إخضاع المبادرة لحق عودة اللاجئين إلى المفاوضات بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني، فعن أي اعتدال وأي يسار ينسبونه إليها!؟ .
إن إطلاق وصف اليسار والاعتدال على حزبي العمل وكاديما في الحقيقة هو ظلم كبير، فاليسار ليس كلمة شكلية بسيطة يمكن إطلاقها بسطحية كبيرة على هذا الحزب أو ذاك، بقدر ما هي مضمون أيديولوجي فكري وسياسي وممارسة عملية على أرض الواقع، أي باختصار شديد، مزاوجة بين الإيمان النظري الحقيقي وليس المزيف وبين سياسات الحزب بالمضمون الاقتصادي الاجتماعي، وتعامله بعدالة مع الأحزاب والقوى اليسارية والتشكيلات الاجتماعية الشبيهة في الدول الأخرى .
في الحالة المحددة، فإن حزب العمل “الإسرائيلي”، وكذلك حزب كاديما، هما حزبان صهيونيان حتى العظم، وفي تبنيهما للقضايا الاجتماعية الداخلية يحملان شعارات لا يعملان على تطبيقها، وهما يساومان على هذه الشعارات في أغلب الأحيان . لقد خاض الحزبان مع الفلسطينيين مفاوضات طويلة لم تسفر عن شيء حقيقي بقدر ما استعملت من قبلهما، كتكتيك سياسي، هدفه أولاً وأخيراً الإيحاء للعالم بأن هناك في “إسرائيل” قوى تدعو إلى السلام .
اليساريون حقيقةً هم من رفضوا ويرفضون اعتناق الأيديولوجية الصهيونية فكراً وممارسةً، وهم الذين يكافحون ضد السياسات “الإسرائيلية”، وفي كثير من الأحيان لا يستطيعون العيش في مثل هذا (المجتمع) بل تراهم يغادرون “إسرائيل”، بل يهاجرون منها مثل إيلان بابيه، والمحامية التقدمية فيليتسيا لانجر .
ليس المقصود مما تقدم، إغماض العينين عن وجود التمايزات أو حتى التناقضات بين الأحزاب “الإسرائيلية” تجاه هذه القضية السياسية أو تلك، لكن هذه إن وجدت فهي تتخذ مظهر الثانوية . وليس المقصود إغفال التناقضات القائمة في الشارع “الإسرائيلي” (فكلمة المجتمع لا تنطبق على مستوطني أرضنا)، فإطلاقها على ساكني مطلق دولة يكون طبيعياً، لكنها في الكيان لا تكتسب شرعية بفعل فسيفسائية وموزاييكية العناصر المشكلة لشارعه وبحكم عدم ارتباطهم سوى بالديانة ولا شيء غيرها . لا مفاهيم الشعب ولا القومية ولا الأمة تنطبق على تجمعهم الاستيطاني البحت، فكيف يشكلون مجتمعاً؟ . ما قلناه: هو حقائق الولاء الحزبي في دولة الكيان للصهيونية كمصدر وأساس لما تعتنقه من فكر، وتمارسه واقعاً من سياسات . أما شعارات بعض الأحزاب . . فتظل لعبة انتخابية . . ليس إلا، ويظل ولاء الأحزاب في الكيان هو أولاً وأخيراً للتعاليم الصهيونية الشوفينية العنصرية التي أقرّت الأمم المتحدة بأنها ظاهرة عنصرية، ومعروفة هي ظروف إلغاء القرار .
(الخليج)