الشريط السوري العميل
غالب قنديل
لم يعد الحديث عن دور إسرائيل المباشر في العدوان على سورية أمرا هامشيا بل هو في هذه المرحلة محوري وكبير وفي صلب حركة الصراع ويلاحظ بقوة انه مع تراجع زخم الدورين السعودي والقطري المستمرين في تمويل ورعاية الإرهاب فإن ثقل العدوان يتمركز في تركيا وإسرائيل بينما تلعب كل من عمان والدوحة والرياض أدوارها المخابراتية واللوجستية في خدمة الحلف العثماني الصهيوني وهذا هو التوصيف الحقيقي لوظيفة عرب اميركا :إنهم خدم إسرائيل.
أولا: مشروع الشريط الحدودي العميل في جنوب سورية الذي سبق ان أشرنا إليه مرارا بات اليوم واضح المعالم وهو قيد التنفيذ برعاية الولايات المتحدة التي امنت لإسرائيل تعاونا اردنيا واسعا وقامت بتمويل وتنظيم عمليات تدريب وتجميع للمرتزقة في معسكرات توزعت امكنتها بين قطر والأردن والسعودية وتركيا ونقلت عمان مباشرة مجموع ” المتخرجين ” إلى عهدة الموساد وامنت انتقالهم عبر منطقة الفصل السابقة التي رسمها اتفاق فك الاشتباك عام 1974 الذي أسقطته إسرائيل بتدخلاتها في سورية كما أسقطت اتفاق الهدنة مع لبنان في السبيعينات لصالح مشروع الشريط العميل .
عام 1978 انطلقت فكرة احتلال إسرائيل لشريط حدودي داخل الأرض اللبنانية من مبدأ حماية امن الكيان الصهيوني وبلغت قوات العدو جسر القاسمية على الليطاني وعجزت عن الثبات هناك امام المقاومة اللبنانية والفلسطينية فاضطرت للتراجع حتى جسر الخردلي على الليطاني أيضا وجنوبي النبطية للاحتفاظ بالشريط الحدودي المعروف لإبعاد خطر المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية عن عمق فلسطين المحتلة وعندما ظهرت قدرة الردع الصاروخية بدك المستعمرات الصهيونية الشمالية في معركة 1981 التي أفضت إلى تفاهم فيليب حبيب المكرس لأول توازن ردع بين العرب وإسرائيل ربط الصهاينة مشروعهم لتوسيع الشريط في حرب جديدة على لبنان بمدى الصواريخ السوفيتية التي تسلمتها سورية ونقلتها إلى فصائل المقاومة الفلسطينية آنذاك ومن هنا شاع التوقع يومها بان عملية “الأكورديون” التي تعدها الدولة العبرية سوف تبلغ بلدة الدامور شمالي صيدا على الساحل اللبناني وامتدادا إلى عمق الشوف فالبقاع الغربي انطلاقا من كونها تعادل المدى المطلوب لإبعاد خطر الصواريخ عن عمق الكيان الصهيوني .
ثانيا: الشريط الحدودي إذن هو صيغة دمجت بين انخراط إسرائيل المباشر في الحرب على لبنان وبين تأمين قوة عميلة تسيطر على منطقة عازلة تبعد المخاطر عن إسرائيل وتتلقى الضربات بدلا منها وهكذا هو مشروع الشريط الحدودي في سورية حيث تختبر إسرائيل فرص تكوين قوى عميلة لها من جماعات التكفير الإرهابية وسواها من مرتزقة الجماعات المسلحة في سورية ويبدو بكل وضوح سقوط الاعتبارات العقائدية الكثيرة التي ظن البعض فيها عائقا يحول دون تطويع جماعات إسلامية متطرفة لصالح الارتباط بإسرائيل لكن ذلك تم فعلا وهو ما يحسم حقيقة أن الفكرة الوطنية والقومية هي التي تقيم الحد داخل معتنقي العقائد وان ما يسمى بالإيديولوجيا لا يقيم حصانة ضد الاختراق الصهيوني فالعملاء قابلون للتجنيد والتشغيل أيا كانت عقائدهم ويظهر بوضوح ان مشغلي القاعديين في الخليج وتركيا والولايات المتحدة يستخدمون إمرتهم العمياء لوضعهم في تصرف الكيان الصهيوني وبالفتاوى وأداة الإمرة هي المال.
بين عملاء إسرائيل في سورية جماعات ترفع رايات إسلامية وأخرى ليبرالية وربما لو قدر لميشال كيلو ان تكون عنده ميليشيا مع صاحبه اللدود برهان غليون لوجدنا قوة مرتزقة تدمج النجمة الحمراء بنجمة داوود الزرقاء ولاعجب!.
ثالثا: إن نهوض سورية وانتصارها بقيادة الرئيس بشار الأسد يعني في الحساب الصهيوني تحولا خطيرا وحاسما في معادلات الصراع وعرقلة هذا المسار بعد سقوط الرهانات الأميركية جميعا على التخلص من الدولة الوطنية يفتح الأبواب امام تحديات عاصفة بعد الاندماج النوعي الذي تحقق داخل منظومة المقاومة الإقليمية وبالذات بين الجيش العربي السوري والقوات الشعبية المساندة وحزب الله ومع دور إيراني مساند قد يتحول إلى انخراط وحدات مقاتلة في المعارك بينما تلوح فرصة ولادة مقاومة شعبية سورية تقاتل لتحرير الجولان ، في وجه ذلك كله تسعى إسرائيل لتعجيل مشروع الشريط وتتدخل بكل قواها بعدما اظهرت عمليتها في الجولان مضمون التحولات القادمة وطبيعة التحديات التي تنتظرها بقيام جبهة مفتوحة من الحدود الأردنية السورية حتى رأس الناقورة في أي حرب مقبلة بينما تصبح أرض فلسطين المحتلة عام 48 ساحة للقتال وليس ميدانا للقصف فحسب بعد إعلان قائد المقاومة السيد حسن نصرالله لكسر قواعد الاشتباك وفتح المواجهة بلا اعتبار للحدود والساحات .
إن استنهاض الشعب السوري للمشاركة في تدمير الشريط العميل بكل الوسائل بات مهمة مركزية وهو يستدعي عملا سياسيا وإعلاميا استثنائيا لأن مستقبل سورية كقلعة للعروبة وكحصن للمقاومة هو المطروح وقد سقطت كل الأقنعة وبات المشروع الصهيوني عاريا ومعه جميع المعارضات التافهة التي تعلك خطابات بالية لا قيمة لها في حين يفضح الجنوب السوري جميع الأكاذيب التي قيلت في سبيل إشعال الحرب العدوانية على سورية الدولة الوطنية المحورية في المنطقة التي تخاف إسرائيل من خطر نهوضها وتعافيها.