النقاش الإسرائيلي يركّز على «الاحتواء»: لا ردع ناجعاً لـ«حزب الله» حلمي موسى
انتهى رد «حزب الله» على قيام إسرائيل باغتيال شهداء القنيطرة بنتيجة مرضية تقريباً للطرفين، حيث لم يندفع أي منهما إلى التصعيد بعده. الأول شعر بأنه نفّذ عملية مدروسة جيدا ومجزية له من الناحيتين المعنوية والعسكرية وتحافظ على قواعد لعبة حاول الثاني تخريبها. والثاني استشعر أن نتائج العملية كان يمكن أن تكون أشد كارثية وأن التصعيد كفيل بجباية أثمان باهظة ليس على استعداد لدفعها الآن. باختصار، وبالرغم من كل ما يقال، أظهر «حزب الله» قدرته على اختيار لحظة الرد ومكانها وبيّن استعداده للمواجهة الشاملة.
ويمكن القول إن من رفضوا التهليل لإقدام نتنياهو على إرسال سلاحه الجوي لاغتيال شهداء القنيطرة في مقامرة غير مدروسة، كانوا أول من اعتبروا النتيجة مرضية. بل إن ناطقين إعلاميين بلسان حكومة نتنياهو، مثل محرر «إسرائيل اليوم» دان مرغليت، أشادوا بضبط الجيش الإسرائيلي لنفسه وعدم الانجرار نحو التصعيد. وكانت «هآرتس» أبرز من انتقد الغارة الجوية حينها وأول من أشار إلى أن رد «حزب الله» كان «ثمن العملية الاستعراضية».
وبعد أن أشارت افتتاحية «هآرتس» إلى أن الغارة الجوية قرب القنيطرة، والتي أودت بحياة كوادر من «حزب الله» وجنرال إيراني، كانت «مغلوطة من ناحية عملياتية واستراتيجية»، قالت إنها أيضا «تطرح علامات استفهام على اتزان مقرري السياسة – رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الاركان». وعددت الصحيفة مواضع الشبهة الانتخابية في قرار نتنياهو المصادقة على العملية، وربطت بين التحقيقات بفساد حزب ليبرمان ومطالبته بالرد «بشكل غير متناسب» على عملية «حزب الله». وطالبت قادة المعسكر الصهيوني بمنع التصعيد والاستفزازات والتصدي «لحكم الخوف والحرب الذي يمثله نتنياهو».
وانتقد كبير معلقي «يديعوت أحرنوت» ناحوم بارنيع موقف حكومة نتنياهو. واعتبرها حكومة لا تمتلك سياسة. وربط بين دعوة نتنياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس ورد الفعل الأميركي عليها وسلسلة العمليات الفلسطينية واقتراب الضفة من الغليان واغتيال شهداء القنيطرة وعملية «حزب الله» واعتبرها جميعها «نذير شؤم». وفي إشارة لافتة، وبرغم تهديدات نتنياهو بأن «من يقف خلف الهجوم اليوم، سيدفع كامل الثمن»، كتب بارنيع أن «اسرائيل عمليا بذلت كل ما في وسعها كي تحتوي الحدث». وأشار إلى أن «ضباط الجيش الاسرائيلي، الذين وصلوا لتقويم الوضع في ديوان رئيس الوزراء في تل أبيب تذكروا جيدا التدحرج الى الحرب في الصيف الماضي. حكومة اسرائيل لم ترغب في الحرب؛ حماس لم ترغب في الحرب. وعلى الرغم من ذلك، تدحرجوا الى هناك وكأنه يتملكهم الشيطان، فقط لان الطرفين خافا من أنهما لا يردعان أحدهما الآخر بما فيه الكفاية».
وحاول تفسير تهديدات نتنياهو على طريقته، مشيرا إلى أنه «يكاد يكون كل من اجتمع في ديوان رئيس الوزراء أمس افترض ان خلف تهديد نتنياهو لا تختبئ غير الخطابة. فهو لا يريد أن يتورط في حرب في الشمال الآن. أحد لا يريد، بينت، الذي فجأة صمت، ايضا لا يريد. لا صوت ولا «واتس أب». ولا ليبرمان ايضا، الذي دعا الى فتح حملة عسكرية كبيرة في لبنان، ولكن عرف بأن احدا لا يأخذ دعوته هذه على محمل الجد».
وأجرى بارنيع حسابا مع تبريرات نتنياهو للتصعيد وهي أن ايران أمرت «حزب الله» بالاستيلاء على طول حدود اسرائيل، من مزارع شبعا حتى منطقة القنيطرة وأنه محظور على إسرائيل السماح بذلك. وتساءل: «في واقع الامر لماذا؟ لنفترض أن ايران أمرت حزب الله بتوسيع انتشاره حتى شمال الهضبة؛ لنفترض أن حزب الله يعتزم عمل ذلك. فهل هذا سيئ جدا؟ هل من الافضل لاسرائيل أن تجلس في هضبة الجولان امام قوات داعش أو أمام جبهة النصرة، منظمة مجنونة اخرى متفرعة عن القاعدة؟ فأمام منظمات كهذه نحن نجلس اليوم، من القنيطرة جنوبا، ولم اسمع أن اسرائيل فتحت ضدها حربا. فلماذا نواصل العيش في حنيتا والمطلة، في مسغاف عام وفي دوفيف، في كريات شمونا وفي شلومي، امام حزب الله ولا يمكننا أن نعيش امامهم في هضبة الجولان؟ وسؤال آخر، اذا كان مسموحا، لماذا صفي الجنرال الايراني؟ لماذا صفي في عملية شبه علنية؟ ما الذي قرر هذه العملية، ومن أخاف ومن ردع، باستثناء مئات آلاف المواطنين الاسرائيليين الذين يسكنون على حدود الشمال؟»
وفي كل حال كان المعلق العسكري لـ «هآرتس»، عاموس هارئيل واضحا حينما أشار إلى أن «حزب الله» رد فقط «بشكل محسوب ومحدود» ممتنعا عن تنفيذ عمليات أوسع أو فتح جبهات جديدة. واعتبر أن الرد العسكري الإسرائيلي وفقا للروحية السائدة في الجيش يظهر أن «اسرائيل تسعى إلى التهدئة وليس إلى التصعيد». وأوضح أنه حتى إذا كان نتنياهو ينوي إظهار الحزم عشية الانتخابات فإن «الحرب مع حزب الله هي شأن مختلف تماما. من الصعب معرفة كيف يمكن لحرب كهذه أن تخدم نتنياهو، وما الذي يريد ان يحققه من خلالها ولماذا ينبغي له الظن أن مواجهة عسكرية شاملة سوف تنتهي بانتصار باهر من شأنه دعم وضعه الانتخابي». وشدد على أن لنتنياهو مصلحة واضحة، كما يبدو، في إنهاء هذه الجولة مثلما يبدو أن حزب الله ملتزم بمنازلة محدودة.
وقد أبدى هارئيل أمله بأن يكون الحدث قد انتهى وأنه ليس ذاهبا للتصعيد. لكنه لا يشتق من ذلك أن المنازلة مع «حزب الله» انتهت حيث «يبقى التساؤل مثاراً حول احتمال استمرار التطورات في الجبهة الشمالية. فمن المنطقي الافتراض بأن حزب الله سيواصل الاعتماد على قوافل السلاح المتطور من إيران والتي تصل إلى لبنان عبر الاراضي السورية. في هذه الحالة، هل ستواصل اسرائيل ضرب القوافل التي تنقل السلاح النوعي لحزب الله في المستقبل، مع علمها أن حزب الله سيرد على هذه الضربات في جبهة الجولان ومزارع شبعا».
وخلافا للمعلقين التقليديين، حتى ممن ينتقدون نتنياهو وحكومته، كتب المعلق في «معاريف الأسبوع» ران أدليست أن الجيش الإسرائيلي «عاد إلى قواعد اللعب». ويحاول أدليست فهم «كيف ولماذا وصلنا الى شفا الانفجار الذي يمكن أن يقع اذا تقرر في اسرائيل رفع سقف الرد؟» وبعد أن يستعرض خشية السياسيين من خوض الحرب في واقع كهذا، جراء الخوف من لجان التحقيق أو من تلقي العقوبة بخسارة الانتخابات، يشير إلى تقويمات وتقديرات موقف ثبت فشلها في الماضي وتخلق ترددا تجاه التصعيد. ومع ذلك يبين أن ترسانة إسرائيل محدودة: فكل رد جوي ومدفعي من جانب إسرائيل لا يشبع رغبة ليبرمان في الانتقام والدخول البري غير وارد والعمليات «الجراحية» تنطوي ولو على احتمال ضئيل بالفشل (عملية الناعمة 1988 وأنصارية 1997 مثلا).
في كل حال فإن الجنرال غيورا آيلاند الذي سبق أن خدم كمستشار أمن قومي لرئيس الحكومة الإسرائيلية ينصح الجيش الإسرائيلي بمعالجة نقطة الضعف الأساسية وهي مواجهة ليس «حزب الله» وإنما لبنان. وفي مقالة نشرها أمس في «يديعوت» كتب أن سلاح «حزب الله» الأساسي، الصواريخ، لم يتضرر بل تعاظم، برغم انشغاله في الحرب في سوريا. وفي وضع كالقائم في لبنان لا وجود لردع ناجع لـ «حزب الله» إن لم يكن مفهوما أن «الحرب ستؤدي الى دمار لبنان وليس فقط الى ضرب حزب الله». واعتبر أن هذا كان خطأ إسرائيل في حرب لبنان الثانية إذ لا يمكن لإسرائيل الانتصار إلا إذا كان ردها حربا معلنة ضد لبنان.
(السفير)