يد المقاومة هي الأعلى
غالب قنديل
قيل وكتب الكثير في الساعات الماضية عن المزايا التقنية والتكتيكية لعملية مزارع شبعا التي نفذها المقاومون ردا على عدوان القنيطرة ولكن العبرة الاستراتيجية ستبقى ان المقاومة كقوة وكمحور هي من يمسك زمام المبادرة في رسم التوازنات والمعادلات وتحديد قواعد الصراع .
أولا احتفظت المقاومة بعنصر المفاجأة باختيار مزارع شبعا بينما كانت التكهنات الإسرائيلية تتركز على توقع الرد الحتمي في جبهة الجولان أو داخل فلسطين المحتلة أو ربما في ساحات الخارج عبر البحار والمحيطات .
اختيار مسرح العمليات هو في العلوم العسكرية من أهم العناصر التي يجب حسمها في التخطيط لأي هجوم والمباغتة هي السمة التي تسمح للمهاجم بإمساك زمام المبادرة وقد سددت المقاومة ردها بزمن قياسي خلال عشرة أيام وانجزت الرصد والاستطلاع في ظل حالة الاستنفار الصهيونية القصوى التي شهدتها جميع المناطق الحدودية على الجبهة الشمالية السورية اللبنانية لفلسطين المحتلة.
هذا التفوق الاستخباراتي والعملي والمزايا التقنية لصواريخ المقاومة التي أربكت المحللين الصهاينة ذلك كله من عناصر تأكيد ان يد المقاومة هي العليا وان زمام المبادرة بيدها مهما فعل العدو .
ثانيا أكدت المقاومة عمليا الحقيقة الجديدة التي فرضتها منذ العدوان على سورية وانخراطها في القتال دفاعا عن محور المقاومة وسندها وظهرها وهي ان رابطا عضويا وميدانيا بين الجبهتين السورية واللبنانية قد تكون وسوف يترسخ وفقا لمبدأ تحويل التهديد إلى فرصة الذي تحدث عنه السيد حسن نصرالله ووفقا لما قاله الرئيس بشار الأسد منذ شروع العدو بتدخله العسكري الداعم لعصابات الإرهاب سواء بالقصف المدفعي ام بغارات الطيران الحربي المعادي.
التدخل الصهيوني تطور مؤخرا ليصبح كناية عن منظومة إسناد كاملة يقيمها الصهاينة مع إرهابيي جبهة النصرة ومرتزقة ما يسمى بالجيش الحر على امتداد الجبهة الجنوبية السورية والرد يوم امس من مزارع شبعا على عدوان صهيوني وقع في الجولان هو تأكيد لذلك الترابط العضوي ويمثل قاعدة جديدة فلا شيء يمنع لاحقا رد المقاومة في الجولان على عدوان يستهدف لبنان او سورية على السواء .
ثالثا أحيت المقاومة فكرة تحرير الأراضي اللبنانية الباقية تحت الاحتلال الصهيوني منذ العام 2000 والتي لم تحرك السلطات اللبنانية ساكنا لاسترجاعها وتبخرت جميع الوعود التي جاد بها المسؤولون والزوار بعد صدور القرار 1701 في آب 2006 ولا قيمة لصراخ المحتجين امس على عملية المقاومة طالما انهم مسؤولون سابقون لم يسطروا رسالة ولم يبذلوا جهدا ولم يصارحوا اللبنانيين على الأقل بأن حكومات الغرب والخليج كذبت يوم وعدتهم بإجبار إسرائيل على الخروج من تلك الأراضي الباقية تحت الاحتلال وبالتالي بسحب ما يصفونه بذريعة استمرار السلاح بيد المقاومة التي أمهلتهم سنوات بلا طائل وجددت عهدها بالتحرير سلاحا في الرد على جريمة الجولان .
جدل المشروعية بات بلا قيمة فالمشروعية تحسمها نصوص البيانات الوزارية وانقضاء المهل بعد زمن طويل انقضى على إمهال المقاومة لأصحاب الوهم الدبلوماسي والمصممين على تجريب المجرب في قضية منتهية ومبرمة كما تبرهن الأحداث المستمرة منذ حوالي أربعين عاما .
رابعا يمكن الكلام كثيرا عن براعة حزب الله في دقة الاختيار والتنفيذ ولكن أصلا وأساسا في رفع التحدي ووضع الكيان الصهيوني دفعة واحدة امام خيارين احلاهما مر فإما ابتلاع المنجل مع قليل من العواء على طريقة الواوي التي ترددها حكايا مزارعي الجنوب اللبناني والانطواء بعد ابتلاع الرد الموجع وإما التدحرج نحو مواجهة قتالية أشمل تفتح أبواب جهنم على الكيان الصهيوني وتطرح شتى الاحتمالات في مسارها من تحرير الجليل والتقدم إلى ما بعده إلى فتح جبهة الجولان على مصراعيها ودخول المقاومة الفلسطينية والجيش العربي السوري على خط الاشتباك ومن الواضح ان حزب الله يراكم المزيد من تهشيم الخرافة الصهيونية ويبدو ان السيد حسن نصرالله سيحتاج إلى عبارة أقوى من عبارته السابقة : أوهن من بيت العنكبوت.
هذه الحسابات مضاف إليها حجم التبعية الصهيونية للولايات المتحدة التي تكرست على جميع الأصعدة في الحروب الأخيرة ومنذ العام 2000 بحيث ان بعض وجبات القذائف والصواريخ كانت تشحن جوا خلال المعارك لترميم القدرة النارية الإسرائيلية جعلت فرصة ردع العدو قائمة وممكنة .
خامسا حسمت المقاومة كل جدل عن قدراتها وإمكاناتها وعن الاكاذيب التي تعممها الرواية الأميركية والصهيونية عن استنزاف قدراتها في سورية فقد أثبتت المقاومة ما قاله السيد نصرالله حول تنمية وتصاعد الجهد المكرس لمقاتلة إسرائيل بمعزل عن كل ما يدور في العالم والمنطقة وفي سورية ولبنان وهذه المسألة يجب ان ترسخ في فهم التوازنات والمعادلات وإسرائيل تخطيء حساباتها بكل تأكيد ومعها يخطيء الواهمون في لبنان والخليج .
اكثر مما تقدم سمحت عملية المزارع بعد عملية الجولان بترسيخ نتائج المساعي التي بذلتها إيران وقيادة حزب الله لاستعادة حماس إلى محور المقاومة والمواقف الفلسطينية الحارة التي صدرت بعد عدوان الجولان وبعد عملية المقاومة في مزارع شبعا جاءت تعزيزا للتلاحم السياسي والمعنوي وترميما للثقة سيكون له تأثير كبير في المستقبل وهو ثمرة جهود المقاومين الأبطال الذين ستبقى يدهم الأعلى في هذا الشرق .