إسرائيل تقع في «فخ القنيطرة»: إخفاق استخباري وعسكري حلمي موسى
تعاملت وسائل الإعلام الإسرائيلية مع نجاح «حزب الله» في نصب كمين لموكب قيادي إسرائيلي داخل مزارع شبعا المحتلة، على أنه اخفاق استخباري وعملياتي من الدرجة الأولى خصوصا أن ذلك تم في ظل حالة التأهب القصوى المعلنة منذ أيام. لكن هذا الإخفاق أظهر من ناحية أخرى المعضلة السياسية التي وجدت إسرائيل نفسها فيها إثر دخولها شرك التصعيد مع «حزب الله» بعد استهداف كوادره وجنرال إيراني على مقربة من القنيطرة قبل عشرة أيام: هل تصعّد ميدانيا أم تتجنب الصدام الواسع؟
فقد اعترفت إسرائيل بمقتل ضابط برتبة رائد وضابط صف وإصابة سبعة في كمين نصبه «حزب الله» لموكب آليات عسكرية تحركت على الحدود قرب قرية «الغجر» السورية المحتلة على مثلث الحدود مع لبنان. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن هذا الموكب كان «في دورية قيادية في المنطقة كجزء من حالة التأهب في الكتيبة الموجودة في حالة تدريب حاليا».
وبدا الوجوم قاتماً على أوجه القيادات العسكرية الإسرائيلية بعد نجاح «حزب الله» في نصب الكمين وتحقيق إصابات قاتلة، برغم حالة التأهب القصوى المعلنة. وأشارت إسرائيل إلى تدمير مركبتين من طراز «أيسوزو»( DMAX) قرب الحدود بصاروخ مضاد للدروع.
ووصف معلقون عسكريون الكمين الذي نصبه «حزب الله» بأنه «كمين مركّب» حيث تم فيه استخدام قوات متنوعة. فبعد كمين الصاروخ المضاد للدروع، أطلقت قذائف الهاون باتجاه قوة عسكرية إسرائيلية وصلت لنجدة القوة التي وقعت في الكمين. ولكن أيضا تم استهداف عدد واسع من المواقع الإسرائيلية بقذائف الهاون في محاولة للتمويه على موقع الضربة الأساسي. ونتيجة الارتباك الإسرائيلي، تم الإعلان عن إغلاق مطاري حيفا وروش بينا بعد إغلاق المجال الجوي الذي تم تبريره بكثافة النشاط الجوي العسكري. كما أغلقت إسرائيل المواقع السياحية في الشمال مثل جبل الشيخ وبانياس و «الحدائق الوطنية»، فضلا عن إغلاق العديد من الطرق.
وفي محاولة للتخفيف من هلع سكان المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان المتخوفين من وجود أنفاق حفرها «حزب الله»، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات حفر موسعة صباح أمس حول مستوطنة زرعيت التي يزعم المستوطنون فيها أنه بعد عدوان تموز 2006 أنشأ «حزب الله» مبان قرب الحدود يعتقد أنها تحوي أنفاقا ويشتكون من أنهم يسمعون ضوضاء في الليل ناجمة عن حفر الأنفاق. وأكد الجيش الإسرائيلي أنها ليست المرة الأولى التي يفحص فيها احتمالات وجود أنفاق من جهة لبنان.
وفور الإعلان عن نجاح كمين «حزب الله»، انهمكت القيادتان السياسية والعسكرية في مداولات تحديد سبل الردّ. ووصل رئيس الأركان الجنرال بني غانتس إلى قيادة الجبهة الشمالية في صفد للوقوف على تفاصيل الوضع وصياغة تقدير موقف.
وقد قطع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، زيارته الى مستوطنة سديروت على الحدود مع قطاع غزة، ليصل سريعاً إلى مقرّ وزارة الدفاع في تل أبيب لإجراء مشاورات. وأعلن نتنياهو «أنني أقترح على كل من يحاول تحدّينا على الحدود الشمالية أن يرى ما فعلناه هنا، غير بعيد عن بلدة سديروت، في قطاع غزة. لقد تلقت حماس في الصيف الأخير الضربة الأشد منذ إنشائها، والجيش الإسرائيلي مستعد للعمل بشدة في كل الجبهات».
كما أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون مشاورات لتقدير الموقف، في وزارة الدفاع قبل المشاورات بمشاركة رئيس الحكومة ورئيس الأركان وكبار القادة العسكريين. وكان الخط البادي في جميع المداولات أن وجهة إسرائيل ليست نحو التصعيد الشامل لكنها لن تسلّم بالمساس بسيادتها.
ونددت قيادات «المعسكر اليهودي» التي قامت بجولة في هضبة الجولان المحتلة، بمشاركة اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني ومرشح القائمة الى وزارة الدفاع عاموس يادلين، بعملية «حزب الله» قرب قرية الغجر. وقال هرتسوغ «إذا كان أحد في «حزب الله» يظنّ أن بوسعه تهديدنا أو تقسيمنا أثناء الانتخابات، فسوف يعلم أننا أقوياء وموحدون في الحفاظ على أمن المواطنين». وأضاف «أن مستقبل الجولان واضح، وهو سيبقى بأيدينا وسوف نحرص على أمن سكانه. لا مجال لمهادنة من يهاجم مواطني إسرائيل».
وأجرى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان اتصالا مع وزير الخارجية الأسباني خوزيه مناويل غارسيا مرجايو معرباً عن تعازيه لمقتل جندي أسباني من أفراد «اليونيفيل» في قرية العباسية على الحدود مع مزارع شبعا. وحمّل ليبرمان مسؤولية مقتل الجندي الأسباني لـ»حزب الله» بصفته الجهة المسؤولة عن تنفيذ عملية أمس. وقال ليبرمان لنظيره الأسباني «إننا لن نسمح بنشوء واقع يستخدم فيه «حزب الله» الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل».
وأمر ليبرمان السفارات الإسرائيلية في العالم بالتوضيح لحكومات الدول الأجنبية مسؤولية الحكومتين السورية واللبنانية عن نشاطات «حزب الله» في أراضيهما.
وكان ليبرمان قد أعلن في لقائه في بكين مع وزير الخارجية الصيني أنه «ينبغي تغيير المقاربة التي انتهجتها إسرائيل حتى اليوم والردّ على إطلاق الصواريخ نحو أراضينا السيادية بطرق قاسية جداً وغير متناسبة، كما كانت الصين أو الولايات المتحدة ستردان في حالات مشابهة».
وحذّر المعلّق الأمني في «معاريف الأسبوع» يوسي ميلمان من أن الحرب المقبلة مع «حزب الله» لن تشبه «ما خبرناه في حرب لبنان الثانية» (تموز 2006). وقال إنه «إذا نشبت حرب شاملة في الشمال لا سمح الله وخصوصا على الحدود مع لبنان، فإن هذا سيقود إلى إطلاق مئات كثيرة، إن لم يكن أكثر من ألف صاروخ يومياً، وحينها ستنشأ الحاجة ليس فقط لإغلاق الطرق، وإنما أيضا لإخلاء مستوطنات. فالحرب المقبلة مع «حزب الله» ستختلف عن كل ما خبرناه في حرب لبنان الثانية أو في الجولات الثلاث منذ 2009 مع حماس في غزة».
واعتبر محرر الشؤون العربية في موقع «والا» الإخباري، آفي يسسخاروف أن العنوان الأساس لما يجري هو «التصعيد» ولكن معنى العملية هو أنها «تجسّد أن حزب الله يسعى لإيصال رسالة الى إسرائيل مفادها أنه لا يخشى من مواجهة شاملة. وربما أنه بدرجة معينة يرغب حتى في رؤية إسرائيل تنجرّ إلى خطوة بريّة في هضبة الجولان السورية». واعتبر أن التقديرات القائلة بأن «لا مصلحة لـ «حزب الله» في الحرب ليست صحيحة».
وأشار المعلق العسكري لـ «موقع يديعوت» إلى أن عملية «حزب الله» تضع إسرائيل أمام معضلة «وتشكل تصعيداً واضحاً. وهي تستدعي دراسة وقراراً هل تدخل إسرائيل في مواجهة واسعة مع «حزب الله» أم أن عليها ترك الأمر يمر وتسمح بإغلاق الحساب من جانب حزب الله».
(السفير)