جاء رد المقاومة… فصرخت «إسرائيل» ألماً وصمتت العميد د. أمين محمد حطيط
تميزت المقاومة الإسلامية خلال تاريخها الحافل بالإنجازات، تميزت بحرفيتها وارتقائها التصاعدي في مسار اكتساب الخبرات وتراكمها، وامتلاك القدرات وتطويرها، الأمر الذي مكنها من تحقيق إنجاز التحرير في عام 2000، ومنع عدوان «إسرائيل» في عام 2006 من تحقيق أهدافه، لكن على رغم كل ما قامت به وكتبته من صفحات ناصعة في سفر الكرامة والقوة، فإن عمليتها في مزارع شبعا بتاريخ الأمس 28 1 2015 جاءت في طبيعة وأسلوب وظروف تختلف عن كل ما سبق، وأحدثت أو فرضت من النتائج والتداعيات ما سيرخي بأثره على مجمل المشهد في المنطقة.
فمن حيث التوصيف، نفذت العملية على أرض لبنانية محتلة، هي مزارع شبعا ونقول لبنانية محتلة خلافاً لما يحاول البعض إثارته من شكوك حول هذا الأمر ويصفها بأنها متنازع عليها، وهي لم تكن يوماً محل نزاع مع أحد فلا «إسرائيل» ذاتها ادعت أنها أرض فلسطينية، ولا سورية قالت يوماً إلا بلبنانيتهاـ وبطبيعة الحال فإن لبنان في عام 2006 أثبت ذلك وبتأييد ودعم كاملين من الحكومة السورية، وهو دعم لم يتغير يوماً.
عملية تمت ضد هدف عسكري «إسرائيلي» يمارس العدوان في مزارع شبعا عبر تكريس الاحتلال، وبالتالي تكون العملية ممارسة لحق مشروع من قبل المقاومة الإسلامية التي ينظمها حزب الله وهو حق المقاومة من أجل التحرير.
أما من حيث الطبيعة فالعملية تعتبر عملاً عسكرياً نوعياً معقداً عالي المستوى، نفذ في ظل استنفار «إسرائيلي» شامل وتأهب وحشد للقوى وتهيئتها للدخول في حرب على كامل الجبهة الشمالية للعدو، ومع ربط العمل بجريمة «إسرائيل» في القنيطرة التي ارتفع فيها شهداء سبعة للمقاومة فيكون من المذهل في الأمر قصر المدة التي استغرقها التحضير والتنفيذ، إذ في أسبوع واحد تم كل شيء شاملاً أعمال الاستعلام والجهد الاستخباري ثم عمليات الاستطلاع وما يعقبها من جزئيات التنفيذ والانتقال ثم الانقضاض والتفجير، كل هذه الأمور نفذت في منطقة ذات جغرافية غير عادية لا بل تعتبر صعبة في ذاتها منطقة جبلية تكسوها الثلوج يركز العدو جهده الاستخباري المتعدد الجوانب عليها بحيث أنه كان يفاخر بأنه يحصي الأنفاس لكل من يتحرك فيها… وعلى رغم كل ذلك نجح المقاومون في تنفيذ العملية وفي هذه المدة القصيرة ولم يستطع العدو اكتشافها حتى اندلعت النيران بقافلته.
وعلى صعيد التصنيف العام فإن العملية جمعت في ذاتها بين أمرين، العمل المقاوم والعمل الانتقامي الردعي، في الصفة الأولى أكدت المقاومة حقيقة حاول البعض غرس عكسها في الأذهان حقيقة بأنها لن تنسى أرضاً لبنانية محتلة، وأن ظن البعض وقولهم أن المقاومة تخلت عن وظيفتها في العمل المقاوم عندما انصرفت للدفاع عن محور المقاومة في سورية، أن هذا الظن هراء وادعاء أو تلفيق لا صلة له بالحقيقة والواقع، أما بالنسبة للثاني فقد أكدت المقاومة أن دماء شهدائها لا يمكن أن تذهب هدراً وأن الجريمة «الإسرائيلية» في القنيطرة لن تمر من غير عقاب، والعقاب يكون من نوع الجريمة مع ضوابط أخلاقية وقانونية وشرعية يتقيد بها حزب الله خلافاً لما تقوم به «إسرائيل» من انتهاك لقواعد الأخلاق والقانون. وفي هذا الأمر تكون المقاومة قد ثبتت معادلة توازن الردع التي أرادت «إسرائيل» إطاحتها في القنيطرة.
ويجب التوقف عند الحرب النفسية التي شكلت علامة فارقة في سلوك المقاومة بعد جريمة القنيطرة، حيث نسجل أن حزب الله التزم الصمت المطبق حتى أنه تنصل من أي قول أو تصريح نسب لمصدر وصف أو ادعى أنه من مصادره، ثم كانت العبارات الملفتة التي جاءت على لسان المسؤولين الذين يلون السيد حسن نصرالله في التراتبية التنظيمية، حيث قالوا إننا «اتفقنا بأن يعلن السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب موقف الحزب يوم الجمعة» وهو ما أوحى للعدو بأن الرد لن يكون قبل يوم الجمعة، ثم جاء التنفيذ قبل يومين من التاريخ المحدد للخطاب فشكل صاعقة مفاجئة للعدو، وأخيراً ذاك الذكاء في اعتبار البيان الذي أصدره الحزب عن العملية تحت الرقم واحد ما شكل للعدو رسالة تذكره بما كان السيد حسن نصرالله قاله في عام 2006 «إذا أردتموها حرباً مفتوحة فلتكن حرباً مفتوحة» ولأن الترقيم يعني جاهزية المقاومة لكل طارئ بما في ذلك الحرب وهذا بحد ذاته عامل رادع لـ«إسرائيل» عن الانزلاق إلى أي حماقة.
ويبقى أن نسجل ما تم تأكيده في العملية لجهة وحدة الجبهة بين الجنوب والجولان وحدة باتت أمراً واقعاً لا رجعة عنه، فعمل «إسرائيل» في الجولان ضد المقاومة ترد عليه المقاومة في لبنان وفي أرض محتلة، تأكيداً لوحدة الجبهة. وعلى مقلب آخر تؤكد العملية سقوط الظنون بأن المقاومة تراجعت في قدراتها بسبب انشغالها في سورية وأثبتت العملية عكس ذلك، مؤكدة بأنها ارتقت في القدرات والخبرات ومن لديه شك عليه أن يقرأ جيداً ما حصل في مزارع شبعا وكيفية التنفيذ. فالمقاومة لن تتخلى عن أي أرض لبنانية محتلة، وأنها لن تفوت فرصة مهما كانت من أجل التأكيد على قرارها بالتحرير.
أما عن رد الفعل «الإسرائيلي» وما يخشاه البعض من تداعيات على لبنان، هنا نؤكد بأن العملية جمعت في ذاتها بين عناصر ثلاثة: الرد الموجع، ومنع تشكيل الذريعة للاعتداء على لبنان، وعدم منح نتنياهو فرصة الاستفادة من عدوان القنيطرة. لا بل أن الحصيلة النهائية سترتد عليه سلباً في صندوق الاقتراع ما قد يذكر بما حل بسلفيه بيريس وأولمرت بعد حربي 1996 و2006، وبهذا وضع نتنياهو بين خيارين خيار التصعيد والذهاب إلى الحرب أو خيار الانحناء والقبول بمنطق ضربة بضربة.
وبالنسبة للحرب فأننا نستبعد إقدام «إسرائيل» على هذا الخيار لأن الحرب بذاتها لا يمكن أن تكون قراراً «إسرائيلياً» منفرداً بل هو قرار أميركي قبل كل شيء ولا يمكن «إسرائيل» أن تذهب إلى الحرب من غير قرار أميركي، وأميركا اليوم ليست أميركا 2006، فهي في حالة انحسار عن المنطقة خلافاً لما كانت عليه يومذاك، وهي لا تحتمل حرباً في منطقة باتت فيها الشعوب مسلحة إلى جانب الجيوش التقليدية حيث ترسخت ثنائية القوى المدافعة عن الأوطان ثنائية بين الجيش والشعب بمقاومته أو دفاعه الوطني أو الحشد الشعبي أو التعبئة الشعبية. فالحرب إن وقعت في ظل هذا الواقع ستطيح بالمصالح الغربية ولن تستفيد منها «إسرائيل» لذلك نستبعدها. أما الخيار المتبقي أمام نتنياهو فهو الرد الموضعي المصحوب باستعراضات تهويلية تنفيسية مع تهديد بأمور يعلم نفسه أنها غير قابلة للتنفيذ وغير قادر على احتمال رد الفعل عليها. نقول ذلك من دون أن نتأثر بما صدر عن أميركا عن أن العملية لا تستوجب حرباً أو ما صدر عن «إسرائيل» من تصريح بأن الرد على العملية انتهى واقتصر على ما أطلقته من قذائف لأن هذه المواقف قد تكون ضرباً من الخداع بذاتها لكننا موضوعياً نعتقد بما ذكرنا.
لقد صمتت المقاومة عندما ارتكبت «إسرائيل» جريمتها ولم تئن، ثم فعلت المقاومة في المكان الصحيح وفي الوقت المناسب وضد الهدف المناسب فصرخ العدو واختل توازنه، وكان فعلها موجعاً مثبتاً لحقها في المقاومة، ومثبتاً لمعادلة أراد العدو إجهاضها هي معادلة توازن الردع، ومطيحاً بأهداف كان العدو يبتغي تحقيقها بجريمته فجاء الرد بليغاً زاجراً رادعاً مؤلماً أفهم «إسرائيل» أن المقاومة هي التي لا تقهر.
(البناء)