هل استخدم حزب الله منظومته الصاروخيّة الجديدة؟ وكيف ضلّل الإسرائيليين أمنيّاً؟ ابراهيم ناصرالدين
اولى نتائج عملية شهداء القنيطرة في مزارع شبعا المحتلة، كانت «فك» احد «الغاز» التاخير المتعمد لموقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فما تخوفت منه البعثات الديبلوماسية في بيروت، وقع، والسيناريو الاسوأ بالنسبة اليها حصل، عملية «نظيفة» بكل المعايير، رد موجع على قافلة عسكرية، في اراض لبنانية محتلة، والنتيجة ان المقاومة لم تعد «الكرة» فقط الى «الملعب» الاسرائيلي، وانما سجلت هدفا في «مرماه»، فاما يقبل بالعودة الى «قواعد الاشتباك» السابقة ما قبل جريمة «القنيطرة» او يتحمل مسؤولية اي تدهور دراماتيكي ليس على مستوى لبنان وانما على مستوى المنطقة.
هذه الخلاصات، بحسب اوساط دبلوماسية في بيروت يفترض ان تكون قد تبلورت خلال الساعات الماضية، او ستتبلور في الساعات المقبلة، مع تسارع الاتصالات الديبلوماسية العالية المستوى بين موسكو وواشنطن لاحتواء الموقف، واقناع رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو «بهضم» «الصفعة» المدوية باعتبارها رد «طبيعي» ومنتظر على حماقته في القنيطرة، مع وجود موقف ايراني حازم تم ابلاغه بطريقة غير مباشرة الى الادارة الاميركية بان طهران ستكون معنية هذه المرة بالرد على اي حرب قد تقوم بها اسرائيل في المنطقة.
وفي انتظار التداعيات، فان التحليل العسكري والامني لهذه العملية يتقدم على ما عداه، ووفقا لاوساط خبيرة في الشؤون العسكرية، اظهر حزب الله مرة جديدة قدرة هائلة في التحكم بالواقع الميداني، كاشفا مرة جديدة هشاشة ردع الجيش الاسرائيلي، فتوقيت العملية جاء في ذروة الاستنفار الامني لمختلف الاجهزة الامنية والعسكرية في اسرائيل، وكل مجهود هؤلاء كان منصبا على معرفة اين ؟ ومتى؟ وكيف؟ سيرد حزب الله، وكل هذه الاجراءات والتوقع المسبق للاحداث لم يغييرا من واقع الامور، اختارت المقاومة الموقع، والتوقيت، والهدف، في تفوق استخباراتي وعسكري واضح سيشكل فضيحة مدوية في اسرائيل لرئيس الحكومة وكامل المنظومة الامنية والعسكرية، وستبدا الاسئلة الصعبة حول النجاح الاستخباراتي لحزب الله؟ وستكثر ايضا اسئلة المستوطنين «المشروعة»، والتي يمكن اختصارها بسؤال، «اذا كان الجنود غير قادرين على حماية انفسهم، فكيف سيتمكنون من حمايتنا اذا ما قرر السيد نصرالله ارسال جنوده الى الجليل»؟
وبحسب تلك الاوساط، فان ما ستكشفه الايام المقبلة يرتبط «بالحنكة» الامنية لحزب الله الذي عمد الى اشغال الاسرائيليين بانذارات كاذبة على مدة الايام القليلة الماضية على طول الحدود، فقد نجح مقاتلوه مرات عدة في التلاعب بالمنظومة الالكترونية الاسرائيلية واشغال المواقع والدوريات الاسرائيلية بالبحث عن متسللين «وهميين» في مناطق محددة من المستوطنات، وفيما التحضيرات العملانية كانت على «قدم وساق» لتنفيذ الضربة في مكانها المحدد، كانت بعض المناورات الامنية الوهمية تجري في اكثر من نقطة استراتيجية في الجولان، اضافة الى بث معلومات مضللة للاسرائيليين عبر أجهزة الاتصال، ادت الى تجمع هذا «الصيد» الثمين في المكان المستهدف. واذا كان من خلاصة واضحة في هذا السياق، فهي ان المقاومة اثبتت بالوقائع ان «جسمها» الامني والعسكري بات نظيفا من «سموم» الاختراقات الاسرائيلية المحدودة، والاجهزة الامنية الاسرائيلية عادت الى «عماها» السابق.
هذه المعطيات الاساسية المرتبطة بالعملية تبقى ناقصة في ظل الانشغال الاسرائيلي بتفحص نوعية الصواريخ الموجهة التي استخدمها حزب الله في تدمير الموكب الاسرائيلي، فحجم الدمار الهائل الذي تعرضت له الدورية الاسرائيلية يعزز مخاوف اسرائيل ويؤكد شكوكها حول امتلاك المقاومة لمنظومة صواريخ كورنيت «اي ام» الروسية المتطورة، وهذا يعني انقلابا هائلا في موازين القوى البرية في اي مواجهة محتملة. ولكن هل «الهلع» الاسرائيلي في مكانه؟
بالطبع هو مبرر ولا مجال هنا للمبالغة، تقول تلك الاوساط، فاسرائيل تدرك جيدا عما ستواجهه اذا ما ثبت لديها خلال الساعات المقبلة ان هذا النموذج قد تم استخدامه في العملية، عندها ستفهم ان حزب الله اراد بعث رسالة مزدوجة، الاولى ان المقاومة لن تسمح باي تعديل في «قواعد اللعبة»، والثانية ان ما حصل هو اول اختبار عملي لكلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي سمح لمقاتليه بابراز اول عينة من الاسلحة النوعية التي يمتلكها الحزب. اما لماذا يعتبر هذا السلاح نوعيا؟
الامر بسيط للغاية، هذه المنظومة من الصواريخ حلت المشكلة الخطيرة التي كانت تعيب الصواريخ الروسية، فالطراز القديم يحتاج الى بقاء الرامي في مكانه لتصويب جاهز التعيين الليزري على الهدف حتى لحظة اصطدام الصاروخ بالهدف, أي بمعنى أخر تقييد حرية المقاوم حتى لحظة الاصطدام مما يعرضه لخطر الانكشاف، اما مع المنظومة الجديدة فيجري تحديد الهدف اوليا دون الحاجة الى الانتظار، اي بمعنى آخر «أضرب واهرب».
اما ما يمنح هذا الصاروخ ميزة عن النسخة الاولية التي استخدمها حزب الله في حرب 2006ان هذه المنظومة الجديدة تتمتع بقدرة تسمح بإطلاق صاروخين في ذات الوقت، كما ان النسخة الجديدة اكثر دقة وابعد مدى واسلوب تشغيلها اكثر بساطة. ويمكن اطلاق الصاروخ بفعالية متناهية من نحو 150 مترا الى حدود عشرة كيلومترات، وهذا ما يمكن ان يقدم اجابة وافية عن كيفية تمكن مجموعات المقاومة من اطلاق الصواريخ ومغادرة المنطقة، فمع امتلاك هذا النوع الجديد من السلاح لا داعي ابدا للمخاطرة والاقتراب من موقع التنفيذ، فهامش الدقة المتاح على مدى 10 كيلومترات سمح لرجال المقاومة بالمناورة والاستفادة جيدا من هذا العامل. اما نظام الاطلاق والتوجيه فهو أوتوماتيكي، ويتم توجيهه عبر «شعاع ليزر» من الجيل الثالث، وهذا معروف على مستوى العلوم العسكرية بانه نظام اوتوماتيكي يسمح بتعقب الهدف وضربه قبل ان يتمكن من التنبه الى تعرضه لهذا الشعاع حتى لوكان مجهزا بمنظومات تحذير «ليزيرية». وهذا ما يرفع من القدرة على تحقيق اصابات محققة، خصوصا ان لهذه المنظومة ميزة اضافية تسمح باصابة هدفين في الوقت نفسه وهي قادرة على اختراق دروع تصل سماكتها الى حدود 1300ملم، وتحمل 7كيلوغرامات من المواد الشديدة الانفجار، وثمة نوعيين من هذه المنصات واحدة من 8 صواريخ واخرى من 16 صاروخاً، والاهم من كل ما سبق ان هذه المنظومة لديها قدرة عالية جدا لمقاومة التشويش المضاد ولا تتاثر باي محاولة لتضليل الصواريخ او تعطيلها الكترونيا، او «دخانيا»وهذا ما يفسر نجاح المقاومة في خرق كل الاجراءات الامنية المتخذة على الجانب الاخر من الحدود.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان سرعة الصاروخ تتجاوز سرعة الصوت، ولها فائدتين، المساعدة في تقليل الوقت المستغرق من لحظة الاطلاق الى لحظة الاصطدام مما يعني وقت اقصر لبقاء الرامي في مكان الاطلاق وبالتالي زيادة عنصر الامان له، الميزة الاخرى لهذه الخاصية ان السرعة العالية تساعد على زيادة نسبة اختراق الصاروخ للهدف وخصوصا المدرع وكذلك التحصينات، اما اكثر ما تخشاه اسرائيل فهو ان مدى النظام الطويل نسبياً، يعني ان الصاروخ قادر على الاشتباك ومهاجمة الطائرات من دون طيار والمروحيات من مسافة آمنة.
فهل ما استخدمه حزب الله بالامس كورنيت «اي أم»؟ ام ثمة نوع آخر من الصواريخ؟ سؤال لن تتبرع المقاومة بالاجابة عنه مجانا، فهذه مشكلة اسرائيل التي وصلتها «الرسالة» الميدانية القاسية، المهم ان هذا السلاح اثبت فعاليته، والاهم ان نتانياهو قد سقط مجددا في اختبار القوة مع السيد نصرالله، فقيادته العسكرية والامنية لم تستطع «حماية» ما ظن انه انجاز «تكتيكي» في القنيطرة بضعة ايام، اما قائد المقاومة فنجح رجاله في صنع انجاز استراتيجي في ايام معدودة، بعد ان جمعهم وحدد لهم السقف الزمني المطلوب، والمواصفات العالية الجودة التي ستسمح له بفرض قواعد «الاشتباك» في اطار «معادلة» «هل رأيتموها تحترق»؟
(الديار)