ولادة المقاومة الجولانية الياس فرحات
رغم الخوف من العامل الديموغرافي في الضفة الغربية وغزة والقدس، والفشل المتكرر في لبنان وغزة، والردع النسبي الذي فرضه “حزب الله” على الجبهة اللبنانية، تشعر اسرائيل براحة بالغة وزهو شديد .
الجيش العراقي انتهى تماما والجيش السوري مستنزف ومرهق والجيش المصري مستهدف ولم يبقَ من تحديات كيانية امام اسرائيل سوى المقاومة. جاء الرئيس اوباما الى السعودية للتعزية ولبحث الاوضاع مع الادارة السعودية الجديدة. تناول البحث النفط وايران والعراق وسوريا واليمن. غابت فلسطين والمقدسات عن المحادثات وغابت مبادرة السلام العربية التي اطلقها الملك الراحل والذي جاء اوباما للتعزية بوفاته.
يزور نتنياهو جرحى تنظيم “القاعدة” – “جبهة النصرة” في مستشفيات اسرائيلية ميدانية اقامتها اسرائيل في الجولان المحتل، من دون حرج من المجتمع الدولي الذي يعتبر هؤلاء الجرحى ارهابيين ومن دون حرج من القوى التي تتعاطف معهم لجهة تعاملهم مع عدو.
كيف السبيل الى كسر هذه الحالة وارغام اسرائيل على المعاناة من اجل الاذعان لمطالب السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ لم تفلح المفاوضات والمهل الاميركية في لجم الاستيطان وتهويد القدس فما بالك بالتوصل الى تسوية سلمية؟ انه امر بعيد جدا في الظروف الحالية.
منذ شهر كتب عاموس هرئيل مقالا في “هآرتس” تحدث فيه عن جهود لانشاء جبهة مقاومة في الجولان السوري وسمى من العاملين على انشاء هذه الجبهة جهاد مغنية. اطلق القادة العسكريون والسياسيون في اسرائيل تحذيرات من قيام هذه الجبهة وشعروا بخطرها على الوضع الراهن الذي تنعم فيه اسرائيل بثقة تامة وتنصرف الى توثيق علاقاتها الدولية والتوسع بمشاريع النفط والغاز في الساحل.
وجهت اسرائيل ضربة القنيطرة والتي اصابت، على حد التصريح الوحيد لوزير الامن موشي يعالون، مجموعة كانت تحاول القيام بعمليات في الجولان. رمت اسرائيل الى اجهاض ولادة هذه الجبهة.
ما هي هذه الجبهة وهل لها حظ ولادة وحياة؟
ينقسم الجولان السوري الى قسم يقع تحت سيطرة الحكومة السورية وقسم آخر يقع تحت سيطرة تنظيم “القاعدة” – “جبهة النصرة” يتصل بدرعا وله عمق استراتيجي عملاني في الاردن ولوجستي وربما استخباري في اسرائيل. في القسم المحرر من الجولان والحر من “القاعدة” انشأ السوريون قوات الدفاع الوطني اسوة بباقي المنطق السورية لتكون قوة اهلية شعبية للدفاع عن القرى والتصدي لهجمات “القاعدة” التي تكررت في المنطقة ومنع توسعها غربا نحو جبل الشيخ اللبناني اوشمالا نحو الغوطة ودمشق.
اذا توافرت الارادة السورية، وهي تبدو متوافرة، لأن السوري الغريق في مواجهة “داعش” و”القاعدة – النصرة” لن يخشى البلل الاسرائيلي رغم شدته وعنفه. يمكن انشاء تجميعات مقاتلة من اجل مهاجمة قوات الاحتلال الاسرائيلي في الجولان والتسلل الى المناطق المحتلة والقيام بعمليات مقاومة ضد الاحتلال. وهو الأمر الذي كان بعض العرب يعيبون سوريا لعدم القيام به. القوات الدولية المكلفة بتنفيذ اتفاقية فصل القوات اصيبت بالشلل جراء هجمات تنظيم القاعدة عليها واختطاف عدد من افرادها واطلاقهم لاحقا. تنظيم “القاعدة” – “جبهة النصرة” يلعب دور اكياس الرمل في جباتا الخشب وبيت جن وبعض القرى لكنه لا يقفل الجبهة تماما في وجه المقاومين. هذه الجبهة في حال انطلاقها تورط اسرائيل في حرب استنزاف متقطعة على جبهة الجولان تتوسع شمالا في اتجاه دمشق مقابل التوسع جنوبا في اتجاه العمق الاسرائيلي.
يمكن هذه الجبهة ان تستنسخ مقاومة 1990 – 2000 في الجنوب اللبناني. هناك اوجه شبه عديدة بين الجبهة الناجحة في لبنان والجبهة الواعدة في سوريا. قوات “اليونيفيل” في لبنان مقابل قوات “الاندوف” في سوريا. ميليشيا لحد في لبنان مقابل تنظيم “القاعدة” – “النصرة” في سوريا. المقاومة في لبنان مقابل المقاومة في سوريا الجيش اللبناني في لبنان مقابل الجيش السوري في سوريا، وحدها اسرائيل كانت في جنوب لبنان وهي نفسها في الجولان المحتل.
تطورت أساليب الحرب منذ عام 2000، واهم التطورات السلاح الصاروخي المتاح للمقاومة والقادر على الوصول الى العمق الاسرائيلي وسلاح الانفاق الذي كان مفاجأة حرب غزة 2014 وهما مرشحان ليكونا ميزة المقاومة الجولانية بالاضافة الى العمليات التقليدية: تسلل تفجير قصف مراكز.
قد نعتبر ان اسرائيل تريد توسيع رقعة الحرب لتشمل الجولان ولبنان ايضا لكن الاجواء والتوازنات في اسرائيل تشير الى انها ما زالت غير قادرة على خوض حرب على جبهات عدة بما فيها الجبهة الداخلية. كما انها غير قادرة على خوض حرب طويلة تتعدى الشهرين. لذلك لن تتورط اسرائيل بتوسيع رقعة النزاع ويبدو انه في حال انطلاق الجبهة سوف تضطر مرغمة الى الدخول في الاستنزاف.
انطلاق المقاومة الجولانية هو المشروع القائم حاليا والتصدي للمقاومة الجولانية هو المشروع المضاد والوقت اصبح ضيقا والمخاض يتسارع والولادة تبدو قريبة.
هل نشهد قريبا ولادة المقاومة الجولانية؟