الصحف الغربية: من الشيطنة إلى تكريس ضرورة الحوار مع الأسد عامر نعيم الياس
هل كان الخطاب الغربي يوماً ما إزاء سورية كما كان إزاء مصر أو السعودية؟ هل من الممكن أن نتخيّل يوماً أن تشطب سورية من اللائحة السوداء الخاصة بالدول الداعمة «للإرهاب» التي تصدرها الخارجية الأميركية؟ هل من الممكن أن تتخلّى واشنطن وعواصم الأطلسي عن حلم إسقاط الدولة الوطنية في سورية وخياراتها القومية ممثلةً بالنظام الحاكم للبلاد منذ عام 1970؟
الجواب الحتميّ على ذلك هو: لا. من غير الممكن لعواصم الأطلسي التخلي عن حلم تدمير سورية القطر وسورية الطبيعية. فترك هذا الكيان خطر لا يوازيه سوى اندلاع حرب نووية بين القوى الكبرى. فسورية كانت وستبقى حجر الأساس في ترتيب شكل العلاقات الدولية وصوغها. هنا سورية تتعدّى حدود القطر إلى الدور الذي تمثله وإلى الجغرافيا السورية. لكن على رغم ما سبق، مرّت العلاقة بين واشنطن والغرب من جهة، والدولة السورية أو بالتحديد «جمهورية حافظ الأسد» بعدد من مراحل المدّ والجزر، ميّزت من خلال الانتقال من مرحلة رفض التعامل مع النظام السوري ونبذه وعزله، إلى مرحلة التعامل معه على قاعدة تقاطع المصالح والأمر الواقع الذي فرضته حنكة الرئيس الراحل حافظ الأسد. فهل من متغيّر اليوم؟
لم يتغيّر شيء مع الرئيس بشار الأسد الذي أبدى صلابةً منقطعة النظير في مواجهة حرب مدمرة استهدفت تدمير سورية بالدرجة الأولى، والانتقام الشخصي الثأري من الدولة السورية ومواقفها على امتداد عقود خمسة خلت. فالإدارة الأميركية وحلفاؤها ووسائل الإعلام المرتبطة بهم عملوا خلال السنوات الأربع الماضية، وباستخدام كافة أساليب الفبركة والتضليل، على شيطنة الدولة السورية. وخرج الرئيس الأميركي باراك أوباما ليطالب الرئيس السوري بالتنحّي، في موقف اعتبر حينذاك نقطة تحوّل في التعاطي الأميركي مع سورية ودولتها. كما اعتبر خطّاً أحمر ألزم الرئيس الأميركي نفسه به في إدارة الملف االسوري. لكن الصمود الأسطوري لسورية وقائدها الشاب، وانفلاش الإرهاب في المنطقة، وتغيّر صيغة العمل الناظمة لعمل تحالف المقاومة في المنطقة، فضلاً عن إخفاق تقدير الموقف الغربي في سورية، عوامل أدّت إلى فرض التحوّل في طريقة التعاطي مع الدولة السورية، والتي تبدأ كما جرت العادة بخطوة سياسية ضمنية يستتبعها حملة إعلامية تعيد طرح التغيير كونه ممراً إلزامياً للحل في ظل وجود أولوية أخرى على الغرب معالجتها هذا من جهة. ومن جهة أخرى إعادة تعويم الطرف المقصود التعاون معه عبر طرح وجهة نظره وتقديمه للنخب الغربية. أمران يبدو أنهما صارا يشكلان واقعاً ملموساً في التعاطي الغربي الحالي مع سورية. فبالنسبة إلى الحملة الإعلامية لوحظ بين تاريخ 25 و26 من الجاري، نشرت «نيويورك تايمز» الأميركية و«غارديان» البريطانية و«لوموند» و«لوفيغارو» الفرنسيتان سلسلة تقارير تتحدث عن «تحوّل» في التعاطي الرسمي الغربي مع الدولة السورية على قاعدة «الطرف الذي لا غنى عنه» في الحل في سورية. ذلك الحل الذي يأتي بعد «فشل الجميع» بحسب ما نقلت «لوموند» عن دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، وهو ما استوجب «انعطافة ملموسة في الخطاب الموجّه لنظام الأسد على ضفتي الأطلسي»، بحسب الصحيفة الفرنسية التي تشكل رأس الحربة الإعلامية الغربية في شيطنة الدولة السورية والفبركات التي تتصل بهذا الملف، والتي كان أبرزها ملف الكيماوي السوري والهجوم على الغوطة في آب من عام 2013.
الأمر لا يقف عند هذا الحد، فـ«نيويورك تايمز» رأت أن الأسد لا يزال يمسك بالسلطة وعلى «الولايات المتحدة وحلفائها التعايش مع ذلك. واعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري ضمنياً بذلك وابتعد عن دعوة الأسد إلى التنحي حاثاً إياه على تغيير سياساته»، فالغرب قد «يضطر في مرحلة ما للتعامل مع الأسد».
«غارديان» البريطانية كانت أكثر مباشرة حين اعترفت أن الدعم الأميركي محادثات موسكو يعني أن «إدارة الرئيس أوباما تنازلت عن مطلبها الدائم المتمثل في تنحي الرئيس السوري كجزء من التسوية في البلاد». استنتاج لاقته «لوفيغارو» التي رأت أن الأسد وبعد ما يقارب أربع سنوات على الحرب في سورية، «يبدو أكثر من أي وقتٍ مضى لا غنى عنه في محاولات حلّ النزاع. فالمعركة ضدّ داعش وضعت شرط الرحيل الذي تؤيده الدول الغربية قبل البدء في أي عملية تفاوضية في المركز الثاني».
أما بالنسبة إلى الحوار الذي أجراه الرئيس الأسد مع مجلة «فورين آفيرز» الأميركية التي تعدّ الأهم من بين الفصليات السياسية والفكرية في الولايات المتحدة والتي تستقطب صنّاع السياسات الأميركية من كافة الأطراف والتيارات، ومن دون الخوض في القدرة التي أبداها الرئيس الأسد على مخاطبة الغرب، فإن جملة أسئلة تطرح حول توقيت المقابلة والهدف من طرح وجهة نظر «الرئيس السوري» أو «أسد سورية»، وفقاً للمصطلحات التي استخدمتها المجلة الأميركية، أمام النخب الأميركية والرأي العام، هل هذا أمر اعتباطي؟
التمهيد للتغيير، وتعويم مبدأ قبول الحوار مع الدولة السورية على قاعدة الأمر الواقع وأولوية محاربة «داعش» في المنطقة، محدّدات تؤطر الموقف الأطلسي الجديد في إدارة الملف السوري في المدى المنظور.
(البناء)