عشية خطاب نصر الله
ناصر قنديل
– أقلّ من اثنتين وسبعين ساعة تفصلنا عن خطاب الأمين العام لحزب الله في ذكرى شهداء عملية القنيطرة، والعدّ التنازلي وفقاً لآليات عمل جيش الاحتلال يبدأ مع دخول الساعة الثانية والسبعين حيّز التحقق، ومنذ الثانية بعد ظهر أمس، أعلن الاستنفار التامّ في كلّ وحدات الجيش واستنفرت القبة الحديدية لصواريخ الباتريوت شمالاً وشرقاً وجنوباً، وأسلحة الدفاع والهجوم على أهبة الاستعداد لقرار حرب، براً وبحراً وجواً. ويقول أحد ضباط العمليات لموقع صحيفة «هآرتز» إن مثل هذا الاستنفار قبل وقوع حالة حرب لم يعرفه كيان الاحتلال، حتى عشية الدخول في حرب تموز عام 2006 بعد أسر الجنديين «الإسرائيليين».
– تسقط بضعة صواريخ من العيار الخفيف المتوافر بين أيدي كلّ المنظمات اللبنانية والفلسطينية على مرتفعات الجولان المحتلّ، من سفوح جبل الشيخ وفقاً لراديو جيش الاحتلال، فينقسم المحللون «الإسرائيليون» إلى ثلاثة أقسام، من يراها بداية ردّ من حزب الله لدخول مناوشة تتصاعد لتظهير قدرته الرادعة وتقديم وجبة ساخنة من العيار الثقيل، ويدعو للتجاهل لعدم منح حزب الله فرصة تنفيذ خطته، ومن يرى أنّ حزب الله لا يشتغل بهذه الطريقة فإما أن يكون ردّه صارخاً وعلنياً ووازناً أو لا يكون، ولذلك فهو يقترح التعامل معها موضعياً ونفي أيّ شك بأنّ حزب الله وراءها، وثالث يقول إن حزب الله وراء الصواريخ لكن ضمن حرب نفسية وليس ضمن سيناريو الردّ، والهدف استنزاف أعصاب قادة الكيان السياسيّين والعسكريّين والأمنيّين بمجموعة من الأحداث والاستهدافات الصغيرة والمتفرّقة، لتشويش الذهن وتشتيت الانتباه، وإدخال قدراته المرصودة للردّ على الردّ في حرب استنزاف حتى يأتي الردّ المقرّر، في لحظة نعاس وتعب وعدم انتباه وغياب التوقّع فيحقق أهدافه، ولذلك يدعو إلى طول النفس والصبر والاستعداد لهذا النوع من المواجهات الصغيرة بمواقعها، وعدم الوقوع في فخ تصنيفها بداية للردّ الذي قد يتأخر شهوراً.
– على ضفة مقابلة تشهد مواقع جبهة «النصرة» و«داعش» حالة من الاستنفار التي لا تتصل بأحداث محلية في محيط تواجدها، بقدر اتصالها بقرار مركزي لقيادتها بالتصعيد، ويبدو هذا التصعيد محصوراً بالحدود اللبنانية السورية والحدود السورية مع الجولان المحتلّ والمثلث اللبناني السوري الفلسطيني، فنشهد تصعيداً يمتدّ من جرود عرسال إلى القلمون، إلى سفوح جبل الشيخ من الجهتين اللبنانية والسورية، ولذلك لا يمكن الفصل بين هذا التصعيد وبين تسخين تحتاجه «إسرائيل»، لاستنزاف وحدات لحزب الله ولانتباهه واهتماماته، لصرف جزء من قدراته عن المشاركة والاهتمام بالردّ الموعود، علماً أنّ «إسرائيل» تعرف أنّ ذروة الحرب في سورية لم تمنع عملية اللبونة، ولا عملية مزارع شبعا وما فيهما من الإتقان والقدرات، كما تعرف أنّ بنية وهيكلية الحزب المرصودة للمواجهة مع الإرهاب وتلك المرصودة للمواجهة مع «إسرائيل» منفصلتان كلياً، على مستوى القدرة والعتاد والبشر والقادة، وربما لا يشترك في البنيتين والهيكليتين إلا قائد المقاومة كمشرف عام على عملهما.
– النتيجة التي تكشفها الحالة المعنوية للاحتلال عبر التحليلات المنشورة عن الصلة بين الخطاب المنتظر للسيد نصرالله والردّ المتوقع تقول إنّ ميزان الردع لا يحتاج الردّ لإثباته، كما تدلّ حال الهلع والذعر التي يعيشها كيان الاحتلال على كلّ مستوى، وتثبت صحة الوصف الذي أعطاه السيد نصرالله للكيان وأزعج موشي يعالون معتبراً أنّ زمان بنت جبيل وشعار «أوهن من بيت العنكبوت» قد ولى، وها هم المحللون بين من يقول إنّ الردّ لن يكون إلا بعد الخطاب، لوضع ورسم الأهداف وتحديد السقف السياسي وتعبئة الشارعين اللبناني والعربي لتلقي النتائج المتوقعة، ومن يردّ عليه بالقول إنّ هذا الكلام يعبّر عن عدم فهم للواقع ومكمن خطورته أنه يدعو إلى الاسترخاء قبل الخطاب، بينما قد يقع الردّ ويأتي الخطاب لشرحه، ووضع سقف للردّ على الردّ المتوقع، مضيفاً أن لا حاجة لدى السيد نصرالله لتعبئة، ولا لتمهيد، وثالث يقول إنّ أصعب اللحظات على «إسرائيل» ستكون لحظات الخطاب منذ بدايته حتى نهاية آخر ثانية فيه مع توقع سماع السيد نصرالله ينطق تلك الجملة السحرية، في لحظة اندلاع النيران في مكان ما، وهو يقول «انظروا إليها إنها تحترق»، والتذكير هنا باستهداف البارجة «الإسرائيلية» ساعر في عرض البحر بالتزامن مع خطاب للسيد نصرالله في بداية حرب تموز 2006.
– أحد المعلقين «الإسرائيليين» يقول إنّ بمستطاع السيد نصرالله أن يواصل إنهاك واستنزاف القدرات النفسية والعصبية «الإسرائيلية»، ويدخل اقتصاد «الإسرائيليين» في الشلل، وكثيراً من قادتهم ومستوطنيهم إلى مستشفيات الأمراض العقلية، وأن يكبّدهم أكلافاً باهظة من تبعات الاستنفار، بمجرّد البقاء على هذه الحال أشهراً، وسيكون كافياً أن يقول على سبيل المثال سنعفو عن المنشآت السكنية التي لا ينتخب سكانها نتنياهو وفريقه، ونستثنيها من بنك أهدافنا حتى يسقط نتنياهو ومن معه في الانتخابات التي أراد عملية القنيطرة جواز مرور لها.
(البناء)