جنوب سورية على نار حامية عامر نعيم الياس
أعلنت «جبهة النصرة» الذراع الرسمية لتنظيم «القاعدة» في سورية، و«الجبهة الإسلامية» التي يقودها زهران علوش الذي قصف العاصمة دمشق قبل يومين بصواريخ الكاتيوشا والهاون في جولة هي الأعنف على العاصمة منذ سنوات، وما يسمّى «الجيش الأول»، السيطرة على مقر «اللواء 82» في مدينة الشيخ مسكين في درعا منذ أيام قليلة، ولم تنفِ مصادر سورية رسمية نبأ السيطرة التي تفتح الباب واسعاً أمام تهديد طريق دمشق ـ درعا الدولية، وتقطع أهم طرق إمداد وحدات الجيش السوري في داخل مدينة درعا، التي يتقاسم السيطرة عليها الجيش السوري وفصائل مسلحة إسلامية متنوّعة الولاءات.
جملة تطورات جاءت بعد الغارة «الإسرائيلية» على القنيطرة التي أدّت إلى رفع منسوب الحذر والتوتر في المنطقة، وسط محاولات أميركية ـ «إسرائيلية» لاحتواء الموقف ومنعه من التدهور إلى حرب شاملة، بينما لا يزال الجميع بانتظار الردّ الذي ستتبلور معالمه في خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله يوم الجمعة المقبل. هذا من جهة. ومن جهة أخرى يأتي التحرك المشترك لفصائل متنوّعة الولاءات في جنوب سورية بين «القاعدة» والسلفية «الجهادية» وما يسمى «المعارضة المسلحة المعتدلة» المحسوبة على «الجيش الحر»، ليكشف عن جملة معطيات أهمها:
ـ الدور الأردني ـ «الإسرائيلي» المشترك وبرعاية أميركية في إعادة هيكلة التنظيمات والفصائل المسلّحة العاملة في جنوب سورية بما يتناسب وخطة تغيير قواعد الاشتباك في منطقة تعدّ المسرح التاريخي للصراع السوري ـ الصهيوني. فـ«الجيش الأول» المنضوي تحت راية «الجيش الحر» تشكّل في بداية السنة الحالية من فصائل ثلاثة هي: «فرقة الحمزة» و«جبهة ثوار سورية» و«الفوج الأول مدفعية» بقيادة العقيد الفار صابر سفر. وما كان له ليبصر النور لولا الرعاية المباشرة والدعم اللوجيستي من بوابة الحدود الأردنية ـ السورية، تلك الحدود التي تعتبر قاعدة انطلاق الفصائل والقوى المسلّحة التي توسم بالاعتدال وتدريبها.
ـ إعادة هيكلة التنظيمات المسلّحة في سورية تأتي في الوقت الذي وضعت الإدارة الأميركية مشروع تدريب «المعتدلين» قيد التنفيذ الفعلي. إذ أعلن البنتاغون قبل أيام عن إرسال مئة مستشار ومدرّب أميركيين لتدريب المسلحين في سورية، إلى عدد من الدول التي يوجدون فيها وعلى رأسها الأردن وتركيا. والجدير ذكره هنا أن تأسيس «الجيش الأول» ليس حالةً فردية، بل يأتي في سياق عملية منسّقة لدمج بعض التشكيلات المسلّحة في سورية تمهيداً لإعادة صوغ المشهد على الأرض. فتشكيل هذا الجيش في مدينة الشيخ مسكين جاء بعد أسبوع من الإعلان عن تشكيل «الجيش السوري الموحد» في مدينة نوى في ريف درعا، و«الجبهة الشامية» في مدينة حلب.
ـ حصار دمشق في خاصرتها الرخوة في الجنوب، وإنشاء منطقة عازلة غير رسمية متّصلة جغرافياً تبدأ من خطّ الفصل في الجولان الذي أخلي من قوات «الإندوف» بغطاء صهيوني، مروراً بالحدود المشتركة بين محافظتَي درعا والسويداء، وانتهاءً بقطع طريق دمشق ـ درعا الدولية، وقطع الإمدادات عن وحدات الجيش السوري الموجودة في مدينة درعا تمهيداً لإنهاء وجود الدولة السورية في عاصمة جنوب سورية. كل ما سبق يحضر على قائمة التنسيق الأميركي ـ الأردني ـ «الإسرائيلي» المشترك. ولعلّ التحرّك في القنيطرة جزء لا يتجزأ من هذه الخطة، عبر استهداف استباقيّ لما كان يحضّر في الجولان من جانب محور المقاومة.
ـ الجنوب السوري مسرح لتجاوز الخطوط الحمراء وإنشاء تحالف بين مختلف الفصائل لضرب الدولة السورية، وفقاً لخطة تتولى القيادة الصهيونية قيادة دفتها. فما جرى في نوى وقبله في تل الحارّة وحجم الهجوم المكثّف على وحدات الجيش السوري في ريفَي درعا والقنيطرة، دليل على الدور «الإسرائيلي» الذي خرق كافة المحرّمات، وأدخل الآلة العسكرية إلى الكيان على خطّ دعم المجموعات المسلّحة بالقوة النارية. وهنا يحضر ما قاله الرئيس بشار الأسد لمجلة «فورين آفيرز» الأميركية عن الدور «الإسرائيلي»، ليعكس الصورة الحقيقية للمشهد الميداني في البلاد عموماً وفي الجنوب خصوصاً، إذ قال «إن الإسرائيليين يقدّمون الدعم للجماعات المسلّحة في سورية، هذا واضح تماماً. كلما حققنا تقدّماً في مكان ما، يقوم الإسرائيليون بالهجوم من أجل التأثير على فعالية الجيش. لذلك يسخر السوريون ويقولون كيف يقال إن القاعدة لا تمتلك قوى جوية؟ في الواقع لديهم قوات جوية هي القوات الجوية الإسرائيلية».
بانتظار الردّ على العدوان الصهيوني في أرض القنيطرة، فإن جنوب سورية صار محور عملية تغيير واسعة في قواعد الاشتباك تنسف ولا تزال كل ما سبقها، في الوقت الذي تستمر واشنطن و«تل أبيب» وعمّان في إنضاج توازن ردع على أبواب العاصمة دمشق.
(البناء)