مبادئ الأسد في مقاومة العدوان
غالب قنديل
الحوار الذي أجرته مجلة فورين أفيرز الأميركية مع الرئيس الدكتور بشار الأسد ونشرته صباح الاثنين 26 كانون الثاني، يقدم صورة حية عن الوضع السوري وآفاقه وعن معادلات الصمود والمقاومة السورية في مجابهة العدوان الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة منذ أربع سنوات وقد نجح الرئيس الأسد في تقديم عرض واقعي غني بالمعلومات وبلغة هادئة تناسب التوجه إلى الرأي العام والنخب الأميركية كما تواكب مخاضا ونقاشا يجريان في الأوساط الأميركية المقررة حول سبل الخروج من مأزق الفشل في سورية.
أولا لخص الرئيس الأسد استراتيجية الدفاع عن سورية بثلاثة مباديء عليا تمثل القاعدة الراسخة لإدارة الصراع وخلفية ناظمة للمجابهة التي تخوضها الدولة الوطنية السورية منذ انطلاق العدوان وقد وردت في الحوار على لسان الأسد كما يلي : ” منذ بداية الأزمة.. نحن اتخذنا ثلاثة قرارات رئيسية.. أولاً.. أن نكون منفتحين على أي حوار.. وثانياً.. غيرنا الدستور والقوانين طبقاً لما كان يقوله كثيرون في المعارضة بأن هذا هو سبب الأزمة.. والقرار الثالث الدفاع عن بلادنا والدفاع عن أنفسنا ومحاربة الإرهاب.. “
يؤكد سلوك الدولة السورية التزامها بإعطاء الفرص لأي حوار بدون شروط خلال السنوات الماضية وصولا إلى اللقاء التشاوري في موسكو فهي قطعت شوطا في الإصلاح الدستوري والسياسي في حين تواصل مواجهة الإرهاب ويقدم الجيش العربي السوري نموذجا مهما وفريدا في التصدي لعصابات التكفير والمرتزقة ويحظى بدعم واحتضان كبيرين من الشعب العربي السوري الذي يجسد إيمانه بدولته الوطنية العلمانية وباستقلالها الذي هو بالنسبة للرئيس الأسد موضوع منهجي واستراتيجي في التعامل مع جميع الأبعاد المتحركة في الحدث السوري وخصوصا على مستوى الموقف من الهيمنة الغربية حيث لا يبحث الأميركيون عن الشركاء بل عن الدمى التابعة والعميلة .
ثانيا من يعود بالفعل إلى مسار الأحداث يجد ان هذه القرارات الثلاثة حاضرة ومستمرة في سلوك الدولة الوطنية السورية فقد كانت دمشق على الدوام صاحبة المبادرة إلى الحوار وهي تجاوبت مع جميع المبادرات والمساعي التي تضمنت إطارا للحوار على الرغم من إدراكها لطبيعة وتكوين الواجهات التي تتشكل من قوى وشخصيات ترتبط بالغرب وبدول العدوان على سورية التي ضمت الولايات المتحدة وحكومات الناتو إضافة إلى كل من إسرائيل وتركيا والسعودية وقطر وفي التجربة الملموسة كانت تلك الدول هي التي تعطل فرص تقدم الحوار وتنسف جميع المبادرات التي أطاح بها حلف العدوان كلما توصلت إلى نتائج تؤكد صحة موقف الدولة الوطنية وخيارها ورغم الإدراك المسبق لحقيقة فقدان معظم تلك الواجهات المرتبطة بالخارج إلى الوزن الشعبي التمثيلي سارت الدولة الوطنية بثقة وبمرونة عالية في تعاملها مع فرص الحوار ولاحقت المعارضين ومحركيهم إلى باب الدار كما حصل في محادثات جنيف وكما حصل مع تجربة المراقبين العرب التي طابقت وجهة النظر السورية في خلاصاتها ومع مبادرتي كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وهي اليوم تواصل التعاون مع مهمة دي ميستورا المبنية فعليا على فكرة المصالحات المحلية التي ابتكرتها الدولة السورية ونجحت في تنفيذها في العديد من المناطق .
ثالثا المحوران الحاسمان في العدوان على سورية هما الدعم التركي الكبير لتنظيم داعش والتدخل الصهيوني الذي يقدم الدعم والمساندة العسكرية لفصائل القاعدة وشركائها وخصوصا لجبهة النصرة وتركيز الرئيس الأسد على اولوية تجفيف منابع الإرهاب ووقف إرساليات السلاح والمال والمسلحين لدعم الجماعات الإرهابية في سورية ينطلق من حساب واقعي يلخصه بالاستنتاج انه حين يتحقق الإلتزام الدولي والإقليمي بإجراءات واضحة وحاسمة لتجفيف موارد الإرهاب فإن القوات المسلحة السورية سوف تتمكن من حسم الأمور بأسرع مما يتصور الكثيرون.
الدولة الوطنية السورية الملتزمة بوحدة الأرض والشعب وبتحرير البلاد وإنقاذها من براثن العصابات الإرهابية بمختلف تشكيلاتها تعتبر التدخل الأميركي من خلال الحملات الجوية غير قانوني لأنه لم يتم باتفاق مسبق مع السلطة الدستورية الشرعية التي تحظى بدعم غالبية شعبية ساحقة ومع الانفتاح السوري على أي تفاهمات او شراكات ممكنة في مكافحة الإرهاب فإنها تتمسك بسيادتها الوطنية وباستقلالها الوطني وقد تبين بالتجربة ان الضربات الجوية لتحالف أوباما غير فعالة والقوة العسكرية المهيأة لمواصلة القتال على الأرض هي الجيش العربي السوري وحصيلة عمليات حلف اوباما في عين العرب لا تقارن بنجاح الجيش العربي السوري في استعادة مناطق اكبر بمساحتها وعدد سكانها في ثلاثة أسابيع .
وعي الشعب العربي السوري وتماسك الدولة الوطنية وقواتها المسلحة يقابلهما تفكك وانهيار الجماعات المسلحة التي راهن عليها الغرب والتحاق أعداد كبيرة من المسلحين بالجيش العربي السوري بمن فيهم آلاف العسكريين الذي فروا وشاركوا في القتال ضد الدولة وهذا ما يرسم السياق المستقبلي للتطورات .