حزب الله.. خيارات ما بعد الضربة الموجعة معين الطاهر
يدرك قادة حزب الله أن جزءاً كبيراً من الوهج الذي تمتع به الحزب لدى الجمهور العربي بعد حرب 2006 خفت نتيجة تورط الحزب في الحرب في سورية، ودعمه نظام الرئيس بشار الأسد. لذا، يحرص قادة الحزب، وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله، على التأكيد، دوماً، على استمرار الدور المحوري للحزب في مقاومة إسرائيل، بما في ذلك التلويح بامتلاك أسلحة حديثة قادرة على ضرب أي هدف في إسرائيل، والقدرة على اقتحام مستوطنات ومناطق في الجليل الفلسطيني .
ضمن هذا السياق، تأتي الضربة الموجعة التي ذهب ضحيتها عدد من الشهداء في الحزب في منطقة القنيطرة في الجولان السوري، منهم الشهيد جهاد نجل القائد العسكري التاريخي للحزب، الشهيد عماد مغنية، والذي اغتالته اسرائيل في دمشق قرب مبنى الاستخبارات العسكرية السورية. ومن بين ضحايا الهجوم الإسرائيلي، أيضاً، قادة كبار في الحزب وضابط في الحرس الثوري الإيراني برتبة عميد. وتختلف هذه العملية عما سبقها من اغتيال شهداء آخرين في الحزب، من حيث أنها تشكل تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً مباشراً لا مجال لإنكاره، أو اتهام جهة أخرى به، مثلما هو الحال في عمليات الاغتيال ذات الطابع الاستخباراتي، ما يوجب على حزب الله التعامل مع هذه الحقيقة المباشرة في سياق رده المحتمل. وإذا كان هذا الرد ضرورياً من الناحية المعنوية، واختباراً جدياً لأطروحات الحزب حول مقاومة إسرائيل، فإن هذا الرد ينبغي له أن يدقق في الخيارات المحتملة أمامه، آخذاً في الاعتبار نيات طرفي الصراع، وهدف الرد، والنتائج المتوخاة منه.
أمام حزب الله خمسة خيارات متاحة أمام هذا الاعتداء، أولها أن يعض على الجرح، ولا يرد على الاعتداء، ويكتفي بالتهديد بالرد في الوقت المناسب. كما فعل النظام السوري بشأن غارات جوية إسرائيلية شنت على بلاده، واستهدفت مستودعات صواريخ وذخيرة ومعدات جديدة وصلت إليه، وكان جزء منها في طريقه إلى حزب الله في لبنان. ومن شأن هذا الموقف أن يفسح المجال للعدو لمزيد من الضربات، بل وأن يكسر قواعد الاشتباك المعمول بها في داخل لبنان حالياً، إذا ما لمس أن هنالك تردداً في مواجهة ضرباته، كما من شأنه أن يضعف ثقة الجمهور المؤيد للحزب، بل وحتى كوادره، في جدوى التدخل في الأزمة السورية أمام العجز عن مواجهة العدو الصهيوني.
الخيار الثاني هو الرد عبر عمليات عسكرية خارج المنطقة، مثل عمليات بلغاريا والأرجنتين، وتضعف هذا الاحتمال عدة عوامل، منها الخلل الذي أصاب شبكة العمليات الخارجية في حزب الله، إثر القبض على أحد أفرادها بتهمة التعامل مع العدو، ما اضطر الحزب إلى إجراء تغييرات واسعة فيها. وفي حال انكشاف مسؤولية الحزب عن العملية، فإن حملة ضخمة ستشن ضده لإضافته الى قوائم الإرهاب، وهو، في ظل الحرب على داعش والمفاوضات الأميركية الإيرانية بشأن الملف النووي، في غنى عن الآثار السلبية لتلك الحملة، إضافه إلى أن عدم
انكشاف مسؤوليته المباشرة، وحتى في ظل نجاح عمل ما لن يشبع نهم جمهوره في رؤية رد مباشر على الاعتداء الأخير، ناهيك أن هذا الرد سيكون جزءاً من حرب استخباراتية، ولن يكون له تأثير عملياتي مباشر على منطقة الاشتباك والصراع. ويمكن لهذا الاحتمال أن يصادف حظوظاً من النجاح، ومبرراً لاستخدامه، فيما إذا كان الهدف صيداً أمنياً كبيراً، وهو ما تسعى إليه أجهزة الحزب، منذ استشهاد عماد مغنية.
الخيار الثالث أن يتم الرد داخل الأرض المحتلة من مجموعات فلسطينية يدعمها حزب الله، ويصدر بياناً بالعملية بأسماء شهداء الاعتداء. ولا يحمّل هذ الاحتمال الحزب أي مسؤولية مباشرة، وهو هدف دائم يسعى إليه كل عناصر المقاومة، إلا أنه لن يكون في أي حال متناسباً مع حجم الاعتداء، ولا يشكل رداً على أهداف العدو. وسيفسر على أنه رسالة تضامن من المقاومة في فلسطين، وليس رداً مباشراً من حزب الله.
وثمة الرد من جنوب لبنان، وهو احتمال مستبعد في الظروف الحالية التي يمر بها لبنان، فليس من مصلحة الحزب الحالية الدخول في صراع مباشر مع العدو، وجزء كبير من قواته في سورية، كما أن التوازن الداخلي الهش في لبنان حالياً، وأن الاعتداء تم في سورية يجعل من أي تصعيد في الجبهة اللبنانية أمراً يحمل مخاطر كبرى على الوضع اللبناني برمته، على أن احتمالات التصعيد في لبنان، لاحقاً، على ضوء تطور الظروف الإقليمية في المنطقة أمر غير مستبعد.
وهناك الخيار الخامس، وهو الرد في جبهة الجولان، وهو الاحتمال الأرجح، إذ يحقق هذا الرد هدفاً عملياتياً أساسياً بالنسبة لاستراتيجية حزب الله، الهادفة إلى وضع قواعد جديدة للاشتباك في منطقة الجولان، قد تقوم على عدم قيام الجيش الإسرائيلي بعمليات في المنطقة في مقابل عدم السماح بعمليات عسكرية في الجولان المحتل، ذلك أن حزب الله يخشى من قيام أطراف في المعارضة السورية، ذات علاقات حسنة مع الجانب الإسرائيلي (ظهر منها وجه متمثل بعلاج جرحى في مستشفيات إسرائيلية) بالتوسع من جبهة الجولان باتجاه سفوح جبل الشيخ في منطقة العرقوب اللبنانية، حيث توجد مجموعة قرى ذات طابع “سني”، ويتم بذلك فتح جبهة جديدة شبيهة بجبهة جرود عرسال في خاصرة حزب الله الذي يهدف في القيام بعمل عسكري في جبهة الجولان، أساساً، إلى وضع قواعد جديدة، تخدم استراتيجيته العامة. فالمسألة، هنا، تتعدى ضرورات الثأر والانتقام فحسب.
ويتطلب نجاح هذه الخطوة، أولاً، سرعة التحقيق في ظروف الاعتداء، والتأكد من عدم وجود خرق أمني في منظومته التي أقامها في تلك المنطقة، كما أن أي عمل عسكري يستدعي الحصول على موافقات سورية وإيرانية جديدة، وهو ما نظنه كان متوفراً جراء تتبع الأحداث وسياقاتها، واستشهاد العميد الإيراني في الاعتداء الإسرائيلي.
يبقى تطور الأحداث في الفترة الزمنية المقبلة مرهوناً بقدر كبير على مدى رغبة الجانب الإسرائيلي في التدخل بالصراع الاقليمي في سورية، وهي رغبة أحسبها تنمو، يوماً بعد يوم، إزاء رغبة العدو الإسرائيلي فى أن يلعب دوراً أكبر في قضايا المنطقة الشائكة، وهو إذ يبحث، اليوم، عن سعد حداد جديد، فإنه، في الوقت نفسه، يبحث عن دور إسرائيلي متجدد، ويعد الجبهة السورية واللبنانية لانفجار قادم.