الرســوم الشيطانيّة ثريا عاصي
ظهرت الصحيفة الفرنسية شارلي إيبدو. تصدر غلافها رسم كاريكاتوري يمثل رجلا يعتمر عمامة، يحمل ورقة كتب عليها «أنا شارلي». فوق الرسم «كل ما كان مُسامـَح به». من البديهي ان المعني بهذا الرسم، هم المسلمون.
لا يهم أن نعرف لماذا هذا الإصرار على حشر جميع أتباع ديانة سماوية، وراء رجل كان في رسم سابق له، يخفي في عمامته قنبلة، علما أن الناس لا يدخلون كرجل واحد، أو كإمرأة واحدة، في دعوة، ولا يسيرون في النهج الذي يهتدون إليه بهدي هذه الأخيرة، بنفس الخطى وبنفس الثبات فلا يحيد أحد أو جماعة عن الطريق المستقيم.
المسألة التي تشغلني هي أنه ليس صحيحا أن المسلمين أعاروا هذه الصحيفة ورسومها إهتماما. بكلام أكثر صراحة ووضوحا، يمكننا القول اننا حيال ما يشبه «المشاجرة» بين فريقين من «الزعران»!.
فريق تعبر عنه الصحيفة التي نحن بصدد الحديث عنها. بما هي أداة تعبير لتيار سياسي غربي، وبالتالي لا يمثل بالضرورة شعوب الغرب. المعروف عن هذا التيار هو أنه ذو ميول أطلسية، أي انسياقه مع العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. ما يعني بسط هيمنة هذه الأخيرة على العالم واستلاب الحضارات الإنسانية لمصلحة حضارة غربية «يهودية ـ مسيحية». أن موقع هذه الصحيفة في مجال الحوار الإعلامي حول موضوعات السياسة الداخلية الفرنسية يكاد أن يكون غير مرئي. لولا الصخب الذي علا نتيجة للمصادمة التي حصلت بسبب نشر رسوم كان القصد منها اتخاذ المسلمين، جميع المسلمين هزوا، لبقيت هذه الصحيفة مطمورة.
أما الفريق الثاني فهي جماعات تكونت في بيئة إجتمع فيها البؤس والإقصاء والفراغ بالاضافة إلى عوامل خارجية كمثل ترويج البضائع والأفكار والمعتقدات المزورة والرخيصة. ينبني عليه أنه يمكننا أن ننعت هذه الجماعات بالهجينة. يستتبع ذلك انها منطقيا غير مؤهلة وغير قادرة على التعبير عن مصالح البيئة التي خرجت منها، فضلا عن مصالحها الذاتية، رغم أنها قدمت أمام الرأي العام، انها وليدة الإسلام، إلى حد أن الشطط قاد البعض إلى الزعم بان هذه الجماعات «تحمل جميع الجينات التي تجعل المسلم مسلما». مجمل القول، أن قلة قليلة من الذين يرتبطون بالإسلام، بعلاقة روحانية أو ثقافية، هم معنيون بالإعمال المنسوبة إلى هذه الجماعات. أعتقد أن هذا المعطى معروفا تمام المعرفة، لدى الذين يعمدون بوسائل مختلفة، إلى إثارة هذه الجماعات الإسلامية، التي لا تفكر ولا تعقل بالقطع، على مستوى قواعدها، بوجه خاص.
تأسيسا عليه، يحق لنا أن نتساءل عن إحتمال وجود أهداف غير معلنة وراء المنازعة الظاهرة بين الجماعات الإسلامية من جهة وبين تيار فكري في الغرب من جهة ثانية، رافق جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية، ضد الشعوب، ضد أمنها واستقرارها ومصادر عيشها ومستقبلها وحريتها وكياناتها الوطنية. أليس مدعاة للدهشة أن تخرج في الجزائر تظاهرات إحتجاجا على نشر رسم كاريكاتوري في صحيفة فرنسية؟ في حين أنه لدى الجزائريين من الهموم ما يكفيهم. لم نسمع عن تظاهرات في بلاد عربية غير الجزائر ! أليس مثيرا للريبة أن يتلازم هذا كله، الإعتداء على الصحيفة معاودة نشر الرسوم، مع اتساع نطاق هجوم بوكوحرام ليشمل المناطق الحدودية مع الكاميرون، تشاد والنيجر حيث أحرقت سبع كنائس؟!.
(الديار)