شكراً نتنياهو سامي كليب
لم يصدق قائد اسرائيلي مع العرب بقدر صدق بنيامين نتنياهو. ولم يخدمهم قائد اسرائيلي سياسياً بقدر ما خدمهم نتنياهو. ولو كان للعرب أن يختاروا رجل العام لربما اختاروه. لعله بقراره الغبي الأخير ضَرْبَ مجموعة من شباب حزب الله وجنرال ايراني من الحرس الثوري في الجولان، قدّم هدية سياسية واستراتيجية هائلة لايران وسورية والحزب.
نتنياهو صادق مع العرب لأنه، منذ وضع كتابه «مكان بين الامم»، وهو ينفّذ حرفياً أفكاره. مختصرها، كما أوضحها هو نفسه، «لا دولة فلسطينية. لا قدس. لا مجال امام الفلسطيني سوى القبول بدولة يهودية. الاردن وطن بديل. لا عودة الى حدود 1967. العرب لا يفهمون سوى بالقوة». (ربما على العرب اليوم أن يعودوا الى قراءة هذا الكتاب بامعان).
نتنياهو صادق أيضاً لأنه لا يزال يعتبر ايران أولاً، ثم سورية وحزب الله، في طليعة أعدائه. أثبت بعدوانه الاخير في الجولان انه لن يقبل مطلقاً أن تمضي أميركا وخلفها الغرب في توقيع اتفاق نووي. ها هو، اذاً، ينفّذ ما وعد به دائماً من أنه سيتصرف وحده حتى ولو لم تقبل أميركا.
صِدقُ نتنياهو يخدم محور المقاومة خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية. فهو أعاد شيئاً من التعاطف العربي مع حزب الله، وبعث شيئاً من الشعور القومي عند السوريين، وأكد مقولة المحور الممتد من موسكو الى طهران فسورية ولبنان بأن لاسرائيل مصلحة كبيرة في تدمير سورية.
وصدقه خدم أيران أيضاً لأنه سلَّمها مفتاحاً مهماً في التفاوض. للمرء مثلاً أن يتخيل الآن المبعوثين الأميركيين يهرعون الى طهران آملين باقناعها عدم الرد. والقيادة الايرانية ذات الخبرة الواسعة والقديمة في فنون التفاوض، ستحرق أعصاب الاميركيين واسرائيل بعدم الافصاح عما ستفعل. هي كانت مهّدت لهذا الهلع الغربي والاسرائيلي، بتصريح من قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري هدّد فيه اسرائيل بـ «صاعقة مدمرة».
سعى نتنياهو للافادة من الهجمات التي تعرضت لها مجلة «شارلي ايبدو» ومتجر يهودي في فرنسا، فجاء يتصدر طليعة المتظاهرين ضد الارهاب. لعله كان يخفي يده في جيبه لأن دماء أبرياء غزة كانت لا تزال عليها. حاول أن يعيد تلك الصورة البايخة التي درجت الدعاية الصهيونية على نشرها حول «اسرائيل الضحية». الآن تُصدر الأمم المتحدة تصريحاً واضحاً بأن اسرائيل هي المعتدية في الجولان وهي التي تخرق القرارات الدولية.
وصِدقُ نتنياهو سمح لحزب الله بالتمتع الآن بذريعة ممتازة للرد حين يشاء وأينما أراد. هذا كان قبل العدوان الاسرائيلي الاخير على الجولان صعباً، نظرا لانقسام اللبنانيين حول الأمر ومعاداة قسم منهم للحزب ولمفهوم المقاومة، خصوصا بعد اشتراك الحزب بالحرب في سورية.
وصِدقُ نتنياهو، أيضاً وأيضاً، جعل «حمائم» السلام والتفاوض الفلسطينيين ييأسون منه، فيتحدّون تهديداته ويذهبون الى مجلس الامن للاعتراف بدولتهم، ثم الى محكمة الجنايات الدولية. وصلت الحمائم الى هذه الخلاصة بعد ان نتف نتنياهو ريشها واحدة بعد الاخرى، ولم يقدّم لها سوى مزيد من المستوطنات في مكان وتدمير اآلاف البيوت على أهلها في غزة.
وصِدقُ نتنياهو، أخيراً، كشف للمجتمع الاسرائيلي أن الرجل مستعد للتحالف مع الشيطان، وليس فقط مع غلاة التطرف والتشدد الديني والعنصرية في بلاده للبقاء في السلطة. الآن بقاؤه أو عدمه صار بيد ايران وحزب الله.
فهل ثمة من يستحق الشكر على توضيح الصورة أكثر من نتنياهو؟ يوماً ما قد تفهم اسرائيل ان الشبان في عمر الورود، كجهاد مغنية، لا يستشهدون حباً بالموت، بل لأن وجوههم النضرة وأياديهم الطرية تحب الحياة… بكرامة.
(الأخبار)