مقالات مختارة

«انقلاب» لم يقع في صنعاء! خليل حرب

 

الحرب النفطية التي تقودها المملكة السعودية، بفاعلية، برغم غياب الملك عبدالله في مشفاه، تفترض في ما تفترضه، التزام الصمت على جريمة القنيطرة والدور المشبوه لتمدد تنظيمات الارهاب في الجنوب السوري، لكنها للمفارقة في الوقت ذاته تحتم اللقاء الخليجي العاجل في قاعدة عسكرية في الرياض، للتنديد بما سُمّي «انقلاب» الحوثيين في اليمن!

العجالة الخليجية والسعودية، لمحاصرة الحراك الثوري في صنعاء والإصرار على إلباسه لباساً مذهبياً، وفرض إملاءات استباقية على المخارج السياسية الممكنة للازمة المستحكمة التي تلف اليمن، تطرح تساؤلات عن سر فورة الحماسة هذه، في الوقت الذي كان فيه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لا يزال مجتمعاً بممثلي القوى وبينهم الحوثيون، لاحتواء تداعيات الاشتباك الأخير الذي قاد مسلحي «انصار الله» و «اللجان الشعبية» الى مداخل ما يُسمّى «دار الرئاسة» (وهو ليس قصر الرئاسة ولا هو مقر الرئيس هادي المقيم حالياً في شارع الستين في العاصمة).

فلماذا التعجيل الخليجي للتنديد بـ «انقلاب» لم يحدث، ورئيس لم تتم إطاحته، وحكومة لم تُخلع، ومؤسسات لم يتم الاستيلاء عليها؟!

ولكي تكتمل المفارقات، كان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي يصدرون بياناً إملائياً واستنكارياً لتطورات المشهد الأمني في العاصمة اليمنية، يعكس مشهداً تصادمياً، وكان الرئيس اليمني يصدر في الوقت ذاته تقريباً بياناً يتبنّى فيه سلسلة من المطالب المشروعة التي نادى بها «أنصار الله» ومؤيدوهم، ضمن تفاهمات سياسية سابقة ولم يتم الالتزام بها من جانب الحكم اليمني، ما ساهم في تنفيس أجواء الاحتقان التي تفاقمت خلال الأيام الماضية.

وأكدت دول «مجلس التعاون» في بيان صادر عن اجتماع استثنائي في الرياض، أن دول المجلس «تعتبر ما حدث في صنعاء… انقلاباً على الشرعية». وشدّد الوزراء على دعم دول الخليج التي رعت اتفاق انتقال السلطة في اليمن «للشرعية الدستورية متمثلة في فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي»، و «رفض كافة الإجراءات المتخذة لفرض الأمر الواقع بالقوة ومحاولة تغيير مكونات وطبيعة المجتمع اليمني».

ووصف وزراء الخارجية الخليجيون التصعيد الحوثي بأنه «عمليات إرهابية»، وندّدوا بما نتج عن ذلك من «تقويض للعملية السياسية في الجمهورية اليمنية الشقيقة القائمة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وإفشال مخرجات الحوار الوطني الشامل وتعطيل العملية الانتقالية السلمية».

واشترط الوزراء الخليجيون انسحاب الحوثيين من دار الرئاسة ومنزلَي الرئيس ورئيس مجلس الوزراء و «رفع نقاط التفتيش المؤدية إليها وإطلاق سراح مدير مكتب رئاسة الجمهورية وتطبيع الأوضاع الأمنية في العاصمة وعودة المؤسسات الحكومية والأمنية إلى سلطة الدولة»، لإيفاد مبعوث الأمين العام لمجلس التعاون «للتواصل مع كافة القوى والمكونات السياسية اليمنية لاستكمال تنفيذ ما تبقى من بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل».

يلخص سياسي يمني المشهد بالقول: الصراع بين ائتلاف قوى النظام القديم وبين القوى الصاعدة المطالبة بالتغيير الشامل كـ «انصار الله» و «الحراك الجنوبي» والذين تجاهلت المبادرة الخليجية المدعومة سعودياً منذ عامين، مطالبهم الأساسية، حماية لهياكل المنظومة السابقة، وأعادت في المقابل ترتيب أوراق النظام القديم بكل مصالحه الأمنية والاقتصادية والعسكرية.

لكن «عقدة المنشار» كما يقول عضو المجلس السياسي لـ «انصار الله» عبد الملك العجري لـ «السفير»، تظل في خطة تقسيم الأقاليم التي يقول كثيرون إنها، بصيغتها الحالية، ستقود اليمنيين الى مرحلة من التشرذم والاقتتال الأهلي.

سايمون هندرسون في تقريره الأخير في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، بشأن اليمن والموقف السعودي، يتحدث عن تقاسم الأدوار في المملكة بين وزارة الداخلية التي يقودها الأمير محمد بن نايف ووزارة الدفاع التي يتولاها ولي العهد الأمير سلمان، والتي تتولى شراء النفوذ السعودي بين القبائل اليمنية. لكنه يشير ايضاً الى أن من بين وصايا الملك المؤسس عبد العزيز لأبنائه وهو على فراش الموت في العام 1953، الا يسمحوا لليمن الذي كان وقتها يمنين، بالوحدة.

لا يمكن فهم الحركة السعودية إزاء اليمن من دون التطلع الى المسار التاريخي لمواقف الرياض مما تعتبره «حديقتها الخلفية»، او من خلال تجاهل «الحنق» السعودي من الدور الإقليمي لايران، من القنيطرة وصولاً الى باب المندب في اليمن، واحتمالاته المفتوحة في ما لو كتب للتفاهمات الاميركية – الايرانية ان تبصر النور.. باتفاق نووي شامل وما يمكن ان يتعداه سياسياً.

ولهذا فإن تقسيم الاقاليم المقترح، يشكل عصب الصراع القائم الآن. يقول عبد الملك العجري لـ» السفير» إن التقسيم المقترح الآن «يستهدف انصار الله تحديداً، وهو كيدي، ويؤدي الى صراعات مستقبلية وتنفيذ اجندات قوى اقليمية ودولية».

يعتبر العجري أن الخليجيين «متخوّفون اكثر من اللازم من انصار الله. مخاوفهم متضخمة من نفوذ ايران. هؤلاء لديهم مخاوف من فقدان منطقة تعتبر الحديقة الخلفية للرياض. هذا يفسر بيانهم الاستنكاري الصادر أمس». ويتساءل العجري وهو أيضاً رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني، عن سبب تسمية ما يجري في صنعاء بأنه انقلاب بينما ما حصل في مصر مثلاً ليس انقلاباً! مشيراً الى ان الرئيس هادي موجود في مقرّ سكنه ولم تتم الإطاحة لا بالرئيس ولا الحكومة والمؤسسات تعمل كالمعتاد، وأن المسألة متعلقة اساساً بمواجهة ممارسات تخالف الاتفاقات الموقعة سابقاً كمقررات الحوار الوطني واتفاقية الشراكة والسلم في ايلول الماضي.

من جهته، يقول عضو المكتب السياسي لـ «انصار الله» محمد البخيتي لـ «السفير» رداً على سؤال بشأن الموقف السعودي، «نرفض أي تدخل خارجي لمصلحة طرف أو ضد أي طرف آخر، لأن ذلك ستكون له آثار عكسية. سنتعامل مع أيّ تدخل بما يناسبه، واليمنيون حريصون على عزتهم وكرامتهم».

وحول الموقف من خطة الأقاليم، قال البخيتي إن مشروع التقسيم الحالي «سياسي الأهداف ويتعارض مع مصلحة البلاد والمعايير التي اتفق عليها في الحوار الوطني… حيث تعمّد التقسيم حرمان بعض الاقاليم من أي مقومات وموارد اقتصادية، ووضع بذور تقسيم اليمن في المستقبل».

وعلى سبيل المثال، يوضح أن الخطة المطروحة حالياً، تشمل «سلخ المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة عن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية بشكل غير مبرر… وفي حضرموت وسبأ مثلاً هما تشكلان 70 في المئة من مساحة اليمن، بينما لا يتعدّى سكانهما نسبة 13 في المئة من سكان اليمن، وهذا يخلق صراع هويات جدية، بين الفقراء والأغنياء، ويخلق فراغاً تسعى دول مجاورة الى ملئه بهدف تفكيك اليمن والاستيلاء على المزيد من أراضيه».

ولهذا، يخلص عضو المكتب السياسي الى القول «لا يمكن ان نقبل به ونطالب بتعديل شامل لمشروع الاقاليم يما يتوافق مع مصلحة اليمنيين».

وفي هذا السياق، توصل الرئيس اليمني مساء أمس، إلى اتفاق مع الحوثيين، يغادر بموجبه الحوثيون دار الرئاسة، ويطلقون سراح مدير مكتب هادي الذي خطف السبت الماضي، على أن يتم في المقابل إدخال تعديلات على مشروع الدستور الذي يعارضه الحوثيون.

وقال بيان صادر عن الرئاسة اليمنية إن «الدستور مسودة مفتوحة للتعديل والوضع في صنعاء سيطبع بالعودة السريعة لمؤسسات الحكومة»، مضيفاً في الوقت نفسه أن «الحوثيين ملتزمون بسحب اللجان الشعبية من جميع المناطق المطلة على القصر الرئاسي وعلى منزل الرئيس الخاص». وأقر البيان بـ «حق الحوثيين والحراك الجنوبي في التعيين في جميع مؤسسات الدولة».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى