مقالات مختارة

عملية القنيطرة: لماذا يسود الصمت في واشنطن؟ نبيل هيثم

 

يتركز النقاش في كل المستويات الشعبية والسياسية والديبلوماسية في لبنان، حول طبيعة الرد الحتمي لـ «حزب الله» على العملية الإسرائيلية في القنيطرة.

لكن اللافت للانتباه، أن حسابات تلك المستويات تختلف بين بعضها البعض. فالمستوى الشعبي مشحون إلى المدى الأعلى وينتظر ثأر «حزب الله»، من دون النظر إلى أي أمر آخر.

أما على المستوى السياسي، فهناك انقسام بين فريق يجامل «حزب الله»، وفريق يتفهم أي خطوة يمكن أن يقدم عليها، وفريق قلق من التداعيات، لكن أولويته هي الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومراعاة مصلحة لبنان، وفريق شامت إلى حد التبرير للعدو من خلال السؤال: «ماذا كان يفعل حزب الله هناك؟»، أو «لو لم يتدخل في سوريا لما حصل ما حصل». وفريق قلق على الـ1701، ويرفض جر لبنان إلى حرب وتدمير، وخائف من أن يسحب الحزب السيف من غمده في التوقيت غير المناسب وفي الظروف التي قد تترتب عليها تداعيات غير محسوبة».

«حزب الله» فرغ من تشييع شهدائه، وهو يدرس خياراته، لتحديد خطواته في الزمان والمكان، ويشهد له تصرفه بكثير من الهدوء والروية والعقل البارد والحرص على الاستقرار الداخلي وعدم التسرّع والانفعال، وبالتالي الذهاب إلى حيث يريده العدو أن يذهب.

إلا أن المستوى الديبلوماسي تتجاذبه أسئلة كثيرة؛ فمن جهة التركيز على «حزب الله»: هل سيرد؟ هل يستطيع أن يرد؟ هل يستطيع ألا يرد؟ وإن قرر الرد، فأين؟ في الجولان، أم في جنوب لبنان؟ في أوروبا، أم في أية دولة من العالم؟ ومن جهة ثانية، لماذا اعتدت إسرائيل في منطقة منزوعة السلاح؟ وما هو الهدف الإسرائيلي من عملية قد تضع المنطقة برمتها أمام حرب إقليمية من الصعب احتواؤها؟ وهل تضمن إسرائيل الانتصار في مواجهة كهذه؟

الجواب على ما تقدم يرد على لسان أحد الديبلوماسيين الغربيين حيث يقول: «أي حرب إسرائيلية، مهما كان حجمها، تتطلب تغطية أميركية تؤمن لها الاستمرار والانتصار في آن معا».

هذه التغطية لا يراها الديبلوماسي المذكور ربطا بعملية القنيطرة، خاصة أن واشنطن تبدو غائبة، ولم تقارب هذه العملية لا سلبًا ولا إيجابًا، علما أن التجارب السابقة دلت على أن إسرائيل لا تقوم بأي عدوان في فلسطين أو في لبنان أو في أي مكان في العالم، إلا وكانت واشنطن سباقة في تغطية الموقف الإسرائيلي وتبنيه.

هناك وجهة نظر تقول إن إسرائيل أرادت من خلال عملية القنيطرة توجيه عدة رسائل، ومنها أنها لا تقبل بأن يتحول الجولان إلى جنوب لبنان آخر من خلال الوجود المباشر لـ «حزب الله» فيه، وأنها، من جهة ثانية، تشكل الدرع الواقية لـ «جبهة النصرة» أمام أية عملية يجري التفكير بالقيام بها في هذه المنطقة للقضاء على «النصرة» التي أصبحت صديقا لإسرائيل».

ولكن هناك وجهة نظر أخرى، تلاحظ أن عملية القنيطرة جاءت بالتزامن مع المناخ الإيجابي الذي يطغى على المفاوضات النووية الأميركية ـ الإيرانية، وكلام الرئيس الأميركي باراك أوباما من أنه سيستخدم الفيتو ضد أية عقوبات يفرضها الكونغرس على إيران؛ وبالتالي تبدو في العملية رسالة إسرائيلية إلى واشنطن بتوقيع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو موجّهة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يبلغه فيها امتعاضه الشديد من حجم التقدم الحاصل في المفاوضات النووية.

يقول أحد الديبلوماسيين إن نتنياهو يبدو مصابا بالهلع من تلك المفاوضات، ولعله أراد بعملية كهذه أن يستفز الإيرانيين و «حزب الله» بهدف تغيير قواعد الاشتباك، وإحداث هزة كبيرة لمنظومة الأمان الحالية التي تحكم المفاوضات والعلاقات المتطورة بين الولايات المتحدة وإيران. وليس سرا، كما يقول الديبلوماسي المذكور، أن العلاقة الشخصية بين نتنياهو وأوباما هي في دركها الأسفل، لا بل إن هذه العلاقة لم تصل في تاريخها بين رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي إلى هذا المستوى من السوء.

وبحسب الديبلوماسي نفسه، فإن واشنطن تلقت رسالة نتنياهو، وجوابها عليها كان صمتها، وربما إلى أن يحين موعد تصفية الحساب مع نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 آذار المقبل.

ولكن هل حققت عملية القنيطرة هدفها؟

هناك رأي يقول إن المفاوضات النووية تملك من المناعة ما يمكنها من تجاوز الهجوم الناري عليها من القنيطرة، وهناك رأي آخر يؤكد أن «حزب الله» لا يستطيع أن يمرر العملية بلا رد يؤذي إسرائيل. ما يعني أن من وَجَّهَ الضربة الأولى قد لا يكون نفسه من سيضرب الضربة الأخيرة. أما واشنطن.. فسترمي بثقلها لوقف التصعيد.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى