حرب أعصاب: بن كسبيت
كما سبق وقلنا هنا، فان عملية من النوع الذي تم تنفيذه في الجولان السوري يوم الاحد الماضي يمكن فقط فحصها من منظور الزمن. عندما يتضح من يقف ضد من، ماذا كانت الاسباب، ماذا كانت الانجازات وأي ثمن تم دفعه. عندها فقط وبعد حدوث الواقعة يمكننا أن نعرف فيما اذا كان قرار تنفيذ هذه العملية صحيحا ومتوازنا، أو كان قرارا مغامرا وعديم المسؤولية. نحن بعيدون جدا عن هذه النقطة. ما يمكننا الحكم عليه في هذه الاثناء هو التصرفات الاسرائيلية من يوم الاحد ظهرا وحتى هذه اللحظة. لقد كان الرد الاسرائيلي الرسمي «لا يوجد رد»، شرعيا تماما. بعد تفجير المفاعل النووي السوري في 2007 فقد نزل جميع قادة الدولة (السياسيين والعسكريين تحت الارض) وابتعدوا عن وسائل الإعلام تماما. هكذا يجب التصرف.
كان هناك استثناء وحيد ومتوقع هو وزير الأمن موشيه (بوجي) يعلون، الذي يجد صعوبة احيانا في اخفاء ما يدور في نفسه، حيث سارع إلى الاحتفال في القناة الحريدية. لم يأخذ على عاتقه المسؤولية، ولكنه حاول أن يكون ذلك بصورة غير مباشرة. بعده، وفي اليوم التالي صباحا، جاءت الصحيفة الناطقة باسم الحكم «لسان بيبي»، جاءت بعنوان رئيسي ضخم يُحتفظ به لألبومات النصر الفخمة يقول: قتلت قواتنا مخربين في سوريا. الورود للجيش الاسرائيلي ولبيبي ايضا. إن من يعرف العلاقة الوطيدة ما بين مكتب المحرر الرئيس للصحيفة المذكورة أعلاه وبين مكتب رئيس الحكومة، يعرف أن مثل هذا العنوان لم يمر حتى على الرقابة العسكرية، لكنه أخذ المصادقة عليه بصورة صريحة من المسؤول عن حياتنا وأمننا هنا.
لقد وصلت الذروة أمس. حيث قال مصدر اسرائيلي لوكالة انباء «رويتر» إن اسرائيل لم تعرف عن وجود الجنرال الايراني رفيع المستوى في القافلة التي تم تفجيرها، وإن هذا الجنرال لم يكن هدفا للتصفية. إن من يعرف تسلسل الاحداث، يعرف أن «رويتر» لا تنشر نبأ كهذا على مسؤوليتها، حيث يدور الحديث هنا عن تسريب مشروع لمصدر رسمي في القدس. توقعي هو: ليس مصدرا عسكريا، ولكنه مصدرا سياسيا، الآن ستعرفون لماذا.
هذا التسريب لـ «رويتر» حطم كل الارقام القياسية للضحك. فقد أعلنت اسرائيل أنها لم تستهدف قتل الجنرال الايراني في ذلك التفجير الذي لم تنفذه. هناك في القدس من خشي من تهديدات الانتقام الايرانية وسارع إلى الهمس بأننا لم نقصد ذلك، لأنه بالطريقة التي استخدمها بعدم الوضوح جعل من نفسه أضحوكة.
الآن فان الاوساط العليا في جهاز الأمن ليسوا متحمسين من هذا التسريب لـ «رويتر». وحسب مصادر اسرائيلية (ليست رسمية)، لا يوجد أحد مستعد للوقوف من خلف هذا الاعلان التأسفي، وهو أننا لم نستهدف قتل الجنرال الايراني. ما الذي كان يفعله هناك مع كبار القادة من وحدة النخبة لحزب الله المسؤولين عن تنفيذ العمليات في اسرائيل، وهم لم يكونوا هناك يعملون الاعمال الخيرية، ولو كانت الاستخبارات الاسرائيلية قد قامت بتشخيص هذا النشاط، فان القضاء عليها بالقوة كان أمرا مطلوبا وجدير القيام به حتى قبل الانتخابات. ما هو مطلوب أقل، وايضا أقل جدارة، هو التصرف بعد ذلك، وكذلك الاعتذار المشوش لـ «رويتر». ونظرا لأنهم في الجيش الاسرائيلي غير متحمسين، كما قلنا، من هذا التسريب، فيبدو أن شخصا في القدس بدأ بالتمتمة وسارع إلى اصدار توضيحات داخلية زائدة. هكذا يحدث عندما تكون الاعصاب ضعيفة. حسنا، نحن مع كل ذلك، ما قبل الانتخابات. بالمناسبة، انتخابات: ما يجري حاليا بين اللاعبين المركزيين هو لعبة «من يُخلي أولا». نتنياهو وهرتسوغ يقودان هذا أمام ذاك بسرعة كبيرة نحو التصادم المدمر. ومن يخاف أولا ينحرف إلى جانب الطريق. التفسير: من سيتحد أولا. نتنياهو مع بينيت، أو هرتسوغ مع لبيد؟ الذعر موجود الآن في مكانه الصحيح، أي بيت رئيس الحكومة في القدس. فالاستطلاعات الحالية ليست جيدة بالنسبة له، وهو يشم رائحة العزل، وقد بدأ في تحسس طريقه باتجاه بينيت، أحد الاشخاص من مقربي بينيت ضحك أمس وهو يقول لي «كيف سنتحد معهم، فهم حتى الآن لم ينتخبوا قائمتهم. مع من سنشكل القائمة بحق السماء؟».
الضحك هو الضحك، ولكن الامور اللوجستية يمكنها تدمير هذه العملية. إن قائمة الليكود لم يُصادق عليها حتى الآن، الاتحاد مع بينيت يقتضي اجتماع المركز أو لجنة مع داني دنون وكل الطاقم، والآن الوقت ينفد. ايضا لدى بينيت فان هذا لن يمر بسهولة، رغم أن بينيت يسيطر على حزبه بقبضة قوية إلا أن هذا يشكل قليلا من وجع الرأس، من غير أن تعرف ماذا سينتج عن ذلك.
المشكلة هي أن نتنياهو يمكننا أن نجده في القريب العاجل في وضع يكون فيه خاسرا بدون اتحاد، وفائزا اذا اتحد. مع وضع كهذا يصعب عليه النقاش. من جهة اخرى، اذا قام بالاتحاد فانه يتوجب على هرتسوغ الاتحاد مع لبيد والوصول إلى وضع مماثل، وعندها فان كل هذا يكون عبثا. الحديث يدور عن مغامرة كبيرة يمكن أن يتبين أنها كارثية.
هرتسوغ ولبيد لا يريدان الاتحاد، وهما ليسا بحاجة اليه، هما على علاقة جيدة ويتحدثان مع بعضهما، وقد قررا أن يقوما فحص الامور ثانية اذا قام نتنياهو بالاتحاد. ولكن في نهاية المطاف كل واحد من اللاعبين المذكورين هنا يفهم أن من سيتحد سيفوز. اذا نجح طرف في التسلل إلى الاتحاد بدون أن يكون لدى الطرف الثاني الوقت للرد، فمن الممكن أن يحصل في هذه العملية على بطاقة الدخول إلى مكتب رئيس الحكومة (على الأقل لنصف الولاية). بناءً على ذلك فان الحديث يدور عن مغامرة كبيرة وعن إغراء ليس أقل منها. الايام القريبة، حتى الموعد النهائي، ستكون متوترة ومُسلية وفي الأساس سرية. الجميع سيتسللون من خلف ظهور بعضهم، وحتى الآن ليس واضحا إلى أين.
معاريف