إعتداء القنيطرة «أول الغيث» مخاوف من صواريخ «لقيطة» واغتيالات وتفجيرات؟ ابراهيم ناصرالدين
السؤال المحوري حول اين ومتى سترد المقاومة على اعتداء القنيطرة، سيبقى دون اي جواب، واصرار البعض على البحث عن جواب ليس الا تضييع للوقت والجهد في مسألة لا يمكن التكهن بها أو الحصول على معلومات حولها، وكل ما يقال مجرد تحليلات تخضع لترف فكري ينساق مع تحليلات منطقية في قضية لا تخضع ابدا لقواعد المنطق، طبعا هذه المسلمة لم تمنع البعثات الدبلوماسية الغربية في بيروت من بذل جهود مضنية لمعرفة طبيعة رد حزب الله المفترضة، وفي اتصالات مع بعض الاصدقاء والمسؤولين اللبنانيين لم يخف هؤلاء السفراء قلقهم من تداعيات هذا التطور، ورغم التقديرات المختلفة التي وصلتهم لم يتمكنوا من بلورة خلاصات واضحة يمكن الركون اليها او ابلاغ دولهم بها، لكن ثمة تحذيرات «مبطنة» ابلغها هؤلاء لعدد من القيادات اللبنانية بعدم التهاون بتقدير رد فعل اسرائيل على اي «مغامرة» يمكن ان تنطلق من الاراضي اللبنانية، وكانت السفارة الاميركية الاكثر وضوحا، بعدما ابلغ السفير الاميركي ديفيد هيل بعض من اجرى معهم مشاورات غير رسمية، بان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو شخص «غير منضبط» وعلاقاته مع الادارة الاميركية في الحضيض، وهذا ما يقلل من قدرة واشنطن على السيطرة على تصرفاته».
هذه المعلومات المستقاة من اوساط ديبلوماسية عربية، تشرح بعض جوانب تعقيدات المشهد الراهن في المنطقة، ولكنها لا تختصر كل المشهد، ففي المقلب الاخر اهتمام من نوع آخر يرتبط بتحليل المعطيات المحيطة بالعملية وما بعدها، واذا كان حزب الله يحسب خطواته بدقة لانه معني بمعرفة الجواب عن اليوم التالي للرد المفترض على العملية، ولا يريد الاقدام على خطوة في المجهول، فانه يركز اهتمامه في الوقت الراهن على متابعة خيوط وتداعيات متصلة بالضربة الاسرائيلية.
ووفقا لمعلومات اوساط في 8 آذار، فان حزب الله لا يتعامل مع الغارة الاسرائيلية في القنيطرة بواقع انها عملية عسكرية ذات طابع امني منعزل عن احداث قد تكون جريمة اغتيال القادة الشهداء مقدمة لها، فمن يقول ان العملية قد انتهت عند هذا الحد؟ ومن يمكنه فهم حقيقة الابعاد الاكثر عمقا التي يحاول ترسيخها الاسرائيلي والتي قد تحتاج الى اعمال مكملة قد تكون ضرورية لتحقيق الهدف الاستراتيجي من العملية؟ وفي هذا السياق فان من يعرف كيف تفكر قيادة الحزب يدرك ان لديها قراءة مختلفة عما قيل وكتب في الساعات القليلة الماضية، فمحاولة القول ان «الكرة» الان في «ملعب» المقاومة، و«اللعب» «الخبيث» على وتر «مصداقية» السيد حسن نصرالله، وربط الخرق الاسرائيلي بمقابلته المتلفزة، وخلق مناخ عام من الاسترخاء لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، انتظارا للرد على العملية، دون الاخذ بعين الاعتبار ان اسرائيل تعد لضربات اخرى مكملة لما بدأته من القنيطرة، كل هذا غير موجود في قاموس المقاومة التي تتعامل بعقل «بارد» مع هذه الضربة «النوعية»، بواقع انها خسارة لجولة في صراع مفتوح سيدفع الاسرائيلي ثمنه عندما يرى حزب الله الوقت مناسبا.
وفي هذا السياق تلفت تلك الاوساط، الى ان المراجعات الامنية والعسكرية بدأت منذ اللحظة الاولى لعملية الاغتيال، ثمة اجراءات كلاسيكية تتعلق باستبدال القادة الشهداء بقيادات اخرى تعمل في النطاق العملياتي نفسه، وهنا «رسالة» بالغة الدلالة للعدو تؤكد ان الحزب استوعب الضربة وحافظ على توازنه، من خلال ملء الفراغ في تلك الجبهة التي يعمل بالتنسيق مع السوريين والايرانيين على تحويلها الى منطقة عمليات هجومية ودفاعية لمواجهة الحلف الاسرائيلي التكفيري، وهذا يعني ان هذه الاستراتيجية لم تتوقف، ولم تتعرض للضرر، ولعل الغارة الاسرائيلية «المفاجئة» في اسلوبها المباشر تتحول الى «فرصة» جدية لتصحيح احتمال وجود خلل في الخطط الموضوعة والتي يجري العمل على اعادة تقويم سريع لها لتتناسب مع الوقائع والمعطيات الجديدة.
اما على مستوى الساحة اللبنانية، فتؤكد تلك الاوساط، ان اعتداء الجولان فرض حالة غير مسبوقة من الاستنفار ورفع درجة التنسيق مع الاجهزة الامنية اللبنانية بسبب الخشية من احداث مشبوهة قد تقوم بها اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بالتعاون مع المجموعات التكفيرية التي اصبح التنسيق بينها يتم دون «قفازات»، وفي هذا السياق بدأ العمل على تشديد الرقابة على «البؤر» الامنية المشبوهة، ويتم التركيز على المناطق اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، وكذلك في عدد من مناطق الشمال والبقاع والجنوب، وخصوصا صيدا ومخيم عين الحلوة، في محاولة للتضييق على بعض العناصر الفارة المطلوبة والتي سبق تورطها بعمليات تنفيذية على الارض لاستباق اي محاولة تخريبية تهدف لارباك الساحة الداخلية، واحراج حزب الله واغراقه في ازمات تجعله مكبلا، وتقلل فرصه في الرد على اغتيال قياداته في القنيطرة.
وتتحدث تلك الاوساط عن ثلاثة مخاطر محتملة يجري العمل على منع حدوثها، الاحتمال الاول قيام المجموعات التكفيرية بتوجيه ضربات صاروخية «لقيطة» الى المستوطنات الاسرائيلية لتوريط حزب الله واحراجه امام الرأي العام اللبناني حلفاء كانوا ام خصوم، ووضعه في دائرة الاتهام بتوريط لبنان في حرب مفتوحة لا تتناسب مع حجم ومكان العملية التي تمت خارج الجغرافيا اللبنانية، وهذا الامر ان حدث سيسمح ايضا لاسرائيل باستعادة «زمام المبادرة» لابتزاز الحلفاء والخصوم بامتناعها عن الرد مقابل وضع قواعد «لعبة» جديدة تجنبها رد حزب الله المرتقب.
الخطر الثاني يتمثل باحتمال تكثيف المجموعات التكفيرية عملياتها الارهابية على الساحة اللبنانية واختيار مناطق حساسة بعيدة عن الاجراءات الامنية المشددة المتخذة من قبل حزب الله والاجهزة الامنية اللبنانية، فاستعجال اسرائيل لارباك المقاومة قد يدفع هؤلاء الى البحث عن عمليات «سهلة» ولكن مؤذية «لبيئة» المقاومة وحلفائها، وهذا الاحتمال القائم يحقق بالنسبة الى الاسرائيليين اكثر من هدف، اهمها اشغال الحزب في ساحته الداخلية عبر اغراقه في تلك المواجهة المفتوحة مع التيارات التكفيرية، وكذلك فان ذلك سيكون ضربة معنوية للمقاومة لان تعرضها في اوقات متقاربة لضربات متتالية سيؤدي الى اضعاف معنويات جمهور حزب الله التي سيترسخ في ذهنه ان قيادته تتلقى «الهزائم» وهي عاجزة عن الرد داخل لبنان او خارجه.
اما الخطر الثالث الذي يجري التعامل معه بجدية فيتمثل باحتمال عودة الاغتيالات السياسية الى الساحة اللبنانية، وهذا الامر شديد الخطورة لان استهداف قيادات من لون ومذهب معين او من احزاب سياسية مصنفة في خانة «الخصومة» مع حزب الله سيقلب «الطاولة» على الجميع في لبنان ويعيد «خلط الاوراق» الداخلية التي ستزيد الضغوط على حزب الله من جهة، وتبدل اولوياته من جهة اخرى بعد محاصرته بالاتهامات وتحميله المسؤولية، وهذا سيؤدي حتما الى ارباك المقاومة ما يقلل برأي الاسرائيليين من احتمال رد الحزب على عملية الاغتيال.
هذه المخاطر تاخذها الاجهزة المعنية على محمل الجد وثمة متابعة دقيقة للتطورات في محاولة لمنع وقوع اي منها، وفي هذا الوقت يستكمل جهاز امن المقاومة البحث في خيارات الرد المتاحة بالتكافل والتضامن مع الحلفاء، ومن يظن ان الوقت سيكون عاملا ضاغطا على حزب الله، فهو لا يعرف جيدا كيف تفكر قيادته، فللرد حسابات مختلفة تتعلق بمعطيات منظورة، واخرى ستبقى طي الكتمان، ولذلك لا معنى لاستمرار التمرين الفكري للاجابة على سؤال متى؟ وكيف؟
(الديار)