كيفية الردّ بين الاستنزاف والحرب عامر نعيم الياس
ترابط الجبهات، مفهومٌ قامت عليه الاستراتيجية العسكرية الصهيونية منذ التوجه لإعلان الكيان الغاصب على أرض فلسطين، ولم يكن يوماً الأمر حاضراً في ذهنية الطرف المقابل أي الدول العربية، فالخلافات والارتباط بالغرب منعا تحقيق أي شكلٍ من أشكال الترابط الفاعل، لكن ما بعد آذار 2011 في سورية ليس كما قبله، وما بعد يوم أمس في القنيطرة يبدو أن لن يكون كما قبله. ردّت «تل أبيب» على الاستراتيجية الهجومية التي أعلن عنها السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله في مقابلته مع قناة «الميادين»، بهجوم استهدف كوادر مهمة من الحزب على الجبهة الشرقية التي باتت، بحسب الإعلام الصهيوني، «جبهة شمالية موحدة». والأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فالسيد حسن أشار في مقابلته إلى وحدة الردّ ووحدة الجبهات. فالمحور المقاوم صار يتحرّك ككتلة واحدة متناسقة تارة بشكل جماعي وتارة أخرى في إطار لعبة تبادل الأدوار. والمعركة في سورية صارت الجبهة الأساس في إدارة المواجهة مع الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
نقلت المعركة إلى سورية وارتقى ستة شهداء من حزب الله بينهم قائد ميداني بارز والآخر يكتسب أهمية معنوية كونه ابن الشهيد عماد مغنية، وكونه سليل عائلة شهداء، والواضح أنّ العملية التي نفّذتها المروحيات «الإسرائيلية» لم تأتِ صدفةً بل كانت ناتجة عن عمل استخباري دقيق ومستمر منذ فترة يقوم على مراقبة الهدف المهم. وبالتالي، الهجوم ليس ردّ فعل وليس وليد معلومة آنية اتخذ على إثرها القرار. فالقيادة الصهيونية تدرك تماماً ماذا تفعل وأين تضرب وما هي احتمالات الردّ، لكن توقيت العملية إضافةً إلى ميدانها وحجم الشهداء الذين ارتقوا، ونوعية السلاح الذي شارك في تنفيذ هذا الاغتيال الجماعي، يجعل منها مختلفةً عن العمليات التي سبقتها سواء اغتيال الشهيد عماد مغنية في سورية في حيّ كفرسوسة عام 2008 بعبوة ناسفة، أو اغتيال الشهيد حسان اللقيس في الضاحية الجنوبية لبيروت. نحن هنا لسنا أمام عملية استخبارية بحتة، بل نحن أمام جهد عسكريّ أمني مركب بتوقيت حساس تفرض على الحزب وقيادته وحلفائه الردّ، لكن السؤال يبقى حول طبيعة هذا الردّ؟
لم يتصرّف حزب الله ولا حتى أيّ من حلفائه على قاعدة ردّ الفعل. فالاحتمالات كافة قائمة في المواجهة مع العدو، كما أكد السيد نصر الله، وقيادة الحزب همها الأساس وقضيتها وجبهتها هي جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني مع كل ما يتطلبه هذا الأمر من استعداد ومراكمة خبرات وتسليح نوعي واستراتيجيات أعلن عن بعضها في مقابلته على قناة «الميادين»، والتي كان أهمها تطوير الفكر العسكري ورسم أطر جديدة للمواجهة مع الكيان الصهيوني، تنقل المعركة من لبنان إلى داخل فلسطين المحتلة حتى حدود الضفة الغربية، فضلاً عن الصواريخ الاستراتيجية ذات الدقة العالية، وهو ما أحرج الحكومة الصهيونية التي أرادت الردّ على الإعلان عن استراتيجية الهجوم بالهجوم وخلط الأوراق في المنطقة على قاعدة ليس فقط الخطاب الجديد لحزب الله ودوره الإقليمي الأكثر وضوحاً في سورية. لا بل أيضاً في مواجهة بوادر تحوّل نوعي في الموقف الأميركي من التفاوض مع الدولة السورية على قاعدة قبول الأسد، ما يهدّد «الإنجازات الإسرائيلية» على خط الفصل في الجولان المحتل بترسيخ وجود ميليشيات مسلحة مرتبطة بها بشكل كامل وتنسق معها على أعلى المستويات بما فيه العسكري، وهو ما ذكره بشكل مباشر السيد نصر الله.
إن أيّ اغتيال يستوجب اختراق، وأي اختراق يستوجب تحديد الخلل، ثم الانتقال إلى الردّ الذي سيحدّد بدوره ما إذا كان الردّ ردّاً، أم أنه فتيلٌ لإشعال حربٍ في المنطقة لا يبدو أن الجميع في وارد وضعها في حساباته في المدى المنظور سواء في محور المقاومة، أو على مستوى الكيان الصهيوني وقياداته العسكرية والسياسية، لكن المؤكد أن الردّ آتٍ وجبهة الجولان صارت ساحة مواجهة واستنزاف لا تقل أهمية عن جنوب لبنان وعن داخل فسطين المحتلة. جبهات مع دولة الاحتلال لا يعرف في أيٍّ منها سيكون ردّ حزب الله الذي سيرسم معالم ما هو مقبل في المنطقة.
(البناء)