مقالات مختارة

إسرائيل وإيران… تغيير قواعد اللعبة في سورية؟ سامي كليب

 

لم يكن حزب الله المستهدف الأول بالغارة الإسرائيلية على مقاوميه في الجولان. صحيح أن ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، في مقابلته مع «الميادين»، سرَّع الاعتداء الإسرائيلي، لكن قتل ستة من أعضاء الحزب وقيادي عسكري إيراني في هذا التوقيت بالذات، له أسبابه الإيرانية الواضحة. وهذه أبرزها:
في التوقيت، كان كلام نصرالله عن سلاح جديد وعن جاهزية المقاومة مُقلقاً أمنياً، ولكن أيضاً سياسياً، لإسرائيل.

فمثلُ هذا التصريح ــــ التهديد، قبل أقل من شهرين من الانتخابات الإسرائيلية الضبابية التوازنات حالياً، يؤثر سلباً على الليكود وعلى مستقبل بنيامين نتنياهو، بالرغم من تقدمه الطفيف في الاستطلاعات. كذلك يؤكد هذا الكلام أن قدرات المقاومة ازدادت بالرغم من المشاركة في الحرب السورية وليس العكس، فلا بد، إذاً، من تحميل إيران مسؤولية وصول السلاح الجديد.
في التوقيت، أيضاً، تزامن الاعتداء الإسرائيلي مع استئناف المفاوضات الإيرانية ــــ الغربية وجرأة الرئيس باراك أوباما في القول إنه سيستخدم حق الفيتو ضد أي قرار للكونغرس يرفع منسوب العقوبات على إيران. إسرائيل، الراكبة دوماً على صهوة الكونغرس الأميركي، لا تزال تعتبر هذا الاتفاق بمثابة الخطر الوجودي الأكبر عليها. وهي تعتقد بأن خلط الأوراق الأمنية في المنطقة وتسليط الضوء على الوجود الإيراني في سورية مهم في هذه اللحظات المفصلية.
في التوقيت كذلك، جاء الاعتداء الإسرائيلي قبل 24 ساعة فقط من الزيارة المهمة جداً التي يقوم بها وزير الدفاع الروسي ووفد من وزارته لإيران، حيث ستُوقَّع اتفاقية أمنية ودفاعية جديدة تقلق إسرائيل ودول الجوار الخليجي.
صحيح أن العلاقات الروسية ــــ الإسرائيلية ليست سيئة، لكن دعم موسكو للقرار الفلسطيني بتحديد فترة زمنية لإنهاء الاحتلال في مجلس الأمن، وتكثيف المساعي الروسية لتوفير حل سياسي في سورية، وتقارب موسكو الكبير مع طهران، كلها أمور تقلق إسرائيل. تُضاف إليها عودة الكلام الروسي عن عملية السلام ودعم الدولة الفلسطينية وفق ما قال أخيراً وزير الخارجية سيرغي لافروف.
الضربة الإسرائيلية، بهذا المعنى، تحذير لروسيا من الذهاب بعيداً على المستوى العسكري مع إيران الداعمة لحزب الله.
في التوقيت، أيضاً، أعقبت العملية الإسرائيلية البروباغندا الإسرائيلية الواسعة على المستوى الدولي لاستقبال يهود فرنسا في مستوطناتها، وذلك بعد الاعتداء الغامض الأهداف على متجر يهودي قرب باريس. لعل قصر نظر نتنياهو وصحبه يفترض أن العالم يؤيد أي عمل إرهابي إسرائيلي حالياً وأينما كان. ثم إن إسرائيل تستمر بالضغط على باريس لتشجيعها على المضي قدماً في موقفها الضاغط على إيران.
لعل أحد الأسباب هذه سرَّع الاعتداء الإسرائيلي، وقد تكون جميعها. لكن الأكيد أن إسرائيل لا تزال تعتبر إيران الخطر الأكبر. وهي، كما قالت مراراً، قد تتصرف وحدها إن تخلت أميركا أو العالم الغربي الأطلسي عنها. وهي تشعر بخطر تواجد حزب الله وايران الى جانب الجيش السوري في الجولان، ويقلقها أن هذا المحور يحسّن وضعه، فقررت توجيه رسالة قوية إلى الحزب لردعه، وإلى إيران لتوريطها برد فعل يغيّر المعادلة.
من الواضح أن إسرائيل، بعد يقينها من أن إيران وسورية وحزب الله باتوا أكثر راحة في مجالهم الحيوي الأمني والسياسي من السنوات الثلاث الماضية، قررت أن تغامر بجذب الحزب إلى رد فعل يورّط إيران وسورية، فهي على ما يبدو بحاجة إلى تطور أمني يعوق تمدد المقاومة عند حدودها. ولكنها بحاجة، أكثر، إلى ما يعرقل الاتفاق الإيراني ــــ الغربي. يقلقها كذلك أن العالم، وفي مقدمه أميركا، بات يحصر اهتمامه بمكافحة الإرهاب، ويعتمد في ذلك، ولو بصورة غير مباشرة، على إيران والجيشين السوري والعراقي وحزب الله.
هل على الحزب أن يرد؟
لا يمكن إلا أن يردّ، وهو طبعاً سيفعل كما فعل في تفجير شبعا ضد دورية إسرائيلية. أي أنه سيختار الوقت المناسب للردّ، وبعملية نوعية. يساعده في ذلك أن ثمة تعاطفاً فلسطينياً وعربياً يتجدّد حياله. فمن غير المعقول عدم الرد بعد كل الكلام الذي قاله السيد نصرالله في الآونة الأخيرة. وتعرف إسرائيل أن نصرالله لم يهدّدها يوماً بشيء لم ينفذه. والأنكى أنها تعرف قدرته على النجاح في ما ينفذ.
هل تهضم إسرائيل ردّ حزب الله؟ هذا سيتعلق بطبيعة العملية التي قد ينفذها الحزب ونوعيتها، كما يتعلق بمخططات إسرائيل لمعرفة ما إذا كانت تريد حرباً واسعة تقلب المعادلات جميعاً من حدود الجولان إلى شبعا، وتحرج أوباما والغرب حيال إيران، أم أنها تكتفي بهذا النوع من الفعل ورد الفعل مع حزب الله.
يبدو، على الأقل حتى الآن، أن إسرائيل، تماماً كحزب الله، اكتفت بهذه الرسائل الأمنية التي تقول إن ثمة قواعد للعبة يجب عدم تغييرها، وتعتقد أنها بذلك تردع الحزب لجهة الاستقرار في الجولان. أما وقد وجّهت إلى المقاومة ضربة قوية، فهي أخلّت بهذه القواعد، وعليها أن تتحمل نتائج عملية ثأرية من المفترض، استراتيجياً، أن تُنفذ قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة لتضرب عصافير عدة بحجر واحد. وهنا تكمن الخطورة.
كانت رسالة وزير الإعلام السوري عمران الزعبي واضحة أمس حين قال إن «ما يجب أن تدركه حكومة إسرائيل هو أن كلفة المحافظة على الأمن الإقليمي أقل بكثير من كلفة انفلات الأمور من عقالها وتطورها على نحو سلبي».
ربما على إسرائيل، الآن، أن تدعو الله وحزبه ألّا يكون ردّ فعل المقاومة مؤلماً جداً قبل الانتخابات، إلا إذا كانت تريد فعلاً قلب الطاولة. هذا أيضاً محتمل إذا لم يكن ثمة مجال آخر لعرقلة الاتفاق الإيراني ــــ الغربي وتحسين شروط محور المقاومة.

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى