مقالات مختارة

مراهنة على السراب د . فايز رشيد

 

أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جديد (الأربعاء 14 يناير/كانون الثاني الحالي) “استعداده الكامل للعودة مباشرة إلى المفاوضات، حال إعلان “إسرائيل” قبولها مبدأ حل الدولتين ووقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً في مدينة القدس المحتلة”، جاء ذلك أثناء لقائه وزير الخارجية الهندي س .م كريشنا . من جانب آخر قرر وزراء الخارجية العرب بناء على رغبة الرئيس عباس (الخميس 15 يناير/كانون الثاني الحالي) التوجه مجدداً إلى مجلس الأمن في توقيت لم يتم تحديده، لطرح مشروع قرار جديد حول إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي المحتلة، بعد أكثر من أسبوعين من رفض مجلس الأمن لمشروع مماثل.

على صعيد آخر، أقرّ مجلس الوزراء الصهيوني خطّة استيطانية للعام الحالي 2015 يجري بموجبها بناء ما يقارب ال 17 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات القائمة حالياً في الضفة الغربية والقدس . وفقاً للقناة الثانية في التلفزيون الصهيوني، أعلن وزير الإسكان في حكومة العدو أوري أرييل زعيم الحزب الفاشي المتطرف “نكوما” المؤتلف مع حزب “البيت اليهودي”، عن استقبال قريب لآلاف اليهود المهاجرين من فرنسا إلى الكيان، وسيتم توزيعهم وإسكانهم في القدس المحتلة . الوزراء والقادة “الإسرائيليون” يعلنون جهاراً ونهاراً، صبحاً ومساءً، أن القدس ستبقى “العاصمة الموحدة والأبدية ل”إسرائيل” . أيضاً فإن موشيه كحلون زعيم الحزب الفاشي الصهيوني الجديد “كلنا” أعلن تأييد حزبه للاستيطان وبقاء القدس موحدة وعاصمة أبدية للكيان. كذلك مجموعات عديدة من منظمات صهيونية متطرفة مثل “أمناء الهيكل الثالث”، ومستوطنون وحاخامات (من ضمنهم موشيه تندلر أستاذ الأدب اليهودي في الجامعات الأمريكية) اقتحموا مؤخراً المسجد الأقصى وجالوا فيه بشكل استفزازي .

على صعيد ثان أعلن الرئيس أوباما مجدداً: عدم أهلية السلطة للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية .

ما سبق هو أبرز الأحداث المتفرقة التي جرت في الكيان وحليفته الاستراتيجية خلال اليومين الماضيين . نسوقها بلا تعليق! وإنما للدلالة على مراهنة السلطة والرئيس عباس بشكل خاص، على إمكانية انسحاب الكيان من القدس الشرقية ووقفه للاستيطان .

الرئيس والسلطة يراهنان على سراب خادع، وعلى افتراضات وهمية، يؤكد الصهاينة عكسها في كل حين . ألم يئن الأوان للسلطة لوقف رهاناتها على استراتيجيتها المتمثلة فقط بالمفاوضات، وعلى إمكانية التزام الكيان بقرار دولي من مجلس الأمن “وهذا من المستحيل صدوره بسبب الفيتو الأمريكي المنتظر عليه حتى لو صوتت 11 دولة لصالح المشروع المنوي تقديمه لمجلس الأمن من جديد”! . السلطة لا تريد الاستفادة من دروس المرحلة الماضية في المفاوضات مع الكيان . هذه هي الحقيقة الأولى .

من زاوية أخرى، فإن حقيقة ثانية أخرى يتوجب إدراكها: لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطاً نزيهاً في الصراع بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين الكيان من جهة أخرى . لا نقول هذا الكلام جزافاً، وإنما اعتماداً على قرار للكونغرس صدر في العام 2011 . ونعتمد على نصوص رسالة الضمانات الاستراتيجية الأمريكية التي جرى إرسالها إلى “إسرائيل” في عام ،2004 وتنص الرسالة والقرار على أسس أمريكية كثيرة، منها: التزام الولايات المتحدة بأمن “إسرائيل”، وتعهدها بعدم ممارسة الضغط عليها لقبول ما لا تريده من حلول أو تسويات .

الحقيقة الثالثة، التي يتوجب على السلطة الفلسطينية إدراكها، أن الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً تاماً بالحل “الإسرائيلي” دون زيادة أو نقصان، فالموقف بين الحليفين، الأمريكي والصهيوني حول عناصر التسوية متماهٍ إلى حد كبير: واشنطن ترفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهي متفهمة للموقف “الإسرائيلي” بإبقاء القدس موحّدة وعاصمة أبدية ل”إسرائيل” .

الحقيقة الرابعة وهي أبرز من كل الحقائق: إن استراتيجية المفاوضات لم تؤد إلا إلى التنازلات الفلسطينية، وهي مستقبلاً لن تؤدي إلا إلى المزيد من هذه التنازلات . الحركات الثورية للشعوب المحتلة أراضيها والمغتصبة إرادتها تخوض المفاوضات مع أعدائها ولكن بشروط، أولها: خوض المفاوضات مع العدو ولكن في مرحلة متقدمة من النضال، تكون فيه الحركة الثورية على أعتاب الانتصار . ثاني هذه الشروط، استناد المفاوضات إلى إنجازات حقيقية على الأرض، وهذه لن يتم إنجازها إلا بفضل المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح . ثالث هذه الشروط: عدم المساومة والتفريط في حقوق الشعب الوطنية، فالعدو وجرّاء تضرره الكبير من مشروع احتلاله بالمعنيين الاقتصادي والبشري الديموغرافي . . هو بحاجة للوصول إلى تسوية، لأنه ليس لديه الاستعداد لدوام تلقي الخسائر البشرية والاقتصادية . رابع هذه الشروط: الاستناد إلى حركة جماهيرية شعبية يجري تأييدها سياسياً من شعوب ودول كثيرة .

لقد خاضت حركة التحرر الوطني الفيتنامية التي كانت تسمى ب”جبهة التحرير الفيتنامية” مفاوضات مع المحتل الأمريكي في مفاوضات باريس، بعض تلك الجولات التفاوضية لم تكن تستمر سوى دقائق قليلة فقط، يضع الفيتناميون مطالبهم على طاولة التفاوض، فإذا كان هناك تجاوب أمريكي معها، يجري الاستمرار في المفاوضات، وإلا فلا، وينسحب الفيتناميون . هناك فوارق في الظروف المحيطة سواء بالمعنى الذاتي أو الآخر الموضوعي بين النضال الفلسطيني والنضال الفيتنامي، لكن هذه التجربة التفاوضية خاضتها الكثير من حركات التحرر الوطني للشعوب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . كمثال على صحة ما نقول: تجربة حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” وحلفائه في جنوب إفريقيا، والمفاوضات التي جرت مع النظام العنصري فيها (الحليف العضوي للكيان الصهيوني) . تجربة روديسيا . التجربة الفلسطينية ذاتها، إبّان المرحلة الأولى من الثورة (قبل اتفاقيات أوسلو) مرحلة الكفاح المسلح .

على صعيد آخر، فإن المقاومة والمسلحة منها تحديداً هي الاستراتيجية المركزية التي تتبناها مطلق حركة تحرر وطني لمطلق شعب محتلة أرضه ومغتصبة إرادته، ونتحدّى أن يقوم أحد بتسمية حركة تحرر واحدة لم تعتمد الكفاح المسلح في نضالها (تجربة غاندي مختلفة تماماً عن تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . هي حركة عصيان مدني شعبي عام ضد الاحتلال البريطاني) . لذلك، فإن القاعدة العامة هي المقاومة المسلحة . هذه التي توحّد الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده: في الوطن وفي الشتات . استراتيجية المفاوضات تفرّق شعبنا .

يبقى القول، كفى وهماً ومراهنة على السراب، وكفى استجابة للضغوط الأمريكية . آن الأوان لإنهاء الانقسام ومراجعة المرحلة الماضية، والتمسك باستراتيجية المقاومة وإحيائها من جديد .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى