أوروبا: قبول الأسد وتقييم العلاقة مع الحلفاء عامر نعيم الياس
مما لا شك فيه أن مشهد مسيرة باريس التي جمعت خمسين من قادة الصف الأول في العالم، خصوصاً الأوروبيين، أظهرت حجم التحدّي الأمني الذي يواجه العالم عموماً، والأوروبيين خصوصاً. فملف «الجهاديين» العائدين أضحى حقيقة، والأرقام بدأت تسيطر على صفحات الصحافة الغربية وحتى الإقليمية. السباق المحموم بين المصادر المسؤولة والمصادر الأمنية على رفع مستوى أرقام الأفراد المتورطين في «الجهاد» في سورية، أصبح السمة الأبرز للمؤتمرات الصحافية والتسريبات الإعلامية عن بعض المسؤولين.
صحيفة «لوموند» الفرنسية أوردت في تقرير لها أن «180 ألمانياً عادوا إلى بلادهم من سورية» وهو ما رفع منسوب القلق لدى السلطات الألمانية التي تتّجه إلى «سحب البطاقات الشخصية» من الذين يشتبه بنيّتهم الذهاب إلى سورية. فالبطاقة الشخصية هي الويثقة الرسمية الوحيدة التي تؤهّل أيّ أوروبي السفر إلى كل دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً تركيا التي تعتبر الممر الرئيس لعبور القَتَلة إلى سورية والعراق. أما بلجيكا التي، وبحسب «لوفيغارو»، فتأتي في المرتبة الأولى أوروبياً من حيث عدد جهادييها في سورية نسبةً إلى عدد السكان، فقد شهدت انتشاراً للجيش بدلاً من الشرطة حول المواقع المهمة. وفي سياق عرضها تاريخ بلجيكا في الإرهاب، ذكرت «لوفيغارو» أن هذا البلد الأوروبي المجاور لفرنسا يعتبر موطن «الانتحارية الأوروبية الأولى التي فجّرت نفسها في بعقوبة ـ العراق عام 2005»، معلومة لم تكن تظهر إلى العيان أو على صفحات الصحف الغربية قبل هجمات باريس، حتى في ظل التقارير الإعلامية التي كانت تتحدث عن الشبكات «الجهادية» في أوروبا. وهو ما يشكل دليلاً آخر على حجم القلق الذي يعتري القارة العجوز نخباً وقيادات.
فرضت الهجمات التي حصلت في باريس، إلى جانب الاستنفار الأمني غير المسبوق، والمخاوف في كامل دول أوروبا إلى جانب بريطانيا من هجمات محتملة، طرح أسئلةٍ حول جدوى الاستراتيجية الغربية المتّبعة في الحرب على سورية والعراق. فالربط بين الشرق الأوسط وهجمات باريس ربط عضوي من غير الممكن التغطية عليه. وطُرحت أسئلة حول الاستراتيجيات الواجب اتّباعها في سورية وفي إدارة حرب الإدارة الأميركية على «داعش». ولوحظ توجيه مقصود نحو التغيير في الملف السوري تحديداً يرتكز بشكل رئيس على قاعدة «القبول بالأسد»، وهو ما يتماشى مع إعلان وزارة الخارجية الأميركية حول محاثات موسكو والذي طالب المعارضة المرتبطة بالغرب بقبول التفاوض مع الأسد في المرحلة الحالية، ومن دون وضع شروط مسبقة لشكل العملية التفاوضية ونتائجها. وهو تطور نوعي يصبّ في مصلحة الترويج للتراجع على قاعدة التفاوض مع الأسد من دون شروط مسبقة. أمرٌ لمّحت إليه صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في مقال للصحافية إيزابيل لاسير عنوانه «الدبلوماسية الفرنسية في مواجهة المعطى الجديد». فعلى رغم أنّ خيارات فرنسا الدبلوماسية والاستراتيجية «لن تتغيّر في المدى المنظور»، إلّا أنّ الموقف الفرنسي «بدأ يلين، والحكومة تنظر في إشراك جزء من النظام السوري في حلّ سياسي مقبل». فالقادة الفرنسيون «لن يتمكنوا من تفادي أسئلة كثيرة طرحتها الهجمات الإرهابية في باريس منها ما يتعلق بالأخطاء التي ارتكبت في المنطقة منذ بدء الأزمة السورية، وبغموض سياسات قطر والسعودية وتركيا».
الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، لا بل أنّ الانقسام في مواقف النخب السياسية في أوروبا على المستوى الحزبي تحديداً، بدأ يتفاعل هو الآخر. فالأسئلة حول ارتباط بعض القيادات الأوروبية بأموال البتروـ دولار العربية مطروحة بقوة وسط تعالي الأصوات بفكّ ارتباط بعض النخب بدول الخليج، وصولاً إلى «إعادة النظر بعلاقات بعض الدول الأوروبية بالدول التي تدعم الإرهاب وترعاه وتموّله، خصوصاً في الشرق الأوسط، والتي ترتبط معها الدول الأوروبية بعلاقة تحالف». وذلك بحسب برونو لومير وزير الزراعة الفرنسي الأسبق في عهد رئاسة نيكولا ساركوزي، والذي حلّ في المركز الثاني بعد ساركوزي في الانتخابات التي جرت أواخر السنة الماضية في حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، ويحظى بتأثير كبير في صفوف الشباب في الحزب اليمينيّ.
(البناء)