لماذا تطغى العناصر الأجنبية على تنظيمات «القاعدة»؟ 2 حميدي العبدالله

من المعروف أنّ تنظيمات «القاعدة» على امتداد العالم تتشكل من عناصر تنتشر على مساحة أكثر من 83 دولة. وبديهي أنّ التنظيمات الإسلامية التقليدية لا تمتلك لا الموازنات، ولا الكادر، ولا التمويل، ولا حرية الحركة التي تؤهّلها لتجنيد عناصر من داخل أكثر من 83 دولة بعضها لديها أجهزة أمنية فاعلة، فلولا الجهد المركز والمنسّق للمخابرات الغربية ومخابرات دول المنطقة لما أمكن بناء هذه التنظيمات وتجنيد هذا العدد الكبير من العناصر.

ثمة دافع آخر يفسّر طغيان العنصر الأجنبي على تركيب تنظيمات «القاعدة»، بكلّ فروعها وعلى شتى أشكالها، يكمن هذا الدافع في أنه سيكون من السهل على المخابرات الغربية تجنيد خمسين أو مئة أو عشرة أشخاص مدرّبين تدريباً جيداً والحفاظ على ولائهم، وتوفير الكادر الكافي لقيادة المئات، بل وحتى الآلاف كما جرى في سورية من دون الخوف والخشية من خروج العناصر غير المرتبطة عن السيطرة، ولكن من الصعب الحصول على هذا العدد من بيئة وطنية واحدة. فمثلاً لو أنه تمّ منذ البداية إيكال مهمة بناء تنظيمات «القاعدة» في سورية والعراق إلى العناصر السورية والعراقية وحدها، لخرجت التنظيمات عن السيطرة باكراً لأنه من الصعب تجنيد مئات الأشخاص الذين يدركون أنهم يعملون لمصلحة الاستخبارات وليس دفاعاً عن قضايا محدّدة، بغضّ النظر عن عدالة أو عدم عدالة هذه القضايا، لذلك منذ البداية كان هناك حرص على أن يكون الحشد الأكبر في سورية والعراق في إطار تنظيمات «القاعدة» مستنداً إلى العناصر الأجنبية المدرّبة والمعدّة والمضمونة الولاء من قبل الاستخبارات الغربية.

لكن عندما اقتضت مهمة مواجهة الجيش السوري والقوى الأمنية العراقية إلى أعداد أكبر، وأتيحت الفرصة أمام تنظيمات «القاعدة» للتوسع في تجنيد الشباب السوري والعراقي، بدأت تنظيمات «القاعدة» تشهد المزيد من الانشقاقات وتخرج عن السيطرة، أيّ بدأت العناصر التي لم يجر إعدادها وتدريبها والتأكد من ولائها في دوائر الاستخبارات الغربية تعمل لحسابها الخاص، وكانت البداية من قبل «داعش» في العراق، وهذه النتيجة لم تكن صدفة، بل هي ثمرة لهذا العامل الذي تمّت الإشارة إليه.

صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية أجرت أخيراً حواراً مع صحافي ألماني يدعى «جيرجن تودنهوفر» كان أعدّ كتاباً عن «الدولة الإسلامية» أيّ تنظيم «داعش»، وتربطه علاقة مع مسلحين اثنين في هذا التنظيم، أكد أنّ «المقاتلين الأجانب يشكلون 70 في المئة من المقاتلين في سورية و30 في المئة من المقاتلين في العراق»، وهذه الواقعة تكشف عن حقيقتين على جانب كبير من الأهمية:

الحقيقة الأولى، لماذا خرج تنظيم «داعش» عن السيطرة الغربية؟ لماذا تجري الآن عملية شيطنة هذا التنظيم دون غيره من تنظيمات «القاعدة»، ولا سيما «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، و«كتائب عبدالله عزام»، وغيرها العشرات من الفروع الأخرى، والتركيز فقط على «داعش»؟ ذلك أنّ غلبة العنصر العراقي على المقاتلين جاءت بسبب السياسة الأميركية في فترة احتلال العراق، ولا سيما حل الجيش العراقي، وقانون «اجتثاث البعث»، وغيرها من القرارات الأخرى التي وفرت بيئة دفعت بأعداد كبيرة من الضباط الذين خدموا في الجيش العراقي الانضمام إلى تنظيم «القاعدة» من دون أن يكون لهم ارتباط مباشر بالاستخبارات الغربية.

الحقيقة الثانية، أنّ طغيان العنصر الأجنبي على تنظيم «داعش» في سورية، هي نتيجة لرفض الشباب السوري للانخراط في التنظيمات الإرهابية لأنه لا وجود لدوافع مشابهة لدوافع العراقيين الذين التحقوا بتنظيمات «القاعدة»، ولذلك استدعى أداء مهمة استنزاف الدولة السورية بالاعتماد على المقاتلين الأجانب الذين يصل عددهم إلى 70 في المئة من «داعش»، والأرجح الأمر ينطبق على تنظيمات القاعدة الأخرى الناشطة في سورية، «النصرة» و«أحرار الشام» و«الراية الخضراء» وغيرهم.

(البناء)