«الصراع» داخل «المستقبل» استقواء بالنفوذ الإقليمي وانعكاس لأزمة «الحلفاء»؟ ابراهيم ناصرالدين
اثيرت الكثير من التساؤلات خلال الساعات القليلة الماضية حول خلفية التفاوت الواضح في حدة انتقادات قيادات تيار المستقبل لحزب الله على خلفية موقف الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله من البحرين، طبعا ثمة الكثير من الكلام عن توزيع ادوار، وعن «صقور» وحمائم»، وعن صراع على النفوذ داخل «التيار الازرق»، الرئيس فؤاد السنيورة واللواء اشرف ريفي مقابل الوزير نهاد المشنوق – نادر الحريري، والحديث يدور ايضا عن خلافات جذرية حول استراتيجية الحوار مع حزب الله وكل ما يتصل بادارة الملفات الداخلية المتصلة بالحرب على «الارهاب» والحملة على التيارات «الاسلامية، والاستحقاق الرئاسي، والحوار مع الجنرال ميشال عون، وغيرها من الملفات الموضوعة على «الطاولة». فأين تكمن حقيقة الازمة؟ واين الرئيس سعد الحريري مما يدور داخل تياره السياسي؟
اوساط سياسية في الثامن من آذار، تعتقد ان كل ما تقدم من اسباب لشرح هذا التفاوت في حدة المواقف السياسية واقعي ولم يعد سرا، ولا يتعلق الامر هنا بمناخ ديموقراطي يعيشه تيار المستقبل، بل يؤشر على «فساد» هذه المنظومة التنظيمية المخترقة من مواقع نفوذ سعودية تترك اثارها المباشرة على موازين القوى داخل «التيار»، وبات من المسلمات داخل «الغرف المغلقة» في «التيار الازرق»، تصنيف السنيورة ومن معه بانهم «رجال» الخارجية السعودية والامير سعود الفيصل، فيما يحسب وزير الداخلية وتياره على نظيره السعودي الامير محمد بن نايف. طبعا هذا الانقسام ليس مقدمة لحصول انشقاقات بنيوية داخل «المستقبل» ولكنه يزيد من الحساسيات، ويعزز مراكز القوى نتيجة هذا الاستقطاب الحاد الذي يساهم في استقواء القيادات المستقبلية بعضها على بعض، واحدث تجليات هذا الامر مع حدث مؤخرا عشية العملية الامنية في سجن رومية، حيث لم يجد الوزير المشنوق نفسه معنيا بابلاغ الرئيس السنيورة بالقرار المتخذ، واكتفى باجراء اتصال هاتفي مع الرئيس سعد الحريري للحصول منه على «ضوء اخضر» لتنفيذ العملية، وتلقى السنيورة «بسخط» كبير تجاوزه في هذا السياق عندما ابلغه بالامر الوزير ريفي الذي كان في «الاجواء» وتم التنسيق معه بصفته وزيرا للعدل، واصيب السنيورة «بالذهول» عندما قيل له انه لم يتم ابلاغه بالعملية مسبقا لانها ذات طابع امني وتحتاج الى السرية والكتمان!؟.
طبعا لا تخفي تلك الاوساط، وجود رهان واضح لدى فريق السنيورة على فشل الحوار مع حزب الله، فمنذ البداية لم يخف هؤلاء معارضتهم لاصل الفكرة، لكن الامر يتطور الى ما هو اخطر من ذلك، عبر الانتقال من مرحلة الرهان الى محاولة تخريب الحوار، وهذا الامر يحصل بشكل مبرمج من خلال سيل من التصريحات والمواقف العالية النبرة التي تستهدف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله شخصيا، وذلك لعلم هؤلاء ان لهذا الامر «حساسية» مفرطة في «الشارع» الآخر، وهو امر «يطرب» له بعض المتشددين في «شارعهم»، وهنا مكمن الخطورة، لان ما يفعله هؤلاء هو استهداف البند الاول الاهم على «طاولة» الحوار والمتمثل بخفض منسوب الاحتقان المذهبي في البلاد. فما الجدوى من الحوار اذا؟
هذا هو السؤال الذي يريد الفريق الرافض للحوار ان يصل الى مسامع دوائر النفوذ السعودية المؤيدة للحوار مع حزب الله، فمن جهة يريد «سقوطا» مدويا لاصحاب هذا المشروع داخل تيار المستقبل بحسب الاوساط، ومن جهة اخرى يعمد فريق السنيورة الى تكبير «حجر» تصريحات السيد نصرالله تجاه البحرين في محاولة منه لاقناع مؤيدي الحوار بان لا جدوى من الجلوس على «طاولة» واحدة مع حزب الله لانه غير مستعد لتغيير اي من مقارباته الداخلية والخارجية.
لكن مشكلة هذا «التيار»، رأي اوساط ديبلوماسية في بيروت، انه لا يملك حتى الان اي خيارات بديلة يمكن الركون اليها في تبديل قرار الحوار الاستراتيجي الذي تحدث عنه الوزير المشنوق، فحال تيار المستقبل في لبنان يشبه حالة كل الحلفاء الاقليميين والدوليين الذين وجدوا انفسهم فجأة «وجها لوجه» امام مشكلة مستعصية اسمها «الارهاب»، وبعد ان ساهموا في رعاياتها وتوظيفها، يدفعون اليوم ثمن خروجها عن السيطرة، بعد ان نجح «خصومهم» في وضعهم امام «الحائط».
تشرح تلك الاوسط هذه المعادلة بالقول، ان العمليات الارهابية في شوارع باريس تقدم اكثر النماذج وضوحا عن انتقال الازمة الى «خصوم» محور المقاومة، فالغرب يجد نفسه اليوم مضطر للتعامل بجدية مع تجفيف منابع الارهاب التي ساهم في رعايتها لاسقاط النظام السوري، ومؤتمر واشنطن في 18 شباط سيكون منعطفا هاما في هذا السياق. وقبل ذلك نجحت ايران في تحويل «النكسة» العراقية الى «فرصة» بعد ان اضطرت الولايات المتحدة الى الاقرار بالدور الايراني الذي نجح في رسم «خطوط حمراء» على الارض حول مناطق حيوية تعتبرها طهران استراتيجية بالنسبة اليها، ورمت «كرة لهب» المناطق المحسوبة على نفوذ السعوديين والاميركيين في «حضن» «الائتلاف الدولي الذي يتخبط في استراتيجيته العراقية والسورية.
وفي السياق نفسه فان نفوذ المجموعات الإسلامية المتطرفة في مناطق الشمال السوري المحاذية لتركيا تحول الى عبء على الحكومة التركية ومعها الائتلاف الدولي، ومعارك كوباني نموذج «صارخ» على نجاح هذه الاستراتيجية، اما اكثر الامثلة وضوحا على نجاح هذه المعادلة القاضية بتحويل المناطق التي يسيطر عليها «التكفيريون» الى مشكلة إقليمية ودولية، فهي على الحدود الجنوبية، حيث تزداد الضغوط على الاردن بعد ان وصلت «رسالة» واضحة من دمشق تفيد بان من «صعد بالحمار الى المأذنة عليه انزاله»، وبمعنى آخر ابلغت سوريا من يعنيه الامر بان من ساهم بادخال الارهابيين الى المناطق السورية عليه دفع ثمن ذلك، اي ان مشكلة درعا اردنية وليست سورية، هذا الامر يضاعف القلق في عمان من تحولات دراماتيكية، فرض سوريا التنسيق يتزامن مع معلومات عن امكانية شن الجيش السوري هجوم مباغت في درعا يؤدي إلى وضع «إستثنائي» على الحدود مع مدينة الرمثا يضطر فيه الأردنيون لإستقبال المزيد من اللاجئين، ويضعهم وجها لوجه مع «جبهة النصرة» التي ستبحث عن ملاذات آمنة جنوبا.
هذا الامر نجح ايضا في لبنان تقول الاوساط، بعد ان وجد تيار المستقبل نفسه محاصرا في مواجهة المد الارهابي الذي برز بابشع «وجه» في عرسال، وانقلب «سحر «المكابرة» بعدم التنسيق مع الجيش السوري على «الساحر» بعد ان تحولت تلك البؤرة الى ازمة داخلية لبنانية وبات «التيار الازرق» امام خيار من اثنين، اما الاستمرار بدعم الارهابيين او مؤازرة الجيش في مهمته، طبعا هنا كان «التيار الازرق» مضطرا الى التراجع عن رهاناته بجعل الشمال وعرسال «خاصرة » رخوة لحزب الله والجيش السوري، وتحت وطأة تسارع الاحداث التي خرجت عن السيطرة، وجد نفسه في «خندق» واحد مع المؤسسة العسكرية وحزب الله في الحرب على التنظيمات الارهابية التي «التهمت» «بيئته الحاضنة»، فكان الخيار الطبيعي الذهاب الى الحوار لتقليل الخسائر. ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني بكل وضوح، ان السؤال عن موقف الرئيس سعد الحريري ليس في مكانه بحسب الاوساط لانه بكل بساطة لا يملك في هذه المرحلة انتقاء عدة خيارات، فهو محكوم بوقائع لبنانية وخارجية لا تسمح له الا بممارسة اقصى درجات التهدئة الممكنة، وتبقى سقوف «الحمائم» و«الصقور» في تياره مضبوطة على ايقاع تحكمه بالسيولة المالية، فيما قرار الخيارات الاستراتيجية لتيار المستقبل في مكان آخر، وحتى الان فان تقديرات الاستخبارات السعودية والاميركية لا تنصح بالاقدام على اي مغامرات غير محسوبة على الساحة اللبنانية.
(الديار)