ساركوزي مرشحاً للديوان الأميري القطري عامر نعيم الياس
ما بين الأمني والسياسي، يجد الغرب نفسه على طرفي نقيض من سياسته في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً، وما أفرزته هذه الأزمة من تداعيات على دول الجوار شملت العراق الذي صار أولوية في حرب جديدة لأوباما على إرهاب أتى لمواجهته، إذ بات من الواضح أن لكل رئيس أميركي منظمة وهابية متطرّفة تستهدف جهوده في نشر «الديمقراطية» وإحلال «السلام والأمن الدوليين».
فرنسا التي هزت أنحاءها هجمات إرهابية منسّقة، أعادت الحديث عن السياسي والأمني إلى الواجهة، وعاد معه الصراع السياسي الداخلي، فالفرصة مواتية لإحراز نقاط على رئيس يعد الأدنى شعبية في تاريخ الجمهورية الفرنسية، ويبدو أنه سيظل كذلك في ظل عدم ارتفاع شعبيته على رغم ما أعلن عنه عشية أحداث «شارلي» وسط باريس، ومع استبعاد ممنهج من الدولة العميقة لمارين لوبين رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية، يعود اليمين ممثلاً بنيكولا ساركوزي، رئيس حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، لتصدر المشهد السياسي الفرنسي، إذ إنه من شبه المؤكد عودة اليمين الفرنسي إلى الحكم مع هذا الإخفاق متعدد الأوجه لليسار الفرنسي ممثلاً بالحزب الاشتراكي ورئيسه هولاند.
وبالعودة إلى الأمني والسياسي، لوحظ توجّه لدى بعض الصحافة الفرنسية والبريطانية إلى التفريق بينهما على خلفية تحوّل الخطر الجهادي إلى واقع ملموس في أوروبا، والبدء بمرحلة التطبيق العملي للخبرات التي اكتسبت في سورية وغيرها على أراضي الدول الغربية من أستراليا وكندا إلى بلجيكا وفرنسا، وفي هذا السياق تقول صحيفة «لوموند»: «لا يمكن لساركوزي تجاهل الدور القطري المباشر أو غير المباشر في تمويل الإرهاب الوهابي… كما أنه لا يستطيع تجاهل إجماع اثنين من قادة الاستخبارات الفرنسية السابقين على دور قطر». إن هذا التفريق يستند في جزء منه إلى تحميل السياسي مسؤولية تبنّي تقدير خاطئ للموقف وبالتالي اعتماد سياسات فاشلة أوصلت الأمور إلى ما شهدناه، وبالتالي فإن ضرورات تغيير السياسات تمهيداً للتغيير في القيادة السياسية تطرح نفسها بقوة على المشهد العام، وفي الحالة الفرنسية من الواضح أن التغيير محصور بين السعودية وقطر. إذ لوحظ أن هولاند أقرب إلى السعودية من قطر، على عكس سلفه نيكولا ساركوزي الذي كان أقرب إلى الدوحة من الرياض، لكن من دون أن يعني ذلك عدم احتفاظ الرئيسين بعلاقة مميزة مع كلا النظامين الأميري والملكي في الرياض والدوحة، يقول المدير السابق للاستخبارات الداخلية الفرنسية، إيف بونيه، «لا نجرؤ على التحدّث عن السعودية وقطر، لكن يجب على هؤلاء الأشخاص وقف تمويل بعض النشاطات المثيرة للقلق»، أما لويس كابريولي المدير المساعد السابق لمكافحة الإرهاب في الاستخبارات الداخلية فقد كان أكثر مباشرة حين قال في الثامن من تشرين أول 2012 إن «الفرنسيين يتوجهون إلى معسكرات التدريب على الجهاد في تونس وليبيا، تلك المعسكرات التي تمولها قطر، وذلك تمهيداً للتوجه إلى سورية»، فهل توجد إمكانية لحدوث تغيير في مواقف الساسة الفرنسيين؟
لا يبدو أن هولاند وحتى ساركوزي أو أي شخص من الحزبين الاشتراكي والاتحاد من أجل حركة شعبية، ينويان الخروج من دوامة المال الخليجي، وبالتالي فإن الإطار العام للسياسة الفرنسية في المنطقة سيبقى تارةً ناطقاً أوروبياً عن السعودية، وأخرى ناطقاً عن قطر، وهنا يرى الكاتبان فانيسا راتينييه وبيير بييان في كتاب حول ساركوزي أن الرئيس الفرنسي الأسبق «ليس فقط صديقاً لقطر، بل هو استثمار» ففي عام 2007 عندما أطلق الرئيس الليبي المغدور معمر القذافي سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، تولت قطر دفع التعويضات فيما استقبلهم ساركوزي، وخلال سنوات حكمه الخمس أعفى ساركوزي قطر من دفع الضرائب على ممتلكاتها العقارية في فرنسا. أما صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية فذكرت عام 2012، وعقب خسارة ساركوزي للانتخابات الرئاسية عن نيّته «إنشاء صندوق استثماري أعربت قطر على الفور عن استعدادها لتمويله بمبلغ 250 مليون يورو».
تختم «لوموند» قائلةً: «على ساركوزي قطع علاقته بقطر، على رغم طموحه السياسي»، رأي فرضه توتر أمني استمر يوماً في باريس، فهل يستجيب ساركوزي أم أن الأمر بحاجة إلى هزات أمنية متواترة، ترجح تقدير الموقف الأمني حول الإرهاب عن ذلك التقدير السياسي المنحرف؟
(البناء)