الدولة تخرج من خلف القضبان! ملاك عقيل
صارح الوزير نهاد المشنوق الضباط المشاركين في عملية رومية، في الاجتماع التقييمي الذي تلا تنفيذ خطة الاقتحام يوم الاثنين الماضي، قائلا «لقد اخذت على عاتقي تنفيذ هذه المهمة وتحمّل مسؤوليتها مهما كانت النتائج. وانا اعلم جيدا ان شخصية سنية فقط هي التي تستطيع تحمّل تبعات عملية كهذه واستيعاب ارتداداتها».
لم يُخطِئ المشنوق في ذلك. انتهت «الاسطورة» فعلا، لكن على يد أحد «صقور» تيار «المستقبل» السابقين، وبتوافر الغطاء السياسي نفسه الذي سبق ان تأمّن لمعركة عبرا ومواجهات الحسم في أسواق طرابلس والتبانة وترتيبات «الردع» في عرسال.
لكن، على عكس ما روّج له سابقا، لم تسقط خطة الإخلاء وتشتيت الموقوفين الاسلاميين على الرؤوس بين ليلة وضحاها. ثمّة مناخات تحضيرية شهدها السجن منذ نحو أكثر من عام، وتحديدا منذ تشرين الثاني 2013، كانت تمهّد لـ «اليوم الكبير».
آنذاك كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لا تزال تصرّف الاعمال، لكن ذلك لم يمنع الوزير مروان شربل من كشف فضيحة تبخّر الـ 9 ملايين دولار لإعادة تأهيل المبنى «د». هو المبنى نفسه الذي نقل اليه قبل ايام 865 سجينا كانوا في المبنى «ب»، بينهم 370 سجينا إسلاميا.
من جهته، يصدر المدير العام لقوى الامن الداخلي، بالوكالة آنذاك، اللواء ابراهيم بصبوص تشكيلات أوحت بنيّة خفية بالبدء بعملية الضبط ومحاصرة بقعة زيت «الإمارة» المنفلشة على مزيد من السيطرة والتي وصلت الى حد عرض الاموال السخية على بعض الضباط لـ «شرائهم» أو تهديدهم بعائلاتهم!
يومها عيّن كل من النقيب يوسف الزعتري آمر سجن المبنى «ب»، النقيب خالد ناصر آمر سجن الاحداث، النقيب ناصر بو كروم آمر سجن المحكومين، النقيب كميل بعيني آمر المبنى «د» الذي كان قيد الترميم، النقيب جوزف غانم آمر مجموعة التفتيش الخاصة على مدخل سجن رومية المركزي.
الهدف الاول من هذه التشكيلات كان إزاحة العديد من الضباط والعناصر ممن حامت حولهم الشبهات بتهم فساد وتسهيل إدخال الممنوعات الى المساجين، وخصوصا الاسلاميين منهم. وبالفعل لم يتأخّر الوقت حتى تمّ توقيف والتحقيق مع العديد من هؤلاء بينهم آمر مبنى «د»، وقائد سرية، وآمر سجن الاحداث، وآمر سجن المحكومين.
بعد هذه المحطة بدأت التغييرات تلفح سجن رومية، لكن ليس لناحية فكفكة الدويلة في الطابق الثالث الخاص بالاسلاميين في المبنى «ب» والتي لم يتجرّأ أحد على المسّ بـ «أعرافها»، بل لجهة ضبط كل ما يدخل الى السجن المركزي.
وفق تأكيدات ضباط في رومية ان تعداد مساجين المبنى «ب» بدأ فعليا مع بداية العام المنصرم كل يوم الساعة الخامسة صباحا، حيث كانت تقفل فقط أبواب الطوابق (الفاصلة بين الطابق الاول والثاني والثالث)، ثم يعاد فتحها بعد انتهاء التعداد (لمنع الاختلاط)، بينما كان يمنع سابقا رتيب الخدمة من القيام بهذه المهمة. كما تمّ الغاء تواجد العسكر داخل الطابق الثالث كي لا يعتقلوا كرهائن.
إذا بقيت «الإمارة» على حالها. غرفة عمليات مطابقة لمواصفات الخروج عن السيطرة الكاملة. لكن في الخارج كانت قلّة من الضباط تتحضّر ليوم الانتقال من المبنى «ب» الى المبنى «د»، ومن أجل ذلك اتّخذت كافة التدابير للتشدّد في منع إدخال الممنوعات من هواتف واجهزة وأطعمة معينة إذا كان يصعب تفتيشها.
ساعد في ذلك عمل مجموعة التفتيش الخاصة مزوّدة بآلات سكانر على المدخل الرئيسي، وأمام مباني السجون، فضلا عن اعتماد منطق التذاكي والاحتيال لتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، ومن دون استفزاز الحاكمين بأمرهم.
هكذا، ومع تسلّم حكومة الرئيس تمام سلام مهماتها بدءا من شباط 2014 بدا ان «نَفَسا» سياسيا جديدا بدأ يشقّ طريقه نحو رومية يخالف مرحلة «التطنيش» المقصود منذ العام 2009. وقد انعكس هذا التوجّه النوعي، وفق مصادر مطّلعة، بحصول جهد أمني كان يتمّ «على السكت» على مستوى الامن العسكري وفرع المعلومات في قوى الامن بالتنسيق مع باقي الاجهزة لضبط وضع السجن قدر المستطاع الى ان يحين اوان الحسم.
ووفق معلومات لـ «السفير» فإن دفعة من التشكيلات ستصدر قريبا وستطال مواقع محدّدة يراد منها ترجمة سياسة التشدّد الجديدة حيال «ضيوف» المبنى «د»، والذين سيتمّ إعادة قسم منهم بعد إعادة تجهيز المبنى «ب».
مع العلم بان عددا من ضباط رومية كانوا على تنسيق وتعاون دائمين مع المدير العام لقوى الامن الداخلي مباشرة، وكان الاخير يشجّعهم حتى لحظة حصول عملية الانتقال على تحمّل عبء الضغوط والمرحلة الصعبة التي اقتضت إدارة أمر واقع شائك ومعقّد وقرار حسمه ليس بيد العسكر. وكان يقول لهم بالحرف الواحد «المطلوب شراء الوقت حتى تنفيذ خطة الانتقال، مع خطين أحمرين: منع التهريب ومنع الهروب».
ورومية ما بعد «عملية الفجر» لا تشبه ما قبلها. عمليا، ومنذ الساعات الاولى لإتمام خطة الانتقال تمّ تشغيل أجهزة التشويش، ما عزل المساجين كليا عن العالم الخارجي.
واليوم يتوزّع الـ 370 سجينا إسلاميا على الـ 180 غرفة داخل المبنى «د» بمعدّل سجينين من الموقوفين الاسلاميين داخل كل غرفة بات يتواجد فيها سجناء بتهم جنائية، بينما لا يتعدى عدد نزلاء الغرفة الواحدة الثمانية أشخاص (سابقا كان 265 من أصل 370 سجينا اسلاميا يتمركزون في الطابق الثالث والبقية تتوزّع على الطابقين الثاني والاول والنظارة في الطابق الارضي).
وتفيد المعلومات بأنه تمّ توزيع أعضاء اللجنة الشرعية على غرف المبنى «د» بشكّل أدى الى قطع الاتصال والتواصل بين أعضائها، بينما يجزم ضباط بأن هذه اللجنة كانت غير ثابتة، بعدد أعضائها، وغير مرئية!
كلّ عدّة الشغل من تجهيزات وتلفونات و»رسيفر» وانترنت صارت من الماضي، مع جدول جديد للزيارات وتركيب كاميرات حتى قرب آلات السكانر. ووفق تأكيدات المسؤولين سيتمّ للمرة الاولى تطبيق قانون السجون كما يفترض تطبيقه.
ويشبه المبنى «د» المبنى «ب» في تقسيماته لكنه بات مجهّزا اليوم بالقدر الكافي لمنع اي اعمال شغب او تمرّد أو فرض أمر واقع. كما جهّز بأبواب حديدية يستحيل خلعها، وبكاميرات مراقبة، بينما صدر القرار بمنع جلب الاكل من الخارج والاكتفاء بطعام السجن.
تفاعل الموقوفون الاسلاميون مع الايحاءات بإمكانية الافراج عن بعض منهم في عملية التبادل مع المخطوفين العسكريين بالقدر الذي لم تخرج فيه الامور عن السيطرة.
بعد انتهاء العطلة القضائية تمنّع بعضهم عن حضور الجلسات، رافضين الامتثال لطلبات رئيس المجلس العدلي القاضي انطون عيسى الخوري، مبرّرين ذلك بكون بعضهم قد يفرج عنه في صفقة التبادل التي ربما ستشمل الموقوفين وليس المحكومين، وبأن أحكام المجلس العدلي جائرة، ولا لزوم للمثول أمامها. يقول ضباط مسوؤلون «كان ثمّة استعداد لسوقهم بالقوة الى الجلسات، لكن لم تصدر اي إشارة عن القضاء بذلك».
(السفير)