المشنوق في الرابية: الحوار.. خيار استراتيجي كلير شكر
في «عصر الحوار»، كل الطرق سالكة أمام المواكب السياسية من دون الحاجة إلى سلاسل معدنية تمنع التعرّض للانزلاق على جليد الخلافات السياسية المتراكمة منذ سنوات.. ويصبح مشهد جلوس نهاد المنشوق في الصالون البرتقالي أكثر من عادي، خصوصا وأن وزير الداخلية حريص على حماية علاقته بالعماد ميشال عون، وهو يتعامل معه بالكثير من الاهتمام والدلال مذ أن حمل لقب «المعالي» وأمسك «وزارة الوزارات».
لم تكد تمرّ ثلاثة أسابيع على ولادة حكومة تمام سلام، وقبل أن يبصر البيان الوزاري النور، كان «ديك الصنائع» يصيح من الرابية، في اطار جولة «الجغرافيا السياسية» التي قادته إلى كل المقرات السياسية، بما فيها «حزب الله» قبل انعقاد الحوار بأشهر طويلة (التقى النائب محمد رعد والوزير محمد فنيش في مجلس النواب).
ومع أنّ الرجل لم يكن في عداد «الرُسل» المكلفين نقل «رسائل الود» بين «الجنرال» وسعد الحريري خلال مشوارهما الحواري القصير، إلا أنّه تقصّد الحفاظ على شعرة التواصل مع العونيين، ومع قيادتهم بالتحديد، ضمن نهج عام اختاره لنفسه ويقضي بتفجير كل الألغام العالقة في حاضره الوزاري.. وأمام مستقبله السياسي المفتوح على كل الاحتمالات.
هكذا أنجز وزير الداخلية ملف التعيينات الإدارية الموروث من أسلافه (منذ العام 2005)، لا سيما المحافظين والقائمقامين، بفضل القنوات المفتوحة مع كل القوى السياسية، خصوصا نبيه بري وميشال عون.
بالأمس، دقّ المشنوق باب الفيلا البرتقالية في الرابية مزهواً بـ «الانتصار» الذي حققه في سجن رومية، بعد تهاوي «امارة الإسلاميين» في المبنى (ب) ليقطع كل صلة «الكترونية» لهؤلاء بالعالم الخارجي، ويساويهم ببقية السجناء الموجودين في كل سجون لبنان.
طبعاً، ما كان لهذا الإنجاز أن يرى النور، لولا حزام الأمان السياسي المتين الذي أمّن له الحماية الكاملة، لكن في زمن حوار «حزب الله» و «المستقبل» يصبح كل شيء معقولاً وقابلاً للتحقيق.
يعرف نهاد المشنوق، ابن «الصيغة» (بامتداداتها العربية) وخريج «مدرسة تقي بيك» (الصلح)، والعامل في حضرة رفيق الحريري على مدى سنوات طويلة، كيف يقتنص التوقيت المناسب، فترك «ساعة الصفر» إلى حين سقوط الدماء من جديد من جبل محسن.
وبرغم تحذيرات معاونيه وأصدقائه وعائلته، قرر أن يغامر، فسلك موكبه الدروب من بيروت الى الشمال، ليس من أجل التقاط صورة في التبانة يعلن عبرها تضامنه مع الضحايا، بل الى جبل محسن، حيث شكل وصوله الى هناك صدمة للأهالي المفجوعين، فاعتبروا الزيارة أكبر تعزية لهم، خصوصا وأنهم عولوا على نواب طرابلس أن يبادروا الى هكذا خطوة لكنهم ترددوا وانكفأوا.
من هناك، اتصل المشنوق برئيسه السياسي سعد الحريري الذي فوجئ بدوره ولم يكن على علم بالزيارة، وطلب منه أن يقوم بمبادرة ما للملمة الجراح، فكان قرار رئيس «تيار المستقبل» بمسح كل آثار الانفجارين الانتحاريين على نفقة «مؤسسة الحريري».
وليس خافيا على بعض من شاركوا في اجتماع نواب طرابلس في ذلك النهار، كيف خاطب وزير الداخلية بعض ممثلي عاصمة لبنان الثانية بأن يكونوا على قدر المسؤوليات، وقال لهم ردا على بعض انتقاداتهم: «أنا وزير داخلية كل لبنان وليس تيار المستقبل».
لم تمض 48 ساعة على انفجار جبل محسن، حتى تحدد موعد «ضربة الضربات». الى روميه در. كل من يعرف عقل وزير الداخلية يقول ان الحديث عن صلة بين الانتحاريين وغرفة عمليات سجن روميه كان مجرد ذريعة.
«الوحش السياسي» بامتياز وجد الحجة.. وطالما أن الخطة جاهزة والعميد عماد عثمان (رئيس فرع المعلومات) ينتظر ساعة الصفر: فلتكن العملية عند الفجر باشرافي مباشرة.. ومن دون أية نقطة دماء.
في هذا السياق، احتلت مشاهد الأمن من جبل محسن الى روميه المساحة الأكبر في حديث «الجنرال» وضيفه «المستقبلي»، فضلاً عن عناوين الحوار الجاري بين «المستقبل» و «حزب الله»، كما تقول مصادر مطلعة على اللقاء، نافية أن يكون المشنوق قد حمل أي رسالة استثنائية من الحريري إلى عون.
عملياً، لا يمكن القول إنّ جلوس وزير الداخلية في الصالون البرتقالي يعني عودة الحرارة إلى الحوار العوني – الحريري، مع أنّ موفدين من جانب رئيس الحكومة السابق يقصدون دوماً «الجنرال» للتشاور معه في بعض القضايا وللحفاظ على خيط العلاقة ولو رفيعاً.
وكان المنشوق قال بعد لقائه عون إنّه «وضع عون في اجواء الحوار الذي يقوم بيننا وبين «حزب الله» وبطبيعة الحال تحدثنا عن ايجابية الحوار الذي بدأ بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية». وبالطبع شرحت له عن العملية التي حدثت في سجن رومية وقد بارك كل الخطوات».
أضاف: «تفاهمنا على ان الحوار مفيد لكل اللبنانيين وهو قاعدة امان لهم شرط ألا يتضمن عنادا ولا مغالاة من أي طرف. وقد حملت للعماد عون رسالة من الرئيس سعد الحريري يؤكد فيها أهمية الحوار أيضا بين كل الاطراف والذي يشجع عليها، والجنرال ميشال عون هو جزء رئيسي من ضمانة اي حوار سواء بين اطراف لبنانية مسلمة او بين اطراف لبنانية مسيحية».
وعن التقدم في الحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله»، أجاب: «من المبكر الحديث عن تقدم ولكن الحوار خيار استراتيجي لن نتراجع عنه ورغبتنا في انجاحه اكيدة ونحن نتصرف على هذا الاساس ونتمنى ان تتصرف كل الاطراف ايضا على هذا الاساس».
وعما إذا وضع السلاح جانبا، أجاب: «أي سلاح؟ هناك أنواع عدة من السلاح. هناك سلاح يتعلق بالقتال في سوريا الى جانب النظام السوري. هذان الموضوعان مؤجلان الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية. أما باقي المواضيع فكلها موضوعة على الطاولة».
وعن قول الرئيس ميشال سليمان إن الحوارات الثنائية لن تؤدي الى انتخاب رئيس، قال: «زيارتي للعماد عون تؤكد ان الحوارات ليست ثنائية. نحن جميعا نضع بعضنا في اجواء الحوارات وكلنا نسعى للهدف نفسه وهو انتخاب رئيس للجمهورية».
وعن لوم أهالي العسكريين المخطوفين له على مواقفه، أجاب: «سأزورهم قريبا وأضعهم بكل الاجواء».
(السفير)