درعا كبوابة للخطر الإقليمي د. إبراهيم علوش
شهد ريف درعا والقنيطرة، المحاذي للأردن والجولان المحتل، معارك ضارية أواسط الشهر الفائت بين «لواء شهداء اليرموك»، أكبر تشكيل عسكري في سهل حوران، و«جبهة النصرة» التي فرضت وجودها في المنطقة بشكل متزايد خلال العام المنصرم. حصلت آخر موجة من العنف المتبادل بين الطرفين بعد زعم «النصرة» أن قياداتٍ لواء اليرموك بايعت أبو بكر البغدادي زعيم «داعش»، وكانت بعض قيادات «النصرة» قد لجأت إلى منطقة درعا بعد معاركها مع «داعش» شرق سورية. ردَّ «لواء شهداء اليرموك»، ويسمى أحياناً بـ«جيش اليرموك»، على تهم «النصرة» بفيديو أكد فيه استقلاليته عن «الدولة الإسلامية»، كما سماها، وغيرها. وردّت «النصرة» بدورها بفيديو يحوي اعترافات أسرى عناصر من «لواء شهداء اليرموك» تؤكد ولاء اللواء لـ«داعش»… وكان «اليرموك» قد اتهم «النصرة» بمحاولة اغتيال بعض قياداته، وهكذا وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين تخللتها عمليات خطف متبادلة، وفي النهاية حُلت المشكلة بوساطة من فصيل مسلح آخر.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تدور فيها عمليات خطف واغتيال بين «اليرموك» و«النصرة» في محيط درعا والقنيطرة، ولم يمنع ذلك الطرفين من التعاون مراراً من قبلُ في هجمات مشتركة على الدولة السورية على ما تظهر شرائط فيديو لـ«اليرموك»، واللافت في الأمر أن لـ«النصرة» مكانتها على قائمة الإرهاب الأميركية، وأن مواقعها قُصفت في شمال سورية من قِبل طيران التحالف، فيما يتلقى «لواء شهداء اليرموك» دعماً غربياً وخليجياً وأردنياً، كما أن «مجموعة أصدقاء سورية» ترعى «اليرموك» وترعى «الجبهة الجنوبية للجيش الحر» التي يقودها «اليرموك» بحسب ما صرّح قائده بشار الزعبي لصحيفة «الحياة» قبل أيام ويزعم الزعبي أن «الجبهة الجنوبية للجيش الحر» ينضوي تحت لوائها 58 فصيلاً مسلحاً في المنطقة يقول إنها تملك 38 ألف مقاتل…ويشير تقرير على موقع الـBBC مثلاً في 9 كانون الأول 2014 إلى أن معظم هؤلاء مرّ عبر فلاتر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة CIA.
كذلك تقدم وسائل إعلام غربية وعربية «لواء شهداء اليرموك» كأفضل ألوية العصابات المسلحة جنوب سورية تدريباً وتسليحاً وتمويلاً، فهو يمتلك مدرعات ودبابات ومعدات متطورة، كما تتمتع بعض قياداته بعلاقات متميزة مع جهات أمنية غربية وعربية ومع غرفة تنسيق العمليات الأمنية جنوب سورية المسماة «الموك» في الأردن. وتقابل الزعبي دورياً كبريات وسائل الإعلام الغربية مثل «نيويورك تايمز» التي شكا عبرها عام 2013 من أن الأردن يتحكم في توقيت وموضع وحجم الهجمات التي تتم عبر حدوده… ولا يترك الحبل على الغارب للعصابات المسلحة مثلما تفعل تركيا! وتعالج مستشفيات الكيان الصهيوني جرحى «اليرموك» وغيرها من جماعات «الجبهة الجنوبية»، كما «تتسرب» دوماً تقارير وأخبار في الإعلام عن علاقة الكيان الصهيوني بتلك الجماعات المسلحة التي تنتشر على امتداد عشرات الكيلومترات حول الجولان، أو على مقربة منه، بدعةٍ وسلام، وعلى مقربة شديدة من الأردن…
ربما يكون صراع النفوذ في سهل حوران خلف اتهامات «النصرة» لـ«اليرموك» وحلفائها بمبايعة «داعش». غير أن منطق صراع النفوذ نفسه، لو صح، يمكن أن يقود «اليرموك» بالدرجة نفسها إلى نسج علاقة تحالفية، في السر أو في العلن، مع خصوم «النصرة»، أي مع «داعش». يشار هنا إلى راية «اليرموك» اللوغو التي تتضمن علماً أبيض كتبت عليه الشهادتان بالأسود، على سبيل المقارنة بعلم «داعش» أو «النصرة» الذي كتبت عليه الشهادتان بالأبيض على خلفية سوداء. صحيح أن «اليرموك» يتلفع علم الانتداب الفرنسي، وأنه يقول ما يريد أن يسمعه داعموه عن «مستقبل سورية»، أو يقول بالأحرى ما يبرر موقف داعميه أمام الرأي العام في بلدانهم، غير أن النكهة «الجهادستية» ترجمة «جهادي» بالإنكليزية تطل بوضوح من بين ثنايا بياناته وخطاب الناطقين باسمه، مثلما تطل الفزاعات الاستشراقية الهوليودية كاللحية الطويلة والعمامة السوداء أحياناً، ولا يتطلب الأمر أكثر من دقيقة مع بعض فيديوات «اليرموك» للتحقق من ذلك.
من المعروف أن العدو الصهيوني استهدف دوماً وحدات الجيش العربي السوري وطيرانه خلال تصديها للعصابات المسلحة العاملة في منطقة القنيطرة ودرعا، وأن تلك العصابات لا تسالم العدو الصهيوني فحسب، بل تتلقى الدعم اللوجستي منه، وأن «لواء شهداء اليرموك» تحديداً لم يتعرض لأي استهداف أو عقاب أو مقاطعة من «مجموعة أصدقاء سورية» بعد اختطافه الجنود الفلبينيين العاملين في القوة الدولية في الجولان إندوف أكثر من مرة في ربيع عام 2013 قبل تسليمهم للأردن! ورغم انسحاب الدول المشاركة في «إندوف» الواحدة تلو الأخرى، بقيت الحدود هادئة مع العدو الصهيوني، ما يدلّ على الولاء الحقيقي لتلك العصابات.
العبرة أن السعي إلى تفكيك سلطة الدولة السورية في سهل حوران عبر دعم العصابات المسلحة، ثم مطالبة سورية بعدم إخلاء نقاطها الحدودية مع الأردن، يبدو أنه يخلي الأردن الرسمي من المسؤولية، لكنّها لعبة خطيرة جداً على الأمن الإقليمي والأردني، لا على سورية فحسب. فتلك عصابات تدين في النهاية بالولاء لداعميها الغربيين والخليجيين إن لم يحركها العدو الصهيوني مباشرة، ولا يمثل الأردن بالنسبة إليها أكثر من قاعدة خلفية ضرورية، وليست هناك أي ضمانة ألاّ يُعاد استخدامها ضد الأردن وغيره عند الضرورة، خاصة أن منطقة سهل حوران المتاخمة لمحافظة إربد، على عكس المساحات الشاسعة الملاصقة لمحافظة المفرق، مكتظة بالسكان ومتداخلة العائلات ويقبع فيها مئات آلاف اللاجئين السوريين في الجهة الأردنية، على مرمى حجر من منطقة عمليات العصابات المسلحة على الجهة السورية. ولو افترضنا جدلاً أن «اليرموك» لا يرتبط بأي علاقات مع «داعش»، فإن دعمه خلق البيئة الضرورية لتمدد «النصرة» التي يشارك فيها الكثير من الأردنيين، فهل من يفكر في عواقب ذلك على الأردن من جهة حوض اليرموك، وعلى لبنان على مفرق جبل الشيخ؟!
(البناء)