بقلم ناصر قنديل

كيف قرأها بري ونصرالله؟

nasser

ناصر قنديل

ليس بعيداً عن المنطق القول إن لبنان تخطى محنتين دفعة واحدة، الأولى تجلت في عبوره لمخاطر انفجار فتنة أهلية، بعد تفجير جبل محسن الذي كان مبرمجاً ومدروساً بحيث لا يمكن توقع القدرة على امتصاص نتائجه، ولا تفادي تداعياته من دون الوقوع في المحظور، فقد كان التفجير الانتحاري المزدوج محسوباً بأهدافه وأداة التنفيذ بحيث يكون الردّ طوفان غضب في جبل محسن يجتاح حي المنكوبين على خلفية الذاكرة المليئة بالجراحات والموروثة والنازفة والمليئة بالآلام ومنهما إلى كل لبنان، جراحات لا تنتهي وتهدد باندلاع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

كما تخطى لبنان أيضاً هذين اليومين مخاطرة اتخاذ قرار كان يجب اتخاذه منذ زمن، وكان القرار بحجم مخاطر لا تقل عن الفتنة ما لم تتوافر له شروط وصمامات الأمان، وهو الدخول إلى مهاجع المساجين المحسوبين على تفرعات «القاعدة» والمليئة بتجهيزات ومعدات تسمح بوصفها بمكونات غرفة عمليات كاملة يخدمها ضباط أركان الجماعات الإرهابية وفقاً لتسلسلية هرمية تسمح لها بقيادة العمليات الإرهابية في كلّ لبنان، وكانت كلّ المعطيات المتوافرة تقول إنّ الحرب على الإرهاب لن تستقيم ما لم يتم اجتثاث غرفة العمليات وتفكيكها والحصول على بنك المعلومات التي تمتلئ بها حواسيب الضباط القادة من تنظيم «القاعدة» بفرعيها «داعش» و«النصرة»، ومصدر الخطر هو ما يمكن أن يحدث في الشارع المحسوب على تيار المستقبل عندما يتم القيام بعمل أمني كبير بهذا الحجم سيوصف بأنه اعتداء على الموقوفين الإسلاميين، الذين دمج بينهم تيار المستقبل لزمن طويل الموقوفين الذين يستحقون حسماً لملفاتهم النائمة بصورة ظالمة بالمساجين الإرهابيين المضبوطين بجرائم موصوفة.

كل مراقب يجزم باستحالة تحقيق الإنجازين من جهة، وتخطي المخاطر المحيطة بهما، لولا حدثان مقابلان وفرا شبكة الأمان اللازمة، والمناخ المؤاتي وبالتالي عبور لبنان بأمان وسلام من دائرة القلق والخوف، الحدث الأول هو وجود حكومة تتخطى بتعريفها مجرّد كونها حكومة جامعة وشاملة لكل الأطراف، في ظرف استثنائي يتمثل من جهة بحجم الخلاف السياسي الكبير حول الأزمة السورية وموقع لبنان منها أو مواقع اللبنانيين فيها، وعلاقة هذا الانقسام بمفهوم الحرب على الإرهاب ومواجهته وتجفيف مستنقعاته وعزله عن البيئة الحاضنة التي يتطلع إليها، والحكومة لم تحل الخلاف، وليست هي الدواء لعلاجه ولذلك ليس وجودها هو القيمة المضافة هنا، بل تحديداً تولي تيار المستقبل الوزارات ذات الصلة بالملفات الأمنية وخصوصاً تولي الوزير نهاد المشنوق حقيبة الداخلية وربما ضمناً الحؤول دون تولي الوزير أشرف ريفي للحقيبة نفسها على رغم أهمية حقيبة وزارة العدل، فوجود الوزير نهاد المشنوق في وزارة الداخلية مع التغطية التي توافرت من الرئيس سعد الحريري واستطراداً التغطية الدولية والإقليمية كان عاملاً حاسماً في نجاح خطة سجن رومية، كما كان مدخلاً إلى سلوك سياسي وأمني مطمئن تجاه تفجير جبل محسن.

الحدث الثاني كان انطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، وما رتبه هذا الحوار من مناخات ساهمت بصدور أول موقف من نوعه تجاه تفجير مشابه عن تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، حيث كانت الإدانة حازمة بلا استطرادات وجمل اعتراضية وتبريرات ضمنية كما درجت العادة في بيانات استنكار الجرائم الإرهابية، وهذا الموقف النوعي لتيار المستقبل ساهم في بلورة ردّ الفعل الهادئ والراقي لجبل محسن وقادته وناسه تجاه جريمة التفجير وكيفية التعامل مع سكان حي المنكوبين، ولولا الحوار وما نتج منه لما كان يمكن كثيراً التوقع ببلورة القرار الخاص باقتحام غرفة عمليات سجن رومية، حيث ينقل الرئيس نبيه بري لزواره انطباعاته تجاه درجة الحرص المتبادل بين طرفي الحوار على تفهّم الهواجس وطمأنة المخاوف المتبادلة بقوله «تكاد تظن ممثلي المستقبل من حزب الله والعكس صحيح».

لقد كان السيد حسن نصرالله حاسماً مع جمهوره في نظرته لتشكيلة الحكومة كما كان الرئيس نبيه بري مشعّاً بالتفاؤل لدرجة اتهامه بالإفراط وهو يسوّق للحوار ويعدّ له عدة النجاح، وها هي الحصيلة تقول إنّ الرؤية التي استندت إليها مواقفهما استبقت كثيراً الأحداث وأصابت أهدافها بدقة.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى