فابيوس وأوغلو وحياة بومدين في طائرة واحدة
ناصر قنديل
يواصل القادة الغربيون استعراض القوة في إعلان الحرب على الإرهاب، فتستعرض فرنسا قادة العالم في شوارعها معلنة أنّ هذا الحشد هو نواة الحرب المقبلة، وما جمعه من أعداء كبنيامين نتنياهو ومحمود عباس يؤكد أنّ الحرب على الإرهاب تجمع الذين فرّقتهم المصالح والمبادئ والحروب، ويخرج قائد القوات الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي ليعلن أنّ جيوشه تنتظر إشارة الرئيس باراك أوباما لسحق «داعش»، وتنفذ عملاً برياً واسع النطاق في العراق وسورية، وأنّ «داعش» تنظيم سيسحق تحت قيادة هذا الجنرال الذي كان قبل شهور يقول هو ورئيسه إنّ أمامنا حرباً طويلة الأمد ستستمرّ لسنوات وقد لا تنهي «داعش» بل تحدّ من نفوذه، فجاءت الانتصارات العراقية التي لا يد لقوات التحالف الذي تقوده واشنطن فيها لتحرج الجميع وتقول: يمكن تحقيق الانتصار على «داعش»، ويعلن التحالف العراقي الإيراني السوري العسكري وامتلاكه خططاً واقعية بدأ تنفيذها لسحق الإرهاب في بلاد الشام ويظهر دور الدعم الإيراني من جهة ودور حزب الله من جهة.
تصدق «النصرة» و«داعش» حقيقة النهاية الآتية، وتخشى «إسرائيل» المسار القادم، وآخرون، فمن هم؟ تقع عمليات نوعية لـ«داعش» و«النصرة» تستقطب العالم وتهز الغرب، توزعت من هجوم «النصرة» على نبّل والزهراء بمعونة فرنسية تركية لتأمين الطريق إلى حلب، ولكن أيضاً لارتكاب مجزرة بالآلاف من أبناء البلدتين المجاورتين لحلب، ويقع تفجير باريس ويليه التفجير الانتحاري في جبل محسن قرب طرابلس شمال لبنان، والأحداث الثلاثة مرتبة ومدارة بطريقة تسمح بتحويل كلّ منها إلى كرة ثلج لا تنتهي بأقلّ من حرب أهلية.
تنتهي تظاهرة باريس ويعود رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو إلى أنقرة، وتعلن السلطات الفرنسية أنها تطارد حياة بومدين المواطنة الفرنسية من أصول جزائرية، المتورّطة في العمليات الإرهابية التي شهدتها باريس، والتي سبق وشاركت في أعمال فروع «القاعدة» في سورية والعراق، وينتشر الخبر والتوقعات بتوجه بومدين إلى تركيا، والكلّ ينتظر إعلاناً تركياً عن إلقاء القبض على بومدين وتسليمها للسلطات الفرنسية، فيخرج تصريح تركي مقتضب، لا تستطيع تركيا التصرف بسبب عدم وجود طلب فرنسي بذلك، وبعد يوم كامل تعلن تركيا أنّ بومدين دخلت الأراضي السورية.
الأكيد أنّ المعابر التي تتيحها تركيا للمسلحين للدخول إلى سورية لا تزال مفتوحة إذن، هذا معنى الكلام التركي المنافي لكلام سابق عن إقفالها، فلماذا تغامر تركيا بتكذيب نفسها، وبفتح باب مطالبتها من سورية بالرقابة على هذه المعابر ضمن إطار خطة دي ميستورا التي تفترض أنّ تركيا ملتزمة كما أبلغ دي ميستورا شخصياً من الرئيس رجب أردوغان ورئيس وزرائه داوود أوغلو، والمعابر معلوم أنها تحت الرقابة المخابراتية المشدّدة، من الجانب التركي فلماذا تستعجل تركيا تمرير بومدين من الأراضي التركية إلى الأراضي السورية، بمنح الوقت اللازم لذلك بذريعة عدم وجود طلب فرنسي بالملاحقة، ثم بعد وصول الطلب بالإعلان أن الأوان قد فات لتنفيذه فقد صارت بومدين في سورية، وهذه لعبة تافهة لا يصدقها طفل صغير، وفي حالات مشابهة كان يتمّ التحفظ عادة بموجب بلاغ عبر الإعلام، ورسالة عبر موبايل عندما تشك «إسرائيل» أنّ مقاوماً يعبر الأراضي التركية، ويحقق معه الأتراك لساعات وأيام حتى يحضر المحققون «الإسرائيليون» ويتولون أمره وينقلونه معهم إنْ شاؤوا ولا تصل الأوراق الرسمية إلا بعد شهور.
قامت تركيا بتهريب حياة بومدين، ليس ثمة توصيف أدنى من ذلك، وتحمّلت لأجل ذلك مهانة اتهامها بالكذب في شأن المعابر المتاحة للمسلحين نحو سورية، وشبهة اتهامها مجدداً من الرأي العام الفرنسي بالتواطؤ مع الإرهابيين الذين قتلوا بدم بارد في شوارع باريس، رجال صحافة وشرطة، فما الذي تمثله حياة بومدين حتى تتحمّل تركيا كلّ ذلك من أجل تهريبها، وهل فعلاً أرسلت فرنسا طلباً، وهل تأخر الطلب عمداً لإتاحة ذريعة التملص التركي، وهل كان لوران فابيوس على علم بكلّ ذلك؟
في حالة كهذه وكرامة فرنسا ودماء أبنائها موضوع القضية، تعلن فرنسا استدعاء السفير التركي وطلب توضيحات كافية حول سبب التواطؤ التركي والسلوك المشبوه في دعم الإرهابيين وتصل الأمور إلى حدّ قطع العلاقات، وحتى الآن لا كلمة فرنسية تتساءل عن سرّ السلوك التركي، ما يشير إلى تواطؤ مشترك فرنسي ـ تركي في تهريب حياة بومدين وإيصالها إلى سورية، وهناك من يقول إنها الرأس المدبّر لعملية باريس وهجوم نبّل والزهراء وعمليات «القاعدة» الخارجية، وهي التي كانت تتواصل مع قادة فرنسا وتركيا في تنسيق الحرب ونقل المقاتلين إلى سورية وأنّ كثيراً من الأسماء الكبيرة يعرفها جيداً ويعرف رفاقها ذلك، ويملكون الصور التي تثبت ذلك.
هل هو سقوط الحرب على الإرهاب بالفضيحة المدوية حتى خرج ديمبسي يزمجر وهولاند يستعرض، والكلّ يعلم أنّ المطلوب ستر الفضيحة، فضيحة أن تنتهي أسطورة «داعش» و«النصرة» بغير أيديهم، وفضيحة تلطخ أيديهم بدماء مواطنيهم عبر مصافحة الأيدي التي ضرّجت الأميركيين والفرنسيين بالدماء، ولذلك يتبختر أوغلو وأردوغان بملء الثقة أنّ أحداً لن يجرؤ على كلمة اتهامهما بالتواطؤ مع الإرهاب، فلديهما حكماً نسخ من الصور التذكارية منذ أيام بترايوس.
إنْ لم يكن داود أوغلو ولوران فابيوس وحياة بومدين على طائرة واحدة من باريس إلى أنقرة فهم حكماً على متن مركب واحد ممنوع إحداث الثقوب فيه كي لا يغرق الجميع.
(البناء)