ماذا كشفت عملية رومية ؟
غالب قنديل
إنه رغم كل شيء إنجاز مهم والأهم هو الحفاظ عليه كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد نقل سجناء المبنى ب في سجن رومية وتدمير غرفة العمليات التي أكد الوزير أن الهجوم الإرهابي على جبل محسن قد دبر فيها وتمت قيادته منها !
أولا ان تأتي متاخرا خير من ألا تأتي والمهم في النتيجة تسديد ضربة للعصابات التكفيرية والإشادة ببراعة الرئيس تمام سلام والوزير المشنوق في توقيت الضربة واستمثار الأجواء الدولية والإقليمية المواتية والبناء على التحولات السياسية المحلية الناتجة عنها ، كل ذلك تردد في التعليقات على عملية رومية الناجحة يوم أمس مشفوعا بالتهاني والمباركة لمعالي الوزير الذي شمر عن ساعديه وقام بما لم يجرؤ سابقوه على الاقتراب منه رغم أن عمر فضيحة سجن رومية سنوات وجميع من شغلوا المنصب يعلمون بتورط العديد من الضباط والعناصر في الأمن الداخلي برعاية وكر الإرهاب داخل السجن وبتغطية سياسية من تيار المستقبل وهي حقيقة عارية ومعلومة حتى لو كانت مكتومة وينبغي ان ترفع من درجة تقدير هذا “الإنجاز” الذي يحمل توقيع الوزير نهاد المشنوق لأنه يمثل تراكما إضافيا في نزوع قيادة المستقبل منذ خطة طرابلس الأمنية الأخيرة إلى المشاركة في الجهد المطلوب لتفكيك منصات الإرهاب التكفيري على الأراضي اللبنانية بعد التحولات المهمة التي شهدها الميدان السوري وتعطلت بنتيجتها إلى حد بعيد وظيفة المنصة اللبنانية التي قامت على تجميع الإرهابيين ومدهم بالسلاح والمال وبالتغطية السياسية البائسة والقبيحة التي اطلقت على مجمعات مجرمي الحرب والقتلة وفلول القاعدة والمرتزقة الدوليين لقب الثوار السوريين وبعدما بات نشاط الجماعات المتطرفة خطرا على زعامة الحريري وعلى تماسك حزبه أوجب عليه طلب تأجيل الانتخابات النيابية لسنتين ونصف.
ثانيا حرصا على الذاكرة الللبنانية وعلى المنطق السياسي والقانوني وخدمة للمعايير الأخلاقية في العمل العام لابد من التذكير بأمرين مهمين:
1- إن مهمة من نوع تفكيك بؤرة قيادية لشبكات الإرهاب القاعدي داخل أحد السجون هي أمر مهم وجيد جعل منه التواكل والعجز إنجازا ولكنه بمنطق الدول لا يستحق التباهي والاحتفال فالسلطة التي لاتمون على سجونها غير جديرة بحمل اي لقب أوصفة لهما صلة بمباديء السيادة والقانون ناهيك عن العدالة ويعلم اللبنانيون كم من الموقوفين البسطاء في قضايا أقل من عادية يعانون منذ سنوات من القهر الموازي لامتيازات القتلة والإرهابيين وقادة العصابات التكفيرية في رومية وسجل السنوات الماضية لهذا السجن يفترض بمنطق الدولة ان يكون موضوعا لتحقيق ولمحاسبة صارمة تشمل جميع المتورطين هذا إذا أريد لخطوة الوزير المشنوق ان تدوم وتصان كما قال أمس .
2- عوملت قضية سجن رومية طويلا بالإنكار والتجاهل والتستر تماما كما عومل موضوع وجود القاعدة وفروعها وشبكاتها في لبنان خلال السنوات الماضية والممتدة منذ اغتيال الشيخ نزار الحلبي مرورا باعتداءات الضنية على الجيش اللبناني وما تبعها من معارك ومن ثم معركة مخيم نهر البارد وشبكة فتح الإسلام وصولا إلى فصول العدوان على سورية وخلال حوالي عشرين عاما سمح الإنكار السياسي بتفاقم الخطر الذي بات اليوم يمثل تهديدا وجوديا للبنان ولشعبه وللأمن والاستقرار.
لقد تبارى رموز ومتحدثو قوى 14 آذار وخصوصا السيد وليد جنبلاط وأركان تيار المستقبل وسمير جعجع خلال عقدين من الزمن بتقديم التبريرات وبخداع الشعب اللبناني بإنكار وجود القاعدة والدعم الخليجي والغربي لفصائلها في كنف هذه القوى خصوصا منذ انطلاق مخطط تدمير سورية قبل أربع سنوات… إن الصمت على هذه الحقيقة وعدم المحاسبة ولو معنويا على اتهامات كاذبة بحق سورية والمقاومة هو بذاته جريمة فقد بلغ الأمر بالبعض أحيانا تصوير الكلام عن وجود الإرهاب تهويلا سياسيا ولطالما هوجم الرئيس إميل لحود وقيادات وطنية كثيرة وها هي الحقائق تبين صدق هؤلاء وتفضح اكاذيب من اتهمومهم بالفبركة وبالتهويل.
ثالثا توسع عملية رومية كما فعلت عملية طرابلس من قبل من فرص التقدم عبر الحوار والتعاون نحو شراكة لبنانية في مكافحة الإرهاب التكفيري وحماية لبنان وشعبه ودولته والمطلوب هو الانطلاق من ذلك لإجراء قراءة جديدة ومشتركة في العدوان على سورية والنقد الذاتي للتورط في احتضان الإرهاب في سياق هذا العدوان ومنصته اللبنانية التي تحولت إلى معاقل ترتد خطرا مميتا على اللبنانيين .
على القيادات اللبنانية الانتباه إلى مسار التحولات في الميدان السوري وفي الوقائع الدولية والإقليمية الصارخة والانطلاق من المصالح اللبنانية المباشرة والبعيدة يدعو الجميع إلى إحياء التنسيق مع الدولة الوطنية السورية ولإدراك القيمة الاستراتيجية والعملية لقتال حزب الله في سورية نيابة عن جميع اللبنانيين وحين تحسم هذه المسألة ويتخفف المعنيون من احقادهم السياسية ومن اوهام عفا عليها الزمن وشرعت مراكز القرار تميل للمجاهرة بالتخلي عنها وآخر الوقائع بيان الخارجية الأميركية يوم امس عن ضرورة مشاركة الرئيس الأسد في أي مباحثات حول مستقبل سورية رغم ما تكرر فيه من تعابير تنتمي للمرحلة الماضية لكن يمكن اعتباره إشارة إلى انعطافة مقبلة قد لا نستغرب معها إعادة فتح السفارة الأميركية بدمشق وتسمية سفير يقدم اوراق اعتماده للرئيس بشار الأسد في قصر الشعب اما أصدقاء جنبلاط والحريري وغيرهما من رموز ما يسمى بالمعارضة يتقدمهم عبد الحليم خدام وقادة الأخوان المسلمين وامثال برهان غليون وميشال كيلو فهم في الطريق إلى الحفظ داخل أرشيفات الفشل في النيل من بلدهم لحساب الأجنبي وعملائه في المنطقة ويودعون في الأدراج السفلى لجناح الخائن بيتان ما دامت اللحظة الراهنة فرنسية بامتياز.