صراع مع الإرهاب د . فايز رشيد
العملية الإرهابية الأخيرة على صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية، التي اقترفها قتلة مجرمون إرهابيون، أدانها العرب والمسلمون جميعاً . العملية الإرهابية يجري استغلالها ببشاعة صهيونياً وغربياً، وذلك في محاولة محمومة لتصوير الصراع مع الإرهاب، وكأنه صراع إسلامي – مسيحي، هذه الأسطوانة الممجوجة التي نسمعها بين الفينة والأخرى، نعم الإرهاب لا يعرف شكلاً ولا هوية ولا عرقاً ولا ديناً .
بداية، ضروري التأكيد على أن العرب بمسلميهم ومسيحييهم يعانون فعلاً الإرهاب مهما كان الدين الذي يتستر تحت لوائه: إسلامياً، مسيحياً أو يهودياً . دليلنا ما يجري من إرهاب في العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، واليمن وغيرها، كما أن دولاً عربية أخرى عانت تفجيرات وعمليات إرهابية في عواصمها ودولها، وأشده تأثيراً وبشاعة، إرهاب الدولة الصهيونية الدائم والمستديم طالما بقيت، الفلسطينيون يعانون إرهاباً متواصلاً منذ قرن زمني وما يزالون . دول عربية استعمرها الأوروبيون لحقبات طوال، شعوبها عانت إرهاباً إحتلالياً لأرضها واغتصاباً لإرادة أبنائها .
إن الإرهاب تحت غطاء الإسلام، يرتد في تداعياته على كل العرب، بمسيحييهم ومسلميهم، إن ب”الفوبيا” من الإسلام واستعمالها غطاء لتشويهه، أو بإعادة الربط بين العرب والإرهاب، مثلما كانت الصورة في حقبة امتدت لثلاثة عقود .
الإعلام الغربي أوجد صورة “إرهابية” نمطية للعربي في وسائله . الفلسطينيون وفي هذه المرحلة تحديداً حيث تتصاعد الدعوات البرلمانية للاعتراف بدولة مستقلة لهم، هم أكثر من سيتأثرون سلباً من تداعيات عملية “شارلي إيبدو” الإرهابية الأخيرة في فرنسا .
الجالية العربية في فرنسا (كما الجاليات في الدول الأخرى) ستتأثر سلباً بهذه العملية . وكلنا يذكر تداعيات 11 سبتمبر/أيلول على العرب في الولايات المتحدة .
الإرهاب تحت راية الإسلام، هو في معظم تنظيماته، من صنع غربي تحت تبريرات مثل: مقاومة الغزو السوفييتي لأفغانستان وغير ذلك من الحجج . ثم إن كتباً كثيرة ومنها مذكرات هيلاري كلينتون، التي صدرت في نيويورك عام 2014 المنصرم، تؤكد أن أمريكا هي التي أوجدت “داعش” . وللأسف فإن الإعلام الغربي لا يراعي الفرق بين “حرية الإعلام والتعبير” التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبين الإساءة المقصودة ل”حرية المعتقد الديني” واحترام القيم والأديان . هل الحرية تعني الإساءة والاستهزاء بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم؟ ألم تعرف الصحيفة أنها ستسيء بذلك لدين يعتنقه ما يزيد عن المليار مسلم؟ . هل الإساءة للدين الإسلامي من قبل القائمين على الصحيفة هو حرية تعبير؟ للعلم في فرنسا تحديداً هناك قانون “غيسو” الذي جرى سنّه منذ بضع سنوات، الذي يمنع على مطلق كاتب التشكيك (تصوروا مجرد التشكيك) في الرواية الصهيونية لما يسمى “الهولوكوست”، تحت طائلة السجن لفترة 6 سنوات . وكلنا يعرف مصير المفكر الفرنسي روجيه غارودي الذي أسلم، وغيره من الذين انتقدوا وينتقدون، “الصهيونية” وأضاليلها: تعتيم إعلامي عليهم وعدم نشر كتبهم في كافة دور النشر والصحف الغربية، وطردهم من أعمالهم الوظيفية، اعتقالهم وغير ذلك من الوسائل، للعلم هذا القانون عممه اتحاد الدول الأوروبية ليصبح ساري المفعول في كل الدول الأوروبية، بريطانيا ذات القضاء العريق، غيرّت قوانينها، بهدف عدم ملاحقة المجرمين الصهاينة والمرفوعة عليهم قضايا وتهم إجرامية، واقتراف جرائم بحق الشعب الفلسطيني .
الصحف والسياسيون والعسكريون “الإسرائيليون” وعلى رأس القائمة نتنياهو، ليبرمان، يعلون، وغيرهم، استغلوا العملية الإرهابية الأخيرة في فرنسا وصوروا الأمر على أنه صراع إسلامي – مسيحي، تماماً مثلما حاولوا ويحاولون تصوير الصراع مع الكيان، وكأنه صراع إسلامي – يهودي .
للأسف تصريحات العديد من المعنيين الأوروبيين، وكذلك المنظمات اليمينية الأوروبية الجديدة مثل “النازيون الجدد”، وحركة “بيغيدا” اليمينية الفاشية، وحركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” وغيرها، اتخذت مواقف تصور الأمر وكأنه صراع بين الإسلام والمسيحية .
هذه محاولات ليست الأولى من نوعها، فلقد سبق لكثيرين من سياسيي الغرب ومفكريه مثل بريجنسكي، هننغتون، كيسينجر وغيرهم، وأكدوا في كتاباتهم على ارتباط المسيحية حتى العربية منها بالغرب، لذا فمن وجهة نظرهم فإن المسيحية في المشرق العربي، هي ظاهرة غريبة على العرب، وينكرون حتى عروبة المسيحية، وادعاء غربيتها، أو يحاولون تصويرها وفقاً للكاتب اللبناني جورج حداد، بأنها دخيلة ومستوردة، في البلاد العربية . كل ذلك يعتبر مقدمة لحلقة أخرى عنوانها: الصراع الديني الإسلامي-المسيحي .
تقوم المنظمات الإرهابية المتطرفة اليوم بذات المهمة تحت راية الإسلام الذي هو بريء منها وأمثالها، فهي تذبح المسلمين قبل المسيحيين، وتمارس سبي النساء والتهجير للناس من كل المذاهب والأديان .
فالإسلام هو دين التعايش مع الأديان والأعراق الأخرى، وهو الدين الذي يدعو إلى التآخي بين البشر .
(الخليج)