مقالات مختارة

تفجير جبل محسن: «ذئاب مُنفردة» أم قرار إقليمي بتوقيع «جبهة النصرة»؟: ابراهيم ناصرالدين

 

الاشادة بالوعي الجماعي في منطقة جبل محسن لعدم انجرارالاهالي والحزب العربي الديموقراطي الى الفتنة بعد التفجيرالانتحاري المزدوج، والموقف التضامني من قبل غالبية الفعاليات الطرابلسية مع ابناء الجبل، وغياب «سمفونية» تحميل حزب الله المسؤولية عن جلب الارهاب الى لبنان، اقله في التصريحات الاولية لقوى 14آذار، كلها مؤشرات ايجابية تحد من مخاطر تداعيات تفجيرات مماثلة على الساحة اللبنانية، لكن هل يكفي ذلك لمنع تكرار هذا المشهد الدموي؟ وهل المطلوب فقط الحد من مخاطر ردود الفعل؟ ام العمل على الحد من العمليات الارهابية ومنع حصولها؟

طبعا لا يمكن الحديث هنا عن وجود اوهام مسبقة بامكانية منع حصول عمليات ارهابية مماثلة، تقول اوساط خبيرة في شؤون الارهاب، لكن الاخطاء السياسية والامنية التي سمحت لمواطنيين فرنسيين بزرع الرعب والخوف في اوروبا، هي نفسها سمحت لشابين من منطقة المنكوبين بزرع الموت عن جيرانهم في جبل محسن، ودون مراجعة جادة لاستراتيجية مكافحة الارهاب على مختلف المستويات، ستكون دول المنطقة والعالم على مواعيد جديدة مع عمليات قد تكون اكثر دموية.

وقبل الدخول في الحديث عن المطلوب في الامن، تتوقف اوساط سياسية في 8آذارعند المناخ السياسي الذي لم يرتق بعد الى مستوى المخاطر الجدية لتلك الظاهرة الارهابية، فاذا كان اتخاذ موقف صارم من «الفكر الوهابي» غير متاح راهنا بسبب تعقيدات العلاقة مع السعودية، فان باريس لا يمكنها مواجهة التطرف بتظاهرة مليونية يشارك فيها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان، والى جانبهما رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو، فهذه «الرسالة الخاطئة» تعني ان الفرنسيين لم يدركوا بعد ابعاد ما يحصل في المنطقة، فممثلا دولة الارهاب لا يمكنهما ان يكونا حملا وديعا لمواجهة «ذئاب» التطرف الاسلامي الذي يحظى برعاية كاملة من قبل حكومة العدالة والتنمية في تركيا، ووجود هؤلاء في الصفوف الامامية يعني ان سياسة «التكاذب» والتلاعب بالحقائق لا تزال هي السائدة وستؤدي الى مزيد «المآسي»، وكذلك لا يستطيع وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس ان يصاب بالوجوم والذهول ازاء «11 ايلول» الباريسي، اذا كان هو نفسه وقف قبل اشهر مدافعا عن «جبهة النصرة» معتبرا انها تقوم بعمل «صائب» في سوريا.

وهذا ينسحب ايضا على بعض الاطراف السياسية اللبنانية تضيف الاوساط، التي ما تزال تتلهى في تصنيفات عقيمة للتكفيريين في سوريا، وتمنح هؤلاء «حماية سياسية» بدافع الخوف او «نكاية» بالنظام السوري، واذا لم يقتنع النائب وليد جنبلاط بالنصائح التي وجهت اليه من قبل عدد من الشخصيات السياسية الفاعلة، «بان الوقت قد حان للخروج من «خطيئة» تبرئة «جبهة النصرة» من الارهاب بعد تبنيها تفجير جبل محسن»، فهذا يعني ان لا جدية في معالجة هذا الملف. واذا لم يدخل تيار المستقبل في «ورشة» عمل جدية على الارض في الشارع السني، تحتاج الى عودة ملحة للرئيس سعد الحريري الى البلاد، للترويج «لخط الاعتدال»، فان كل «التنظيرات» عن بعد لن تجدي نفعا، ولن يجدي الحوار مع حزب الله في تخفيف غلو تلك الجماعات التي ما تزال تجد ملاذا آمنا في «البيئة الحاضة» للتيار الازرق، فهذا الحوار على اهميته يحتاج الى عوامل اخرى مساعدة ليس اقلها حصول استدارة ملحة من قبل «المستقبل» الى «البيت الداخلي» المتصدع، بعد سنوات من السياسات الخاطئة التي ساعدت في انتشار الفكر المتطرّف.

هذا المناخ السياسي غير المؤات لخلق جبهة موحدة لمواجهة الفكر التكفيري من قبل قوى 14 آذار وحلفائهم الاقليميين والدوليين، يترافق مع ثغرات امنية سمحت لهؤلاء بالنمو وتشكيل «خلايا نائمة» شديدة الخطورة، وتكتفي الاوساط الخبيرة في شؤون الارهاب، بعرض شهادة رئيس قسم مكافحة الإرهاب بولاية بافاريا الألمانية لودفيج شيرجهوفر الذي اكد إن »أجهزة الأمن في ألمانيا شجعت الإسلاميين المتشددين على مدى سنوات ماضية على مغادرة البلاد للمشاركة في الأعمال القتالية في سوريا وأفغانستان« واستند في معلوماته إلى وثيقة سرية لوزارة الداخلية الألمانية تنظم دخول وخروج الإسلاميين المستعدين لارتكاب أعمال العنف. طبعا هذه الاستراتيجية تبنتها مختلف الدول الاوروبية بما فيها فرنسا والدول العربية الحليفة في المنطقة، وانسحب هذا الامر ايضا على الحلفاء في بيروت الذين ساهموا في تسهيل حركة مرور هؤلاء الى سوريا، وقد تعاملت الاجهزة الامنية اللبنانية بجدية مطلقة مع تقرير معهد كويليام لمكافحة التطرف الذي تضمن معلومات قدمها مسؤولون غربيون معنيون بملف الجماعات المتشددة، اكدوا خلاله ان عدد اللبنانيين الذين يقاتلون مع المجموعات «الجهادية» في سوريا بلغ نحو 900 مقاتل، وهو رقم غير نهائي ويرجح ان يكون تجاوز الالف منذ اشهر.

وتلفت تلك الاوساط الى ان الاجهزة الامنية اللبنانية بالتعاون مع أمن المقاومة كانت متقدمة «بخطوة» على اجهزة الاستخبارات الغربية وخصوصا الاوروبية في استشراف خطر هؤلاء، «والحرب الاستباقية» التي بدأت مبكرا في لبنان لاقت في مراحلها الاولى «تذمرا» غربيا واتهامات للاجهزة الامنية اللبنانية بالعمل على تقديم دعم لوجستي للنظام السوري من خلال التضييق على هؤلاء خلال ترحالهم ذهابا وايابا الى سوريا، وكانت «النصيحة» الغربية تقوم على «نظرية» «دعوهم يخرجون من البلاد الى «المحرقة» السورية، «نظفوا» ساحتكم من تلك «الحثالة». طبعا اثبتت الاحداث لاحقا هزالة هذه الرؤية ومع بدء العمليات الانتحارية والتفجيرات المتنقلة في لبنان تراجع الغربيون «خطوة» الى الوراء وبدأوا بتقديم دعم مخابراتي «خجول»، لم يصل الى مراحل متقدمة في ظل الاصرار على معادلة عدم اراحة حزب الله في الداخل اللبناني، ولكن دون سقوط البلاد في اتون الفوضى الشاملة. وكان ثمة ارتياح مبالغ فيه بعدم انتقال خطر التكفيريين قريبا الى العواصم الغربية، مع العلم ان مسؤول امني لبناني كبير معني بمتابعة هذا الملف سبق وحذر نظرائه الاوروبيين من مغبة «النوم على حرير» هذه التوقعات.

وتشير تلك الاوساط الى ان الجهات الامنية اللبنانية المعنية بهذا الملف ترصد راهنا التحولات الفرنسية والاوروبية في التعامل مع هذا الملف، وتترقب انعكاساته في لبنان، فقبل ساعات طالبت الحكومة الفرنسية من الجزائر كل المعلومات المتوفرة حتى تلك غير المؤكدة حول شبكات تجنيد وتهريب المقاتلين إلى سوريا واليمن وأفغانستان، وكل المعلومات المتوفرة حول نشاط الخلايا النائمة للتنظيمات «الجهادية». وهذا التحول قد يشمل خلال الساعات المقبلة اعادة فتح قنوات الاتصال مع الاجهزة الامنية السورية عبر «القناة» الجزائرية المصنفة بالدولة «الصديقة» للنظام السوري. وهذا التحرك سيفتح مجددا ملف التعاون الامني بين الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية، وهذا الامر سيكون خلال الايام المقبلة على «طاولة» البحث الجدي.

اما بالنسبة لما حصل في جبل محسن فتفيد المعلومات، ان الاجهزة الامنية لم تكن لديها معلومات مسبقة عن تهديد ارهابي وشيك، ورغم ذلك فان العملية الارهابية في باريس رفعت من درجة «اليقظة» الامنية، على خلفية تحليل استخباراتي مبني على نظرية «الالهام» «والتحفيز»، فقبل ساعات من العملية المزدوجة، اعيد تفعيل الخطط الامنية التي تم وضعها بالتنسيق مع حزب الله، وجرت مراجعة شاملة لاستراتيجية مواجهة «الذئاب المنفردة» التي وضعت قبل نحو ثمانية اشهر، وجرى خلالها تقسيم العديد من المناطق الى قطع امنية يتم عزلها بشكل تلقائي لحصر اي هجوم مسلح من قبل «انغماسيين» في منطقة جغرافية محدودة لمنعهم من «الانتشار» على مساحات واسعة. واليوم تتركز التحقيقات لمعرفة مدى جدية بيان جبهة النصرة في تبني العملية، ويجري تتبع مسار الانتحاريين لمعرفة ما اذا كانوا قد زاروا فعلا القلمون، وعما اذا كانت هذه المعلومات مجرد تغطية على المكان الحقيقي الذي تم التحضير فيه للهجوم لتسهيل هروب شركاء آخرين، فاذا كانت العملية وفق مخطط «مركزي» من قيادة «النصرة» فهذا يعني ان ثمة عناوين اقليمية معروفة يعمل لديها هؤلاء، والعملية تأتي وفق اجندة سيكون لها ما بعدها، وستكون لها تداعيات خطيرة، اما اذا كانت قد تمت تحت تصنيف الـ «ذئاب المنفردة»، فهذا يقود الى استنتاجات امنية اقل خطورة.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى