نتائج النوم مع الشيطان
غالب قنديل
يمكن القول براحة ضمير ان من تصدروا مسيرة باريس الاستنكارية يوم الأحد كانوا هم المسؤولين عن خطة إعادة توجيه الإرهاب التكفيري في العالم لاستعماله في الحرب التي قادتها الإمبراطورية الأميركية لحماية إسرائيل منذ العام 2000 حتى اليوم وبلغت ذروتها في العدوان على الجمهورية العربية السورية.
أولا يتبين لمن يتقصى ويتابع ان السلطات الفرنسية المتورطة في العدوان على سورية أنشات وفعلت البنى التحتية لشبكات القاعدة في فرنسا تنفيذا لأمر العمليات الاميركي وفي قلب التورط الفرنسي أموال وصفقات وعمولات تشمل إدارتي الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند على السواء وقبلهما الرئيس السابق جاك شيراك وأول الحكاية دوما ومنذ غياب الزعيم الراحل شارل ديغول هي تحول فرنسا في المنطقة العربية خصوصا إلى قوة ملحقة بالجبروت الأميركي وبالنفوذ الصهيوني وانهيار جميع الرهانات العربية الساذجة على استقلال السياسة الخارجية الفرنسية عن واشنطن بل وتخلي باريس حتى عن مساحة الهوامش المتاحة للوساطة بين الولايات المتحدة وخصومها فمنذ احتلال العراق بات الالتحاق الفرنسي الهامشي والذليل بالسياسات والمواقف الأميركية طاغيا .
اكثر من ذلك برز في العدوان على سورية موقف فرنسي هو الأشد تطرفا وعدوانية واستفزازا وما يجري اليوم من ارتدادات إرهابية هناك ليس سوى النتيجة فقد تجسد التورط الفرنسي بهذه الحرب الكونية العدوانية لتدمير سورية ولحماية إسرائيل بتفعيل بنية حاضنة للإرهاب التكفيري على الأرض الفرنسية جرى تشغيلها في التعبئة والحشد والتدريب والتسهيلات اللوجستية التي قدمت لفصائل القاعدة بهدف تصدير المحاربين إلى بلاد الشام بعد تجنيدهم في احياء المهاجرين العرب والمسلمين بواسطة لجان المساجد ومراكز الجمعيات التي تحظى بحماية وتمويل منسقين مع كل من قطر والمملكة السعودية وتركيا وباستخدام إعلامي مفرط لواجهات المعارضة السورية المنفوطة التي رعتها المخابرات الفرنسية في العقود الماضية.
ثانيا لم تفلح التدابير الوقائية التي اتخذت تحت عنوان التصدي لخطر ارتداد الإرهاب إلى فرنسا قبل عام ونصف وانطلقت بسلسلة اجتماعات شهدتها بروكسل بقيادة اميركية كالعادة لسبب بسيط وهو ان للعائدين من سورية والعراق واليمن وغيرها ملاذات صنعتها الحكومات الفرنسية بنفسها ولأن منصات العدوان على سورية ما زالت تعمل بأقصى قدراتها وفي ظلها تنمو وتتوسع شبكات التكفير في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسويد والدانمارك وسواها من الدول التي تعيش شعوبها اليوم رعب الارتداد التكفيري .
فروع تنظيم الأخوان المسلمين ولجان المساجد وجمعيات المهاجرين جميعها بؤر لتجنيد المتطرفين ولإرسالهم إلى سورية باسم الجهاد ودعم الثورة المزعومة التي قاد حملات سياسية لتسويقها برنار ليفي الصهيوني الذي أشرف على خطة تدمير ليبيا وقدم الرعاية لإطلاق وحش التكفير هناك تحت يافطات الربيع العربي المزعوم .
المنظومة الإعلامية التي تنشر دعوة التكفير والإرهاب قائمة في الغرب وهي مستمرة حتى الساعة ومقابل العقوبات التي انهالت ضد قناة المنار اللبنانية وضد القنوات التلفزيونية الوطنية السورية ما تزال قنوات متطرفة وتكفيرية تحظى بالحماية الأوروبية وخصوصا في بريطانيا وفرنسا وغيرها وبعض تلك القنوات عائد لتنظيم الأخوان بتمويل قطري وبعضها سعودي التمويل وهي تروج لتفجير الكنائس وللقتل المباح ضد كل مختلف مسلما كان ام مسيحيا وتنادي بالحشد إلى سورية أساسا.
ثالثا لقد حذر الرئيس بشار الأسد مبكرا من مسار ارتداد الإرهاب إلى الغرب بعد استعماله للعدوان على سورية وقد أورد الكثير من الوقائع والمعطيات في أحاديث متلاحقة توجه بها إلى الرأي العام الغربي عبر صحف وقنوات تلفزيونية فرنسية واميركية خصوصا ولا شك ان من يعقل يتذكر.
قابل الغرب الاستعماري بإدارة الظهر تلك التحذيرات الملحة وبدأ تدفق الموفدين حاملي الرسائل السرية إلى دمشق لطلب التعاون الأمني بينما واصل حكام اوروبا والولايات المتحدة حملاتهم الاستعمارية المسعورة ضد الدولة الوطنية السورية وتولت إسرائيل بالوكالة تقديم الدعم المباشر لشبكة القاعدة في سورية عبر الحدود بينما توسع حجم تورط السلطات الأردنية في دعم التكفيريين في سورية بتوجيهات اميركية غربية وبالمال السعودي القطري وعبر التنسيق المباشر مع المخابرات الإسرائيلية .
اما تركيا شريكة الناتو فهي تواصل لعبتها اللصوصية الدموية في سورية من خلال رعايتها لتنظيم داعش الإرهابي الذي تقيم له شبكات تجارية لبيع النفط المسروق ولإدارة حساباته المالية والمصرفية ولتهريب اكثر من ألف مقاتل شهريا إلى سورية عبر الحدود .
الدرس الذي تقدمه جريمة باريس البشعة والمدانة هي ان حبل النفاق الغربي بات قصيرا ومن يرد صد الإرهاب عن الأمن الأوروبي والأميركي عليه ان يتراجع عن دعم الإرهاب في سورية والبلاد العربية عبر تجفيف المستنقع وتطبيق القرارات الدولية الأخيرة بهذا الصدد لأن تفكيك منصات العدوان هو شرط الوجوب لإنقاذ الشعوب الأوروبية من ويل التكفيريين الذين تورط الغرب الاستعماري في تبني اقتراح الجنرال بيترايوس باستعمالهم في إخضاع سورية والشرق مكررا خطيئة بريجنسكي في “النوم مع الشيطان” الذي انتج القاعدة وفصائلها المتناسخة حتى اليوم وها هي القصة نفسها مرة اخرى .