«شركة» آل سعود تهتز عامر نعيم الياس
كسر سعر برميل النفط مع بداية السنة الجديدة حاجز الـ50 دولاراً انخفاضاً، أي خسر خام «برنت» أكثر من نصف قيمته عن الذروة التي بلغها في حزيران الماضي حين كان سعره 112 دولاراً للبرميل. السعودية في اجتماع دول «أوبك» ضغطت باتجاه عدم تخفيض الانتاج وإبقاء الكمية المعروضة على حالها، ما أفرز تدهوراً مستمراً في أسعار النفط العالمي. فهل تستطيع السعودية تحييد نفسها عمّا يجري؟ بمعنى آخر، وبحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، هل تملك السعودية القدرة على جعل العالم يرتعش كما حصل عام 1973 عندما أدخلت الكون في الأزمة الكبيرة الأولى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية؟
تلعب السعودية في «أوبك»، والتي تتألف من 11 عضواً، دور «المنتج المعزّز» أو المنتج البديل القادر على تعويض أيّ نقص في العرض والإنتاج على مستوى العالم، وذلك بسبب قدرتها على ضخّ 2.5 مليون برميل يومياً في السوق لمنع حصول أيّ تغيير في الأسعار السائدة. وفي أزمة عام 2008، عندما وصل سعر البرميل إلى 40 دولاراً، خفضت المملكة الإنتاج وأعادت تصويب الموقف. أما اليوم، فما يحصل هو العكس، إذ تحاول المملكة الحفاظ على دورها الرئيس على الصعيد العالمي في مواجهةٍ يشكّل الشرق الأوسط محورها. وعليه، فإن ما يجري في سوق النفط ليس انخفاضاً في السعر تحكمه قوانين العرض والطلب والمؤشرات الاقتصادية، بل هو قرار سياسي في الدرجة الأولى، تساهم الظروف الاقتصادية العالمية في تعزيزه مع انخفاض الطلب من قبل كبار المستهلكين في آسيا، والركود الاقتصادي الذي يلوح كسمةٍ أساسية من سمات عام 2015. وعليه، فإن انخفاض أسعار النفط الذي بدأ مع نهاية السنة المنصرمة، ليس حالةً طارئة على المشهد الدولي. لا بل يتوقع له أن يستمر طوال عام 2015. أمرٌ يلقي بظلاله على المملكة ـ الشركة التي بدأت الأصوات الناقدة تعلو في صفوف مجلس إدارتها، بعد مرض الملك عبد الله وعودة التكهنات حول قضية خلافته، التي لم تحسم حتى اللحظة، فيما يحاول الفريق الطبي المشرف على صحة العجوز التسعينيّ بذل ما في وسعه لتأجيل هذا الاستحقاق. فما دور النفط هنا؟
مما لا شك فيه أن المملكة تعاني من انخفاض أسعار النفط شأنها شأن أيّ دولة أخرى في العالم تعتمد كلياً في اقتصادها على الذهب الأسود، وانخفاض السعر بهذه الطريقة الدراماتيكية سيؤدّي بحسب ألف باء الاقتصاد إلى تراجع معدلات النمو، وزيادة عجز الموازنة، وارتفاع نِسب البطالة، وانخفاض قيمة العملة المحلية. لكن المملكة ـ الشركة لجأت إلى زيادة الانفاق في موازنتها الجديدة بنِسب كبيرة دفعت الوليد بن طلال «القاطرة الاقتصادية والمالية للعائلة الحاكمة» إلى شنّ هجوم على وزير الاقتصاد السعودي، يهدف في طيّاته إلى انتقاد السياسة الاقتصادية للأمراء النافذين في إدارة شؤون المملكة. فزيادة الإنفاق لا تتناسب مع انخفاض أسعار النفط، وبالتالي موارد الموازنة التي استندت إليها الموازنة الجديدة في المملكة لعام 2015، إذ قُدّرت أسعار النفط الخام ما بين 55 و60 دولاراً للبرميل، فما الذي دفع المملكة إلى زيادة الإنفاق التي تخالف ألف باء الاقتصاد؟
تتحسّس المملكة الخطر الداهم الذي تعيشه، فالسنة الجديدة تحمل معها تفاعلات أزمات متعدّدة لن تكون السعودية بمنأى عنها. وعلى رغم أنّ الصناديق السيادية في الخليج ومنها الصناديق السعودية والمتخمة بمئات مليارات الدولارات، تساعد دول ملكيات النفط على تحمل العجز في الموازنة، إلا أن زيادة الإنفاق تهدف إلى «رشوة الشعب» ومنع أيّ حركة من شأنها أن تؤثر على الاستقرار الداخلي في ظل تمدّد «داعش» على حدود السعودية، وتظليل مسألة خلافة الملك العجوز للحياة اليومية في السعودية. وهنا تقول مجلة «فورين آفيرز» الأميركية في مقال لمايكل روس: «لقد خطت الديمقراطية خطوات مبهرة في العقود الثلاثة الأخيرة على مستوى العالم، ففي عام 1980 كانت 30 في المئة من حكومات العالم ديمقراطية، واليوم يصل الرقم إلى 60 في المئة. ولكن جميع الحكومات الديمقراطية التي ظهرت في هذه الفترة كانت في بلاد فيها القليل من إنتاج النفط أو خالية منه. لا بل إن إمكانية اتجاه البلاد التي تنتج أقل من 100 دولار للفرد سنوياً من النفط ما تنتجه أوكرانيا وفيتنام تقريباً إلى الديمقراطية كان ثلاثة أضعاف الاحتمال نفسه في الدول التي تنتج أكثر من ذلك». هنا تربط المجلة بين الأوتوقراطيات والملكيات الحاكمة في الخليج ونعمة النفط الموجود في باطن تلك الدول على النظم الحاكمة فيها، والتي تقاد بعقلية الشركة ليس إلا. وهذا ما يبرّر الصمت الدولي عموماً، والأميركي خصوصاً عمّا يجري في السعودية تحديداً، سواء على مستوى الحرّيات، أو على مستوى نُظُم الحكم، أو حتى على مستوى الأخطار الخارجية ومنها العملية الأخيرة لـ«داعش» على حدود المملكة. فالعمل بصمت ضمن الشركة أفضل وسيلة لقيادتها، خصوصاً إذا كانت تمرّ بأزمة مركّبة سياسية واقتصادية.
(البناء)