هل يقايض عون الرئاسة بقانون انتخابي وتعديلات؟ كلير شكر
سيضطر المراهنون على نفاد صبر ميشال عون الى الانتظار كثيراً، قبل أن يتعب المقاتل الشرس ويرمي سلاحه.
حتى اليوم، يفاوض الجنرال كل من يلتقيه أو يسأل عن رأيه من الاستحقاق الرئاسي، من موقع «القوة»، على أنّه المرشح الأول، والأكثر قابلية وقدرة على بلوغ الرقم الصعب.
سيضرب التعب كل من يحاول أن يسحب من لسان الرجل موقفاً انقلابياً يحيله من مشروع ملك إلى صانع ملوك. لا يزال مشهد الدوحة وما سبقه من مشاورات قادتها قطر، ماثلاً في رأسه، ينذره بما يمكن أن يحلّ به إذا جنحت سفينة الرئاسة من بين يدي قبطانها.
يتصرف الجنرال على أنّها فرصته الأخيرة، والكل مدرك لحساسية هذا الموقف. فإما يقطفها ناضجة من خلال إصراره وتمسكه بها لتحمله على كفّ المتغيرات الإقليمية إلى بعبدا، وإما تُسرق ملعقتها من فمه في لحظة ضعف إنسانية أو تراخٍ من جانبه، أو بصفقة إقليمية أقوى من الإرادات اللبنانية.
لم يملّ ولم ييأس، ولا يكترث كثيراً للاتهامات التي تلاحقه بعرقلة الاستحقاق الرئاسي وتعطيله. يقيس السياسي العتيق المعادلات الإقليمية والمحلية التي استدعاها إلى طاولته، من كل جانب وزاوية. كلها تزيده قناعة بأنّ فرصته لم تنته وبأنّ ما فوّته خلال العقود الأخيرة، قد يعوّضه في هذه اللحظة المصيرية التي يرسم فيها مصير منطقة بأكملها.
يوم استقل ميشال عون طائرة الإياب من العاصمة القطرية، بعد مشاركته في اتفاق أحال قائد الجيش ميشال سليمان إلى رتبة «رئيس توافقي»، لم يبذل جنرال الرابية الكثير من المجهود لإتمام مقايضة متوازنة تأخذ منه الرئاسة وتمنحه ما يوازيها أو حتى أقل من ذلك.
كل ما عاد به كان قانون انتخاب، اعتقد المسيحيون أنّه إنجازهم الكبير الذي يحققونه منذ أن «مسحتهم» قوانين ما بعد الطائف المتعاقبة. في تلك اللحظة اقتنع هؤلاء بأنّ «قانون الستين» هو الحلم المنتظر الذي سينقذهم من تقسيمات «اللون الأكثري» التي تذيبهم في داخلها. وإذ بهم يكتشفون أنّهم لا يزالون «ممسوكين وغير متماسكين».
ورغم العناد الذي يمارسه ميشال عون راهناً برفضه الانتقال من مربّع الترشح إلى مربع مباركة أحد المرشحين، فقد يأتي يوم الحسم، عاجلاً أم آجلاً، وقد لا يدور دولاب الحظ لمصلحة الجنرال.
ومع أنّ الرجل يرفض الحديث عن المرحلة «ب» التي ستفلش أوراق المساومة على الرئاسة، أو عمّا يريده مقابل منح بركته للرئيس الجديد، إلا أن شخصيات مسيحية بدأت تطرح الأسئلة حول الثمن المنتظر.
بالنسبة لهؤلاء تتعدى المسألة حدود قصر بعبدا وهوية ساكنه الجديد، إلى التحسينات التي يُفترض بالمسيحيين أن يحققوها في معادلة المشاركة في السلطة، جراء المقايضة التي قد تفرض على ميشال عون. بكلام آخر، يتحدثون صراحة عن تعديلات يفترض أن تطال اتفاق الطائف لتحصين الواقع المسيحي بالدرجة الأولى، من دون أن يعني ذلك نسف وثيقة الوفاق الوطني أو تفريغها من مضمونها، لأن ذلك شبه مستحيل، ولكن لا بدّ من تقوية الموقع المسيحي الأول من خلال دعمه ببعض الصلاحيات.
ليس هذا فقط، لا بدّ بنظر هؤلاء من فرض قانون انتخابي عادل يعيد تصحيح التمثيل المسيحي، لأنها قد تكون الفرصة الأخيرة أمام المسيحيين لتعويض بعض ما فقدوه خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ثمة كلام كثير يتردد في الصالونات السياسية: إذا كان ميشال عون، أحد زعماء المسيحيين، لم يتمكن من الإتيان بقانون انتخابي يعيدهم أحراراً في اختيار نوابهم، فمن سيكون بإمكانه فعلها بعده؟
يأخذ هؤلاء بعين الاعتبار المتغيرات الإقليمية الحاصلة من خلف الحدود، حيث تفيد المؤشرات القادمة من أكثر من عاصمة كبيرة أنّ التسوية آتية لا محالة، ومن شأنها أن تعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط للمدى البعيد. وبالتالي إذا لم يتمكن المسيحيون من مواكبة هذه المتغيرات، التي لن تعفي لبنان من مترتباتها، فقد يمرّ قطار التغيير من دون أن يتمكنوا من الركوب في قاطرته اللبنانية، لا سيما أنّ «حزب الله» متمسك بتحالفه مع المسيحيين ومستعد لدعمهم.
هذا السيناريو المتفائل، طرق أذهان متتبعي الحوار المنتظر بين ميشال عون وسمير جعجع. لم يجد هؤلاء سبباً لدى «حكيم معراب» قد يدفع به إلى ترك قلعته للتوجه إلى الرابية، إذا لم يكن في رأسه بعض من هذه الأفكار التي ستأتي بالمصلحة لكل المسيحيين، على اختلاف اصطفافهم السياسي.. فهل تكون بداية المرحلة الثانية من الاستحقاق؟
(السفير)