حوار عون ـ جعجع بين الممكن.. والمستحيل نبيل هيثم
قرر ميشال عون وسمير جعجع أن يتحاورا، لكن ما هي حقيقة الدوافع التي تفرض الحوار بين هذين الخصمين اللدودين، وأي نتائج مرتجاة، وماذا يمكن أن يقدم أحدهما للآخر، وبينهما مسافة ثلاثين سنة حافلة بـ «المآثر» والتناقضات؟
شكل تبادل إسقاط الدعاوى القضائية بين «القوات» و «التيار الحر»، عشية السنة الجديدة، علامة إيجابية متبادلة للتدليل على رغبتهما بحوار هادئ جدي ومنتج على ما يشيع المقربون من الجانبين، لكن في الوقت نفسه، تشي مواقف الرابية ومعراب بأن الزمن ليس زمن انقلابات، وبالتالي، يذهب كل واحد الى الحوار بمسلّماته وثوابته، مراهناً على «الصورة» والقدرة على اجتذاب الآخر أو جمهوره.
فـ «القواتيون» يقولون «نحن مع محاولة تنظيم الاختلاف وإخراج العلاقة مع «التيار الوطني الحر» من موقع الاشتباك الدائم، نحن حقيقة نريد الخروج من خلف المتاريس، أما في الشق الرئاسي، فإن جعجع لن يتردد في محاولة إقناع عون بتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبالانسحاب المتبادل من المعركة، وعندها «لتأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها ولينزل النواب الى المجلس وينتخبوا من يرونه أهلا للرئاسة، حتى لو انتخب عون في هذه الحالة.. سنكون أول المهنئين له».
وأما العونيون، فيذهبون الى الحوار بالروحية الآتية:
– ان ترشيح «الجنرال» لرئاسة الجمهورية هو ألفباء أي حوار وأي جدول أعمال، وليس واردا في قاموس الرجل سحب ترشيحه، وهو يملك قراءة متكاملة للترشيح من موقع مسيحي لا يستطيع أي حريص على الحضور المسيحي في البلد وبالتالي في السلطة أن يدير ظهره لها.
– وضع الكرة في ملعب جعجع، من خلال التأكيد على الهدف المركزي: إعادة بناء التوازن مع الطوائف الاخرى، وهناك فرصة سانحة لذلك من خلال تسهيل وصول الرئيس القوي الى رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن منع هذا الوصول في هذه المرحلة الشديدة الدقة والحساسية والمصيرية بالنسبة الى المسيحيين هو خطأ قاتل سيدفع ثمنه الموارنة والمسيحيون.
– «الجنرال» على دراية بالتجارب المشتركة، ولا سيما ما تم في زيارته الشهيرة لجعجع في سجنه في اليرزة والاتفاق بينهما الذي سرعان ما انقلب عليه جعجع وتوج ذلك بالتحالف الرباعي ضد عون في انتخابات 2005، ما يعني أن قرار جعجع ليس بيده وان أكثر ما يمكن انتزاعه هو التهدئة في الساحة المسيحية.
ليس خافيا على أحد أن بكركي تبارك هذا الحوار وان كانت حذرة في مقاربته ولا ترفع سقف توقعاتها منه، «المهم أن يفضي أي حوار الى انتخاب رئيس للجمهورية وليأتِ من يأتي وليس شرطا أبدا ان يكون من الصف الأول أو الثاني أو العاشر، المهم بالنسبة إلى بكركي إنهاء الوضع الشاذ السائد من أكثر من مئتي يوم في الموقع الماروني الأول في لبنان والعالم العربي».
مباركة بكركي تتقاطع مع قراءة مسيحية محايدة تدعمها بكركي، يدفعها القلق على الوجود المسيحي وحال التراجع والاهتراء في وضع المسيحيين في المنطقة، ولبنان ضمنا الى ان «تحلم» بانتهاء حال الانقسام والتشرذم المسيحي، خصوصا ان الوضع المسيحي العام، «لا يحتمل لعبة مزايدة لا من عون ولا من جعجع، فمستوى التهديد الذي يحدق بالمصير المسيحي يفرض على سائر القيادات المسيحية تشكيل مظلة أمان للمسيحيين في آخر نقطة وجود لهم، أي لبنان» على حد تعبير شخصية مارونية «محايدة».
التوافق كما دلت التجارب مع عون وجعجع مستحيل كما تقول تلك الشخصية، لكن بالحد الممكن «يمكنهما تنظيم خلافاتهما والالتقاء على مساحات الحد الادنى، وقد لا يكون خافيا على عون وجعجع حالة القرف المتنامية في أوساط المسيحيين منهما ومن استمرار الانقسام والفراغ، وانه بمجرّد فتح أبواب السفارات أمام الهجرة، قد لا يبقى مسيحيي واحد في لبنان».
رئاسة الجمهورية، وفق القراءة المسيحية «المحايدة»، «تشكل قوة الدفع الأساسية وربما الوحيدة للحوار بين عون وجعجع، ولكن السؤال المطروح: ماذا يمكن أن يؤثر الاثنان في هذا الاستحقاق ما دام رئيس الجمهورية في لبنان لم يكن يوما إلا صناعة خارجية»؟
تجيب الشخصية نفسها: «ما داما ليسا مقررين في الاستحقاق الرئاسي، أليس الاجدى أن يؤجلا البحت بالبند الرئاسي وأن يبدآ البحث في ما تريد القاعدة الجماهيرية من هنا وهناك، وتحديد هواجسها والنظر في ما اذا كانت تلك الهواجس آيلة للتبديد أو مستعصية، وأما الشأن الرئاسي، فليعط الخبز للخباز هنا ولننتظر ما ستفرزه التسويات الكبرى في المنطقة»؟
تختم الشخصية بالقول: عون يراهن على تغليب المنسوب اللبناني في الاستحقاق الرئاسي، لأنها فرصته الأخيرة.. أما جعجع، فهو يراهن على أن الرئيس لم ولن يكون صناعة لبنانية، وبالتالي لا شيء يمنع أن يسمع «الجنرال» كلاما «قواتيا» طيبا في هذا السياق، ما دام كلاماً غير قابل للصرف في ماكينات الناخبين الخارجيين لرئيس جمهورية لبنان.
(السفير)