أفغانستان: هل يلاقي أشرف غني مصير نجيب الله؟ عامر نعيم الياس
هل كان الهدف الأميركي من وراء «الحرب المقدّسة» لجورج دبليو بوش الانتقام من عدوّ ما اتّهم بشكل تلقائي بمسؤوليته عن أحداث الحادي عشر من أيلول ومأساة برجَيْ التجارة العالميين في نيويورك؟ هل كان الهدف إسقاط نظام «طالبان» الحاكم حينذاك وإقامة نظام «ديمقراطيّ إنسانيّ» في أفغانستان؟ أم أنّ الهدف لم يكن في أولويات صانع القرار الأميركي وبالضرورة الأطلسي؟
«حفل هادئ» في الصالة الرياضية داخل «المقر المحصّن لإيساف داخل العاصمة كابول»، بحسب توصيف صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، أنزل خلاله الجنرال الأميركي جون كامبل علم القوات الدولية معلناً نهاية مهمة «إيساف» قائلاً «لقد جعلنا أفغانستان أكثر قوّة وأكثر أماناً»، متحدثاً عن الخسائر التي مُني بها حلف الأطلسي إذ فقد 3485 جندياً بينهم 2365 من الجنود الأميركيين في أطول حرب خاضها الجيش الأميركي بعد الحرب الفييتنامية. فهل ما تكلّم به الجنرال الأميركي صحيح؟ وما الذي ينتظر أفغانستان بعد انسحاب القوات الدولية؟
بدايةً، تجد الإشارة إلى أنّ نهاية ولاية «إيساف» لا تعني رحيل كامل القوات الغربية عن أفغانستان، إذ يتوقع أن يبقى في البلاد حوالى ثمانية عشر ألف جندي غالبيتهم من الأميركيين كجزء من برنامج لدعم القوات الحكومية الأفغانية وتدريبها. ما يضمن، بحسب الرؤى الأميركية، النموذج الأفغاني الذي واكب سياسياً ما جرى عسكرياً عبر إجراء الانتخابات الرئاسية الأولى في البلاد، والتي فاز فيها أشرف غني.
13 سنة من النتائج الهزيلة رآها الجنرال الأميركي نقلة نوعية للحالة الأفغانية التي انتقلت من سيّئ إلى أسوأ، ولا تزال بانتظار ما هو أسوأ في بلاد يبدو أن للحرب نمطاً ثابتاً فيها، ومراحل لا تتغيّر بتغيّر الزمان والعدو، بل يبدو يوماً بعد يوم، أنها مرتبطة بالمكان وبالميليشيات الأفغانية الرافضة أيّ نوع من أنواع السيطرة على المناطق التي تعتبرها مجالاً لنفوذها.
هنا لا تحضر أفغانستان بصفتها وطناً، بل يرتبط الرفض بعوامل تبدأ من النفوذ وتنتهي بما هو قومي وديني ومذهبي، ولنا في تجربة البريطانيين والسوفيات مثال واضح على ذلك، إذ ترك كل منهما البلاد هرباً من مستنقع لا يدري كيف تورط به ولماذا، فالأمر كما تقول «لوفيغارو»: «يبدأ بنزهة في أفغانستان وتقدّم عسكري سريع، كما حصل مع قوات التحالف الدولي عام 2001، إذ وصلت القوات الدولية إلى كابول في تشرين الثاني وأسقطت حكم طالبان»، لكن في مراحل لاحقة، وفي عام 2003، بدأت الحركة تستعيد زمام المبادرة وتعود إلى ساحة الفعل الميداني بشكل متدرج وصل في عام 2010 إلى تحرّك إدارة أوباما الملحّ لتعزيز الوجود العسكري من أجل استعادة مناطق كاملة في جنوب البلاد وشرقها من سيطرة حركة «طالبان» التي أصبحت على أبواب العاصمة كابول، لكن معارك طويلة اندلعت من دون أي نتيجة، فحركة «طالبان» بقيت تحافظ على نفوذها في جنوب البلاد وشرقها، خصوصاً في المناطق الريفية. والقوات الدولية بدأت عملية تسليم الأمن للقوات الأفغانية المخترقة من حركة «طالبان» بشكل كبير، تحت شعار ضرورة تأهيل القوات الأفغانية لاقتراب موعد انسحاب القوات الدولية. واليوم، انسحبت هذه القوات وتركت أفغانستان في مهب التوقعات والتحليلات بين متشائم وآخر متفائل بمستقبلها، ولكن بين هذا وذاك يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
ـ التحالف الدولي ترك أفغانستان كما دخلها، دولةً فاشلة يسيطر عليها أمراء الحرب الذين يديرون مناطقهم واقتصادات النهب والسلب والسرقة والفساد وزراعة الحشيش الخاصة بهم، من دون قدرة حكومة كابول على التدخل والتأثير في ما يجري على الأرض الأفغانية. والجدير ذكره، أن زراعة الحشيش زادات عدّة أضعاف بين عامَيْ 2001 و2014.
ـ طالبان لا تزال على أبواب العاصمة كابول، والإدارة الأميركية اعترفت بها بشكل ضمني في عملية تبادل السجناء الأخيرة، من دون أن نغفل المفاوضات التي تجري بين الجانبين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر برعاية قطرية. كل ذلك تمّ من دون اعتراف رسمي، بل يحاول كل طرف الحفاظ على موقفه المعادي للآخر.
ـ التحالف الدولي لم ينسحب بشكل نهائي من أفغانستان، بل أبقى على جنود للتدريب ودعم القوات الأفغانية. فهل يستطيع 18 ألف جندي إدارة اللعبة مع «طالبان» والحفاظ على خطوط التماس الحالية؟ في الوقت الذي عجزت أضعاف هذا العدد من القوات الأطلسية عن تثبيت خطوط التماس مع الحركة التي يقودها الملا عمر.
ـ من سيملأ الفراغ الذي ستتركه القوات الدولية؟ كيف ستتحرّك دول جوار أفغانستان للدفاع عن مصالحها الذاتية وأوراق قوتها في البلد الممزق الذي خلّفه الأميركيون وراءهم؟ ما هو شكل الصراع بين الهند وإيران وباكستان؟
13 سنة من الوجود الأطلسي المدمّر لأفغانستان، مهمة غير مكتملة ونتائج زادت البلاد تشظّياً، ووجود رمزي لحماية إرث الأطلسي في كابول، فهل يضمن الحلف بثمانية عشر ألف جندي عدم تكرار ما جرى مع الرئيس الأفغاني نجيب الله الموالي للسوفيات والذي سقط حكمه بعد ثلاث سنوات من الانسحاب الروسي من الأرض الأفغانية؟
(البناء)