افتحوا ملف «الجرف الصامد»: عاموس هارئيل
القرار بالتحقيق حول ماجرى في القتال في غزة اثار غضبا في اوساط هيئة الاركان والمستوى السياسي. الا اذا كان فحص جوهري من شأنه ان يمنع اتخاذ خطوات قضائية ضد ضباط في خارج البلاد ويثبت ان الجيش لا يمر مر الكرام على قتل المدنيين.
اخلت عاصفة جفعاتي، التي اشغلت جيش الدفاع في الاسبوعين السابقين على خلفية الادعاءات حول التحرش الجنسي ومخالفات إضافية في صفوف الجيش، مكانها هذا الاسبوع لخلافات اخرى، تبدو اكثر اساسية. وكلما كبرت قائمة الضباط المدعويين إلى قواعد الشرطة العسكرية في انحاء البلاد، من اجل تحقيقات جديدة تتعلق بأحداث حرب غزة في الصيف الماضي، فإن النقاش على ذلك يزداد خطورة داخل صفوف الجيش. فلقد اغضبت التحقيقات الـ 13 التي قامت بها تحقيقات الشرطة العسكرية حول الحرب، بتوجيه من النيابة العسكرية، اغضبت هيئة الاركان العامة، وقادة الميدان. فقد اظهرت محاولات سابقة – من ايام الانتفاضة الاولى ولغاية عملية «الرصاص المصبوب» – انه في حالات محددة تم قبول القرار بتقديم ضباط للقضاء، سواء بتهم جنائية او ذات تأثير، ولا يوجد اي شخص يرغب في ان يكون شاذا عن القاعدة.
ولا يبدو الشخص الواقع في قلب الخلاف، وهو النائب العسكري الرئيسي اللواء داني عفروني، قلق بشكل خاص من الغضب تجاهه. ففي بداية الاسبوع قال النائب العسكري الرئيسي كما ورد على لسان جيلي كوهين في «هآرتس»، انه لن يدير التحقيقات بطريقة مختلفة عندما يكون المشتبه بهم هم من الضباط الكبار. واوضح عفروني ان من واجبه التعاطي بشكل متساوي مع «جندي التحق بالجيش لتوه وبين ضباط كبار حاصلين على الاوسمة والنياشين». واضاف، ان سلطة القانون في جيش الدفاع ليس شعارا فارغا.
كما يقف وراء استمرار التحقيقات اعتبارات سياسية، الذي تلقى استنتاجات الجزء الثاني من تقرير لجنة تيركل التي حققت بقضية اسطول الحرية التركي في العام – 2010. من حيث ان اسرائيل تفترض، انه على خلفية احداث الرصاص المصبوب وتقرير غولدشتاين، فإن التحقيق الداخلي من شأنه ان يخفف من الضغط عليها في الساحة الدولية وتحبط خطوات قضائية ضد ضباط جيش الدفاع في الخارج، حيث ان لها مصلحة جوهرية في استمرار التحقيقات العسكرية.
في اعقاب تقرير تيركل تم إقامة جهاز تحقيق عسكري جديد يقف على رأسه اللواء نوعم تيبون، الذي شارك في تحقيقات ميدانية ( بشكل اساسي التحقيقات التي قتل فيها مدنيون فلسطينيون كثر) ويشارك النائب العسكري الرئيسي في معطياته. الا ان قادة الالوية وقادة الكتائب لا يحبون ذلك، الا ان عفروني مقتنع انه بذلك يبعدهم عن الوقوف امام المحكمة الدولية في لاهاي. فقد تحول خطر لاهاي، الذي بقي لغاية اليوم موضوع نظري، إلى خطر حقيقي هذا الاسبوع على خلفية طلب السلطة الفلسطينية للانضمام إلى المحكمة.
ان ما نشر هذا الاسبوع على موقع ynet، والذي ورد فيه تسجيلات من رجل الاتصال في جيش الدفاع اثناء القتال في رفح في الاول من آب العام الماضي (والذي عرف لاحقا بـ «يوم الجمعة الاسود»)، يجب رؤيته في هذا السياق. فتسريب التسجيلات تم على خلفية الصراع المزدوج الاهداف: المحاولة لتقييد حرية العمل للنائب العسكري الرئيسي في التحقيق بأخطاء عملياتية – والجهد المتواصل لانقاذ قائد كتيبة جفعاتي، العقيد عوفر فينتر. فالاخير يقف في وجه العاصفة منذ نشوب الحرب في تموز الماضي. وفي قضبة تصبار، التي تفجرت بعد الحرب وليست مرتبطة بها بشكل مباشر، فإن عفروني سيغلق التحقيق ضد قائد الكتيبة. ولكن في رفح، اذا قرر النائب العسكري فتح التحقيق، فإن اوامر وممارسات فينتر في إطار المحاولة لاحباط عملية إختطاف الملازم اول هدار جولدين سوف تكون في صدارة الموضوع.
وعلى عكس الانطباع الذي قد يتولد نتيجة جزء من هذه التقارير، فإن عفروني لن يدحرج الاطار مرة اخرى وراء الجرف الصامد. في نهاية الرصاص المصبوب فتح جيش الدفاع، ولكن بشكل متأخر، تحقيقات حول مقتل مدنيين. النائب العسكري آنذاك، اللواء افيخاي مندلبليط، امر بالتحقيق تحت التحذير مع قائد لواء جفعاتي في تلك الفترة، العقيد ايلان مالكا. وتم إغلاق التحقيق الجنائي مع مالكا، الا ان ترقيته قد تم تأجيلها، وتم تسجيل لفت نظر له في حادثة اخرى، كما تلقى قائد لواء غزة العميد ايال آيزنبيرغ والذي يشغل اليوم قائد قيادة الجبهة الداخلية، ايضا لفت نظر في هذه القضية.
لقد اوضح رئيس هيئة الاركان بيني غانتس يوم امس ان له» ثقة كاملة بقائد لواء جفعاتي، وقادة الكتائب، وقادة السرايا في جفعاتي وفي الالوية الاخرى». وقال ان « الضباط والجنود، يتلقون غطاء كاملا.. واذا ما شذ احد وقام باعمال خطيرة وممنوعة، سوف نعالج ذلك. نحقق، نجد الاجراءات القيادية ومتى سيكون هناك ضرورة لاستكمال التحقيق سنستكمل ذلك». وفي خطوة غير مألوفة من قبله، امر غانتس بإجراء الشرطة العسكرية تحقيقات اضافية، وهذه المرة لايجاد مصدر التسريب والتسجيلات.
كما هو متوقع فإن السياسيين سوف يقفزون فوق ذلك. ومن سيكون الاول هذه المرة ليس نفتالي بينت، بل موشيه كحلون، الذي سارع في اعقاب نشر التسجيلات لنشر تعليقا له على الفيسبوك. حيث وظف كحلون التحقيقات الجنائية، وفقا لوجهة نظره. الاستهداف وإطلاق النار بإتجاه المدنيين يجب التحقيق به، ولكن القتل غير المقصود للمدنيين اثناء العمليات العسكرية يجب عدم التحقيق به.
إدعاء كحلون ذو إشكالية، من ثلاث جهات.
الاولى: إطلاق النار بشكل مكثف في محيط المدنيين («اوقفوا إطلاق النار، انكم تطلقون كمتخلفين!»)، هكذا سمع قائد كتيبة مشاه يصرخ في مقاتليه على جهاز الاتصال) يعكس مشكلة مهنية. والتحقيقات العملياتة، اثبتت، انها لن تحقق النتيجة الكاملة.
الثانية: من وجهة نظر قيمية: اذا كان هذا هو الجيش الاكثر اخلاقا في العالم، كما يسمعوننا ذلك صباح مساء، فإنه لا يمكنه إغفال قتل عشرات المدنيين من جدول اعماله، حتى ولو كان الامر تم عن طريق الاهمال وبالتأكيد ليس بشكل مقصود. والثالثة – ان القضاء الدولي مجبر على فحص هذا، وان اسرائيل تلعب في هذا الملعب، على الرغم من فزعها. على اية حال فإن البكاء والنحيب على إهانة الضباط في التحقيقات هو امر مبالغ فيه. فإذا كان قائد اللواء او قائد الكتيبة مؤهل لقيادة قواته للحرب، بشجاعة، وتحت نيران العدو، فبالتأكيد فإنه سيكون مؤهل لمواجهة عدة اسئلة مزعجة من قبل عقيد في الشرطة العسكرية.
اعلن جيش الدفاع في بداية الاسبوع، عن الانتهاء من التحقيقات العملياتية حول الحرب في غزة. اذا كانت التحقيقات بالحرب اللبنانية الثانية في العام 2006 بعثت شعورا واضحا من خيبة الامل في صفوف الجيش، فليس روح جلد الذات، هي الروح التي خدمت تحقيقات غزة هذه المرة. فلقد خرج جيش الدفاع من غزة بقرار مصمم على إقناع الشعب انه انتصر في الحرب، الآن فإنه حتى لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست لن تزعجه. رئيس اللجنة الجديد ياريف ليفين (الليكود)، قال هذا الاسبوع بشكل رسمي ما كان من الممكن تقديره فعلا قبل شهر، مع الاعلان عن الانتخابات. نشر تقرير اللجنة حول الجرف الصامد سوف يتم تأجيله على الاقل، إلى ما بعد الـ 17 من آذار. استنتاجات اللجان الفرعية المختلفة – حول ممارسات المجلس الوزاري المصغر خلال الحرب، حول استعدادات الاستخبارات، حول طبيعة الرد لجيش الدفاع للانسحاب من الحرب التي ادارتها حماس في غزة – جميع ذلك سينتظر نتائج الانتخابات. وعلى الرغم من ليفين لم يقل ذلك صراحة، من الممكن تخمين ان هذه التقارير لن ترى النور حاليا.
لقد خصصت مجلة «اتلانتيك» هذا الاسبوع تقريرا مكون من 10000 كلمة، لما وصف كـ «دراما الجيش الامريكي»، تناولت تحليلا معمقا وقاتلا لفشل الحرب التي ادارتها الولايات المتحدة في افغانستان، العراق ومؤخرا في سوريا. «في اميركا»، كتب المحرر، جيمس فلوس، مع زميله التبذير في قلة الحذر، والغباء الاستراتيجي من اجل ان تتورط في حرب لا نهائية لن ينجح بها ابدا».
في الشهر الماضي نشرت الـ «لندن ريفيو أوف بوكس» تحقيقا بطول مماثل تناول خمس كتب نشرت مؤخرا توجه نقدا بلا رحمة حول التدخل العسكري البريطاني في افغانستان. ويقتبس احد الكتب قول احد الضباط التابع للقوات الخاصة للولايات المتحدة «لقد تم في افغانستان تحرير شيكات غير قابلة للصرف».
عنوان التحقيق؟ «اسوأ من الهزيمة ـ الاحتقار في افغانستان».
من الصعب مقارنة غزة بافغانستان والعراق. حتى لو تمت رؤيتها، كما يجب ان ترى، الجرف الصامد كفقرة اضافية في معركة مستمرة بدأت على ما يبدو بالانسحاب الاسرائيلي من القطاع في العام 2005، فالحرب في غزة لا تشبه في مقاييسها، وبطولها وبالثمن المرتبط بها بمعارك عسكرية واسعة خاضتها الدول الكبرى الغربية في آسيا في السنوات الـ 13 الاخيرة. فالعملية الاخيرة في الصيف ليس بالضرورة ان تحسب فشلا، لان جيش الدفاع سجل فيها عدة انجازات حقيقية. فيما عدا ان الاشهر الاربعة الاخيرة التي اعقبت الحرب ما تزال غامضة. فالجمهور عاد منذ زمن، لاهتماماته اليومية، والجيش مقتنع انه انتصر، ومعظم اهتمامات وسائل الاعلام بالحرب يتركز على توزيع الاوسمة المتوقع وبالدفاع عن الضباط في وجه ملاحقاتهم من قبل المدعين العسكريين، وان اعضاء الكنيست مهتمون هذه الايام بشؤون الانتخابات اكثر من توجههم لاستخلاص العبر من نتائج التحقيقات. بقي فقط مراقب الدولة، ولكن إلى ان ينتهي رجاله من كتابة تقاريرهم بخصوص وجهات النظر المختلفة حول الحرب سوف تمر شهور كثيرة، اذا لم تكن ربما سنة.
غزة العام 2014 كانت عنوان على الجدار في كل ما يتعلق بطبيعة العدو الذي ستضطر اسرائيل لمواجهته في الحروب القادمة، في حال نشوبها، في لبنان، في غزة، او في الضفة الغربية.
على ما يبدو ان جيش الدفاع ما زال يبحث عن طريقه فيما يتعلق بطبيعة الحل المطلوب لذلك . فالقلاقل من متخذي القرارات جاهزون للاعتراف بهذه الوقائع، او لاحداث التغييرات المطلوبة من اجل مواجهتها.
لقد دار على هامش الحرب في الصيف نقاش حول ثمنها، الذي دفعته القطاعات والمجموعات المختلفة في اسرائيل. فبشكل غير مباشر، استخلصت من ذلك تبعات سياسية. هل التضحية بالزي العسكري تشهد على مساهمات هذا المعسكر او ذاك؟ فحزب البيت اليهودي، بشكل خاص، من المفضل ان يترجم هيمنته الصهيونية الدينية في صفوف كتيبة المشاة والوحدات المختارة للشعبية في اوساط الجمهور. ولكن الانطباع الذي تبلور هذه المرة هو ان تقسيم الساقطين (القتلى) متوازن اكثر – المتدينيين إلى اجناب الكيبوتسيين، ما كان يسمى ذات مرة ارض اسرائيل القديمة إلى جانب الضواحي وغير ذلك .
فحصت البروفيسورة يجيل ليفي، الباحثة العسكرية والعضوة في القدس المفتوحة، التوزيع السكاني لقتلى جيش الدفاع منذ فترة طويلة. بعد الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية، تقرر ان تحليل المعطيات يشهد على تغيير فعلي.
عندما يتم على سبيل المثال مقارنة قتلى الاسبوع الاول في الحرب اللبنانية الاولى بقتلى الحرب اللبنانية الثانية بأكملها، يتبين ان نسبة القتلى من بين ما يعرف بـ «الطبقة السطى العلمانية» انخفض من 68 بالمئة إلى 54 بالمئة. وتدعي ان التوزيع، بقي في الحرب الاخيرة ايضا على ما هو، ربما على عكس الانطباع السائد بين الجمهور. فأيضا في غزة فإن نسبة القتلى من الطبقة الوسطى العلمانية كان 54 بالمئة (بالمجمل فإنهم يشملون ايضا ابناء الحركة الاستيطانية العاملة القديمة). باقي القتلى موزعين بين الجنود المتدينين (20 بالمئة) الضواحي (مهاجرين، سكان مدن التطوير، الاقليات – 26 بالمئة). ووفقا لرأي البروفيسورة ليفي، فإن بيانات القتلى في الجرف الصامد تعزز الاتجاه الذي ساد في العقد السابق. في التركيبة الاجتماعية لجيش الدفاع، كما جميع قتلاه، تتلقى الضواحي وزنا اكبر وهو باق على ما هو عليه.
هآرتس