محور المقاومة: قرارات حاسمة في مواجهة أصحاب الخيارات الصعبة. أمين محمد حطيط
يتطلع كثيرون من المعنيين بالمنطقة واستقلالها إلى العام الجديد مؤملين بان تكون فيها نهاية مطاف الأزمة -العدوان الذي استهدف سورية وعبرها استهدف المنطقة ومحور المقاومة كله او بدء النهاية، في حين يتطلع من خطط للعدوان وقاده أو أداره آملا بان يكون العام الجديد عام تعويض الإخفاقات أو الحد من الخسائر ذات الطبيعة الاستراتيجية التي تشكلت إرهاصاتها في الأفق بشكل واضح. ومع الآمال المتعاكسة يطرح السؤال: أي من الآمال أقرب للتحقق؟
في الحقيقة لا يمكن الإجابة على هذا التساؤل إلا انطلاقا من نتائج المواجهات التي حصلت حتى الأن، معطوفة على الإمكانات والقدرات التي لا زالت بيد كل من الأطراف المتواجهة، فضلا عما تتيحه تلك الإمكانات من خيارات أمام أصحابها.
ونبدأ مع جبهة العدوان بقيادة أميركا، ويلفتنا في البدء ما جاء في دراسة نشرت مؤخرا نقلا عن مراكز دراسات اميركية حيث ذكرت بان “أميركا فقدت ما بيدها من أوراق في سورية والعراق فضاقت الخيارات عليها بشكل يجعلها عاجزة عن اعتماد خيار مؤثر يؤدي إلى تحقيق أي من الأهداف التي تصبو اليها في المنطقة“.
ورغم أن الدراسة تلك صدرت في أميركا ذاتها، ورغم أننا على قناعة تامة بان أميركا فشلت في كل ما طرحته من خطط عدوانية منذ أربع سنوات، إلا أننا وبموضوعية نقول بان أميركا لا زالت تكابر وترفض الاعتراف بالفشل وتحاول كسب الوقت لإعادة تهيئة البيئة في المنطقة لطرح خطة جديدة تكون بمثابة خطة الإنقاذ أو خطة تحديد الخسائر، او اقله حرمان الخصم من الاستفادة من انجازاته.
وعلى هذا الأساس فان التعامل الموضوعي مع المسألة يفرض توقع إطلاق خطة عدوان اميركية جديدة وبلبوس جديد. خطة لا تغيب عنها الحرب النفسية والتهويل الذي لجئ اليها في كل الخطط السابقة التي فشلت.
فأميركا تدرك أولا أن جبهة العدوان التي وصلت إلى حشد 133 دولة قبل عامين ، أن هذه الجبهة تفككت و لم يقتصر الأمر على التشرذم بل وقع الخلاف و التناحر بين اكثر من طرف من حلفاء الأمس لكنها رغم ذلك تصر على المكابرة و ترى أن تفكيك جبهة المقاومة و حلفائها قد يكون مدخلا جيدا لوضع خطة عدوان جديدة موضع التنفيذ و لذلك نراها تعول الآن و بشدة على الحرب الاقتصادية التي تشنها بقساوة على روسيا و ايران الحليفتين الرئيسيتين لسورية في المجالين الرئيسيين للمواجهة (العسكري و الاقتصادي ) فضلا عن السياسي ، و هي الحرب التي جعلت النفط أداتها الرئيسية عبر تراجع سعره بشكل دراماتيكي لتحقيق امرين هما منع المساعدة الاقتصادية عن سورية و الحاق الضرر بالاقتصاد الوطني للدولتين بما يضغط عليهما و يجبرهما على الانكفاء والتراجع عن دعم سورية والعراق لتتمكن من الانقضاض عليهما بخطة عدوان جديدة كما اشرنا..
ولا يفوتنا ما تقوم به أميركا ضد شبه جزيرة القرم الروسية، بقصد الضغط على روسيا أيضا والتي كان اخرها وقف شبكة الأنترنت ووقف العمل ببطاقات الائتمان وتحريك النقود مثل فيزا كارت أو ماستر كارت. كما لا يغيب عن البال ما تستمر أميركا بممارسته من ضغوط أيضا على حزب الله.
اما على صعيد الطرف الاخر وفي مواجهة ما يمكن أن تطلقه أميركا من خطط عدوانية جديدة نرى أن محور المقاومة يظهر وعيا وجهوزية مميزة وصاغ ذاته ونما طاقاته حتى بات جبهة متراصة تملك من القدرات ما يجعل تراجعه عن مواقعه أو مواقفه أو تمكن الآخر من النيل منه بشكل استراتيجي مؤثر، بات امرأ مستحيلا. وتأكيدا على ذلك فقد اتخذ من المواقف والسلوكيات ما يجعل المهتم يفهم ما اتخذ من قرارات بهذا الصدد ويدرك الرسائل التي تعنيها.
فعلى الصعيد الاستراتيجي نلحظ قيام منظومة تنسيق ثلاثية لمحاربة الإرهاب، كانت نتيجة الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين إيران وسورية والعراق في العام الماضي، والذي وضع موضع التنفيذ في الميدان ولمس المراقبون بشكل محسوس تأثيره في كل من العراق وسورية، إلى الحد الذي جعل رئيس الوزراء العراقي يعد شعبه بان تكون سنة 2015 عام تطهير العراق من الإرهاب، وكما وارتسم في سورية مشهد ينبئ بتراجع متواصل اكيد للجماعات الإرهابية أمام ضربات الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفية.
وعلى الصعيد العسكري تقرأ الرسالة المتعددة المضامين التي وجهتها إيران في الأسبوع الأخير من السنة، إلى الحلف الأطلسي واتباعه في المنطقة، عبر مناورات “محمد رسول الله ” التي جرت في البر والبحر من الخليج إلى بحر عمان على مساحة مليوني م2 مناورات شاركت فيها القوات البرية والبحرية والجوية. حيث أكدت جهوزية إيران للمواجهة العسكرية الدفاعية في البر البحر والجو، ووجهت بذلك ما يشبه الإنذار إلى الخصم بان حربه الاقتصادية النفطية لن يترك له الاسترسال بها، وأن تهويله بالقوة العسكرية وتفعيل القواعد العسكرية الأطلسية في الخليج لن يجده نفعا.
وعلى الصعيد الميداني وبعد الانجازات الهامة التي حققها الجيش العربي السوري والقوات الحليفية والرديفة في الميدان السوري، جاءت الرسالة – القرار الحاسم في متابعة الحرب على الإرهاب، الرسالة التي أطلقت من جوبر الدمشقية، من خلال جولة الرئيس بشار الأسد الميدانية على مراكز القتال ومواقع العمل لحماية دمشق وقواعد الانطلاق لاستكمال تطهير ريف دمشق من الإرهابيين بدءا من استكمال اجتثاثهم من الغوطة الشرقية. فقد شاء الرئيس الأسد في ليلة راس السنة ومن خلال حديثه للجنود وسهره معهم أن يؤكد بشكل قاطع أن موافقته أو سعيه للحوار السياسي بين السوريين، لا يؤثر باي حال على قرار سورية في اجتثاث الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. وأن سورية وحلفاؤها ماضون في القرار هذا حتى النهاية ـ فجاءت رسالته متعددة المضامين من ميدانية ومعنوية الى عسكرية وسياسية.
اماعلى الصعيد السياسي فاننا نلحظ الإصرار على السير قدما في مؤتمر الحوار السوري-السوري وفقا للمبادرة الروسية بحثا عن حل سياسي للازمة ضمن الثوابت و المبادئ الوطنية السورية، وقد كان لافتا تجاوب عدد كبير من السوريين الذين وجهت إليهم الدعوة بصفة “معارض”، استجابتهم للدعوة التي وجهتها روسيا رغم علمهم بان الدعوة جاءت تحت عنوان “حوار سوري دون شروط مسبقة “، ورغم أن نجاح مثل هذا الحوار ليس مضمونا إلا أن مجرد السعي اليه وبالشكل الذي يحصل الآن يشكل بذاته ورقة قوة لجبهة مقاومة العدوان الأجنبي على المنطقة .
إن تحليلا سريعا لهذه المشهد يقود إلى القول انه في الوقت الذي يجد فيه المراقب أن جبهة العدوان على المنطقة باتت مفككة تتخبط في تصرفات استعراضية غير مؤثرة و تواجه خيارات صعبة للمتابعة ، و أن سقف أهدافها الجديدة لا يتعدى الاكتفاء باليسير حتى لا تتحقق الهزيمة الاستراتيجية ، يجد أن جبهة الدفاع عن المنطقة و قرارها السيادي المستقل متماسكة متراصة و انها اتخذت القرارات الحاسمة التي لا رجعة عنها ، بدءا بقرار استراتيجي يتمثل بالعمل الجبهوي المنسق في الميدان ، ثم القرار بمواجهة العدوان مهما كانت طبيعته ، يتبعه قرار باجتثاث الإرهاب مهما كانت عناوينه و مخاطره ، و أخيرا لقرار بالسعي لحل سياسي يشارك فيه الوطنيون غير المرتهنين للغرب ، و شتان ما بين حائر يتخبط بين خيارات صعبة و بين من يملك الإرادة الفولاذية و القرار و يهيئ القدرات تصاعدا لتحقيق لانتصار .